شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
مكّة
أمكّة .. يا هذي الرحاب تألّقت
بنور الهدى الهادي لنا من محمدِ!
أمكة .. يا هذي المغاني تأرجت
بعطر شذى .. من نبي ومسجد!
أمكة .. يا هذي البطاح تبخترت
بأشجع مغوار .. وأكرم منجد!
لقد عشت فيها منذ ستين حجة
فأطربني أني بمكة مولدي!
لقد ولد المختار فيها فأشرقت
دياجيرها بالنور من خير محتد!
وقد ولد الأمجاد من كل ملهم
بشق يراع .. أو بحد مهند!
وقد شع منها النور في كل أمّة
وكل مكان .. فاستنار بأحمد!
لقد كان بدراً للدياجير كاشفاً
ومن حوله الأصحاب من كل فرقد!
فما كان كالصدِّيق في الناس رقة
وحزماً أطلا منه في كل مشهد!
ولا كان كالفاروق عدلاً وحكمة
فما ثم من عبد لديه .. وسيد!
وليس كعثمان الشهيد سماحة
على كل خصم حوله .. ومؤيد!
ولا كعلي جرأة وزهادة
وعلماً به الساري إذا ضلّ يهتد!
زهت بهم الدنيا فيا رب ماجد
سخا بعد أن ولى .. عليها بأمجد!
ديار الهدى والمجد .. ما أشرف المنى
إذا ما استقرّت عند أشرف مقصد!
درجت بها طفلاً .. فكانت طفولتي
تدندن في نعمى .. وتمرح في دد!
وعشت بها غض الشبيبة أرتوي
من العلم عن أشياخه .. خير مورد!
ومازلت كهلاً أصطفيها وأجتدى
رضاها .. وما من غيرها كنت أجتدي!
وأرجو أنا الشيخ المتيم بالهوى
هواها .. ثوائي تحت أكرم فدفد!
لعل الذي أحيا يجود بفضله
على ميت .. عند المعلاّ بمرقد!
رعى الله في أم القرى وشعابها
زماناً تولّى كالسحاب المبدد!
نعمت به طفلاً .. نعمت به فتى
نعمت به كهلاً كدر منضد!
وحولي من الفتيان أكرم صحبة
نشاوى افتداء .. أو نشاوى تودد!
إذا قلت هيا .. لم أجد من تقاعس
وإن قلت كلا .. لم أجد من تردد!
يتيمهم حب المآثر والندى
وما انصرفوا لهواً إلى حب أغيد!
تذوقت رغد العيش فيهم وشدني
إليهم رحيق الود غير المصرد!
إذا دهم الخطب المزلزل بينهم
خليلاً رأى في كلهم خير مسند!
فأسعده منهم وفاء ونائل
وما كل رهط في الحياة بمسعد!
لقد كاد هذا العهد يطوى قلوعه
وكانت ظلالاً في الهجير الممرد!
فيا كبدي بعد التفرق والنوى
تحن إلى العهد الحبيب الممجد!
وقد حيل ما بين المحب وحبه
بنأي شتيت .. أو بصرف مبدد!
إذا سرت في تلك الرحاب تعثرت
خطاي بها .. من رائح ومجدد!
فأسلمت للدهر المناوش راغماً
ليفعل بي ما شاءه الدهر .. مقودي!
يلوم رفاقي إن تبدّلت مربعاً
منيفاً بأدنى منه .. لكن بأرغد!
أحقاً! وقد لاقيت في النأي شدّة
أروح بها بين الأنام واغتدى؟!
وما كنت أختار الرغادة إن نأت
بنفسي عن هدى .. وألوت بسؤدد!
ولكنها الأقدار تطوي قلوعنا
وتنشرها في هائج الموج مزبد!
فنخضع .. لا ندري إلى أي حالة
نصير .. لأشقى؟! أم نصير لأسعد!
وقد كنت في حالي أطوي دخائلي
على مضض من حاقدين وحسد!
وما أنا بالزاري عليهم فربما
أبوء بما ألقى بذكر مخلد!
أبوء به .. والخلد ينظر باسماً
إليَّ .. ويلقون الهوان بمرصد!
وكم مفسد لم يلق غير تأفف
من الناس .. أو غير الحديث المفنّد!
تطلع للأقدار يرجو نوالها
فلم يلق غير البؤس .. غير التشرّد!
وكم كائد في الأرض يهفو لموعد
حفي .. فما يلقى سوى شر موعد!
أمكة .. يا دار المشاعر والنهى
ويا موئل الأحرار من كل أصيد!
أحن إلى مغناك رغم بعاده
وإن كنت عن مغناك لست بمبعد!
وتهفو الحنايا مثقلات بهمها
إليك إلى ذات السنا المتفرّد!
وما أنا إلا بلبل في خميلة
ولكنني لولا الهوى لم أغرّد!
هواك الذي تصبو إليه نوازعي
وتبقى به في لوعة وتوجّد!
أهيم بواديك اليبيس وأشتهي
ببطحائه المثوى بلحد ممهد!
تركتك مجفواً .. وما كنت جافياً
فما كنت إلاّ كالسجين المصفَّد!
فلا تنعتيني بالعقوق فإنني
لبر إذا زوّدت أو لم تزود!
تؤيدني في البر هذا أوابد
تلوح كصرح بالقوافي مشيد!
