سلمت يداكِ حبيبتي |
وسلمت لي حلماً وعمرا |
أحرقت ثرثرتي التي |
أكبرتُها فجزيت خيرا |
أنقذتني منها فقد |
قلبت رباح الأمس خسرا |
يا حلوتي إني كرهت |
الشعر قافية وبحرا |
وهجرتُ أوزان الخليل |
وعفتها عجزاً وصدرا |
وفككت من عبث النحاة |
عواطفي شعراً ونثرا |
وفتحت أبياتي فما |
وجدوا بها للنقد ذكرى |
وسئمت هذا النثر |
موزوناً وذاك الشعر حرا |
لم يبق في الحلبات إلاَّ |
زمرة تضحى وتعرى |
ولكم تعلقت القريض |
وذقته حلواً ومرا |
ورسمت أحلامي به |
من خيبتي شذراً ودرَّا |
وتركته لما رأيت |
سراته تغتال جهرا |
وخرجت أصفع حسرة |
وندامة كفاً بأخرى |
الشعر في عصر الخمول |
هزيمة للضاد كبرى |
أرغى وأزبد بالغثاء |
وشوَّه الماضي وأزرى |
نُصغي فلا ندري بما |
يلقى وما ملقيه أدرى |
لم يَشْفِ هذا الشعر جرحاً |
في سراييفو وكسرا |
سيق الشباب إلى سجون |
الموت والتعذيب قسرا |
وغزا الطغاة عفاف |
نسوة أهلها وقتلن صبرا |
أما الشيوخ فأصبحوا |
يسقون في الحانات خمرا |
وبراءة الأطفال ترضعها |
بغايا الصرب كفرا |
أَوِسَام دينِ الله |
أحملُه ولا أرويه ذكرا |
وأقول إني مسلم |
وأبي على الطرقات يُفرى |
وأخي يصيح ولا أجيب |
كأن في الأذنين وقرا |
تالله إني مذنبٌ |
شُلَّت يمينٌ لي ويسرى |
قالوا الحضارة أن أكون |
أخا مسيلمةٍ وصهرا |
ومن السماحة أن تباع |
كرامتي بخساً وتشرى |
ومن العدالة أن أموت |
وقاتلي يختال كبرا |
ومن التواضع أن أمد |
يدي إلى الجلاد شُكرا |
تالله إني عاجزٌ |
والموت أجدرُ بي وأحرى |
سلمت يداكِ حبيبتي |
وسلمت لي حلماً وعمرا |
أنت التي سطرت للأجيال |
تاريخاً وقدرا |
يا مكة الغراء يا |
نوراً من الرحمن ثَرَّا |
تهوي القلوب إلى رحابك |
تستزيد رضاً وبرا |
أنجبت ذا النورين والفاروق |
وابن العاص عمرا |
وكتائباً حملت رسالات |
الهدى والعدل تترى |
وصنعت للأيام أمجاداً |
وللأمجاد صقرا |
أنتِ التي قاد الفخارُ |
زمام ركبك مشمخرا |
وعلى ثراك ترعرعت |
شيمٌ تضوع شذاً وعطرا |
صارت بها راياتنا |
يخفقن في الآفاق زهرا |
هذا فتاك بشعره |
خير العُلى كراً وفرا |
من دوحة لما تزل |
تثري رياض العلم فكرا |
يا شاعراً زفَّ البيانُ |
له فتاةَ الشعر بكرا |
ولدت لـه غرراً تفيض |
طلاقة وتميس سحرا |
وبنت لـه كف الأصالة |
فوق هام النجم قصرا |
من حولـه تشدو البحور |
وتسبح الكلمات غرا |
ما للقصائد أصبحت |
في صفحة الإبداع صفرا |
أبياتها صُمٌّ وأحرفها |
مبعثرة وحيرى |
ونقاطُها غلفٌ فما |
شقت من الظماء فجرا |
الشعر ألسنة بها |
تورى الحروب لظىً وتضرى |
كم أنجزت حلماً تبيت به |
ليالي النصر سكرى |
فإذا خبت أضواؤه |
وتقيحت إفْكاً وهجرا |
حفرت لـه أربابه |
في مهمه النسيان قبرا |
يا شاعراً صحب الأُلى |
في الشعر منزلةً وقدرا |
إن خانني قلمي وجاء |
صريره لغواً وهذرا |
شتان في بحر الهوى |
ما بيننا مداً وجزرا |
شيطان شعرك مترف |
لم يشك مخمصةً وفقرا |
وقرين شعري مترب |
يطوي ليالي العُمر صبرا |
فإذا نزحتُ إلى البداوة |
إن لي سبباً وعذرا |