أقدم قرباناً إليك شواردي
فكم من مغن يصطفيها .. ومنشد!
يرددها الشادون للناس مرة
وأخرى .. فتحلو كالجنى بالتردد!
فلو سبقت حيناً من الدهر لم يكن
يغني بها غير الغريض ومعبد!
أمكّة .. والحانون حولي على الحمى
حماك .. كثير من ضعيف وايد!
يودون لو عاشوا هناك .. فتلتوي
بهم عنك أرزاء الأسير المقيد!
عطاش .. وذيدوا عن نمير مبرد
فبلى حشاهم بالنمير المبرد!
فكم وامق مثلي .. وكم متطلع
إليك هفا .. من خامل ومسود!
ولولا ظروف عائقات لأصبحوا
وأمسوا بمغنى العز .. مغنى التهجد!
جنود. وما يرجون أجراً على المدى
وكم لك فينا من كريم مجند!
ولو سيم بالدنيا .. بما في كنوزها
من الماس يغلو.. من لآل وعسجد!
لما كان إلا سيداً وابن سيد
ولا كان إلا أوحداً وابن أوحد!
ثراك لديهم كالثريا وربما
علوت على التبر النفيس بجلمد!
فَمُنِّي عليهم بالرضى .. وتطلّعى
إليهم .. إلى هذا الهوى المتجسد!
ليسعدهم أن يبصروك قريرة
ويتعسهم أن تشجبى وتنددي!
أَمكة. ما يجفو التراث مسدد
ولكنما يجفوه غير المسدد!
لئن نزح الأحباب عنك لفترة
من الدهر خوف الغاشم المتوعد!
وما هو إلا العيش يطوي جناحه
فقيراً .. فيجتاز النفيس إلى الردي!
قضاء علينا ما نطيق اتقاءه
فليس لنا غير الرضا والتعوّد!
ولكننا نصفيك حباً مبرءاً
من اللهو .. حب القانت المتعبد!
تجرّد من نفع .. تجرّد من هوى
حقير .. وأسمى الحب حب التجرد!
فما أنت إلاّ القدس في الأرض ينتمي
إلى القدس في العلياء .. بالأمس والغد!
دعائمه شيدت بأيد قوية
فليس لها من هادم متهدد!
لك الله ما تبدين إلاّ لجيد
هواك .. وما ترضين إلاّ بأجود!
أرى في الصخور الصم فيك حلاوة
فأحسبها من فرحتي كالزبرجد!
وأغفو فتشجيني الرؤى وتهزّني
برونقها الحالي .. فأهفوا لمرقدي!
وأصحو على النعمى فيفتنني الكرى
ويفتتني صحوي على حدو مشهدي!
ولما طواني البين عنك تكاثرت
شجوني .. فلم أثبت ولم أتجلّد!
تكبّدت آلاماً .. فضقت ببرجها
وكنت هنا من قبل لم أتكبد!
تباركت ربي حين شرفت مكة
على كل فردوس .. على كل فدفد!
محوت بها ما بين أبيض ينتمي
إلى هاشم عرقا .. وما بين أسود!
كلا أثنيهما حر إذا أيد الهوى
وأحقر من عبد إذا لم يؤيد!
فما ثم للأحساب أية صولة
كصولة قيس .. أو كصولة مرثد!
ولكنها التقوى فكل امرئ بها
يسود ويحظى بالثناء المردد!
فهل لي برجعى أشتريها بمهجة
مقتلة من شوقها المتوقِّد!
إليها .. إلى تلك الرحاب فإنني
لأحلم بالرجعى إليها .. أنا الصدي!
أيا قدري .. والماء تحتي ولا أرى
منابعه .. يا ليت لي عين هدهد!
إذن لاحتفرت الأرض من غير منجل
لتبتل أحشائي .. ولو دميت يدي!
وما شر حاليك الهجير إذا انتحت
عليك الليالي بالصقيع المجمد!
وما الليث عند الدهر إلا كأرنب
ولا النسر عند الدهر إلا كجدجد!
ظننت بنفسي الخير ثم رأيتني
أعيش كمثلي عيشة المتصيد!
فهمهمت باسم الله، والله غالب
على أمره أشكو إليه تمردي!
فأحسست بعد اليأس أن تضرّعي
دليل الرضا منه .. وإن تنهدي!
فسبحانه نعصي فيسدي .. ونشتهي
عليه. فما يأبى على متزيّد!
ويا سرمدي الذات .. إني لبائد
كمثل الورى طراً .. وليس بسرمدي!
أنا المتردي من آثامي بحفرة
تنكر لي فيها طريفي ومتلدي!
وما منهما إلا حفيل بمنكر
وما منهما إلا ظلوم ومعتدي!
أقول لنفسي وهي تزخر بالأسى
رويدك لا تشكي مآسيك واحمدي!
فما الناس إلا مشفق أو مبيت
شماتاً فكفي واسمعيني واقصدي!
لئن كنت خطاءً فلست بجاحد
ولست بجبار .. ولست بملحد!
تغمدني الرحمن منه برحمة
وهل مثله من راحم متغمد؟!
له الحمد في يومي .. له الحمد في غدي
له الحمد يوم البعث .. يوم التلدد!
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :919  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 102 من 173
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور عبد الكريم محمود الخطيب

له أكثر من ثلاثين مؤلفاً، في التاريخ والأدب والقصة.