شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة الأستاذ عزيز ضياء ))
ثم أعطيت الكلمة للأديب الكبير الأستاذ عزيز ضياء فقال:
- بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
- فإن تحديد الكلمة بفترة الخمس دقائق فيه نوع من الحصار لمن يريد أن يتكلم، وأن يفي الأستاذ حسين عرب حقه من التكريم، فمعذرةً إذا أطلت أو فاطلبوا مني الصمت وأنا مستعد لذلك؛ في قصيدة للأستاذ حسين عرب بعنوان: "النفس المغتربة" يقول:
أنا الهزار تغنى ثم أخرسه
شؤم الحياة وبؤس الأهل والدار
هجرت روضي لا مستبدلاً عوضاً
به وغادرت بين الدَّوْحِ أوكاري
فما الحياة سوى أشجان مغترب
وما النعيم سوى إدلاجة الساري
ويل لها بزَّت الأعداء معلية
سود الضمائر وانحطت بأحرار (1)
صوت النُّهى في رباها خافت وهن
وفي معالمها ترديد ثرثار
فإن شكوت فشكوى ضَيْغم أنف
ورُبَّ منتحب في بأس زآرّ
 
- تلك الكلمة راق لي أن أبدأ بها هذا الحديث، ثم أحب أن أقول: إن الأستاذ حسين عرب حرص على أن تكون المقدمة لديوانه.. أو لمجموعته الكاملة للأستاذ الدكتور عبد الله الغَذَّامي، وأنا قرأتها.
 
- الغَذَّامي أحياناً - ولا أدري أيهما أصح.. بتشديد الذال أم بترك التشديد؟ - المقدمة بقلم الدكتور الغَذَّامي تضيء ساحة من مسيرة حذرة بالنسبة للأستاذ مع الشعر الحر أو ما يسمى بالشعر الحداثي، لأننا نعلم أن الدكتور الغَذَّامي - أو الغَذَّامي - هو من طلائع أو من قادة المنادين أو المناضلين في سبيل الشعر الحداثي، وله الكثير مما يسمع ويقرأ وينتفع به أيضاً، ولا أظن الأستاذ حسين عرب كان حريصاً على أن يقدمه الأستاذ الغَذَّامي إلاَّ لأن له شوقاً أو توقاً، أو علاقة ما بالشعر الحداثي؛ وللغَذّامي مقولة: "أصحاب شعر المعاني" ولا أدري هل هناك شعر دون معاني، الفرق الَّذي يذكره الغَذَّامي بين شعر أيام الشباب، وشعر الأستاذ الَّذي تلبس بحكمة الكهولة وعقلانيتها؟ يقول إنها مفعمة بالمعاني ومشوبة بهاجس حزين، بعثه الواقع الأليم للأمة ومثالاً على خيبة أمل الشاعر شعراً نعياً لمجد تالد وعز مفقود، ويذكر له الغَذَّامي بيتاً من الشعر أقف عنده وتقفون عنده طويلاً؛ يقول:
وقيمة النفس أعلى في النُّهى ثمناً
من أن تباع بدينار وقنطار
 
- ثم يقول الغَذَّامي: ولا غرابة في أن يسمو شاعرنا فوق كل تصنيف، فهو من بلدة هي الأم لكل المدائن، هي الحاوية للتأريخ ولأجياله وللتراث بكل توجيهاته.
 
- أفهم من كلمة الغَذَّامي، أن الشاعر كان يسكن في شعب عامر، ولكن من ذكرياتي الشخصية، أننا كنا نسكن في ريع من ريوع مكة؛ أظنه كان يسمى ريع الملائكة، ريع مغازل، وكنت أدخل من باب الزواج وأرى الأستاذ حسين خارجاً، وكان أصغر مني سناً وكنت موظفاً، فأنا أذهب إلى بيتي في هذا الريع - أو في هذا المكان - وهو يذهب إلى عمله أو مدرسته.. أو لا أدري إلى ماذا؟
- ثم يهمني جداً أن أذكِّر المستمعين بأن حمزة شحاتة (رحمه الله) كان ضنيناً بتقدير الشعراء من حوله، وكان حريصاً على ألاَّ يعطي الكثيرين أكثر من حقهم؛ وله كلمة يقول فيها: "وبعد فإن من شعراء هذه المجموعة التي ألّفها الأستاذ عبد السلام الساسي (رحمه الله) من لا يفخر الحجاز وحده بهم ويتيه، بل كل بلد عربي، وهم: السرحان، والعواد، والقنديل، وحسين عرب" أي أنه وضعه في نفس الصف الَّذي فيه السرحان، والعواد، وقنديل؛ ثم يقول حمزة شحاتة: "ومنهم مستحق الرثاء ومستوجب التعزير، حتى يعلن التوبة ممن رفع عقيرته بمثل هذا الهراء الَّذي ظنه شعرا ً، فأفسد به أو كاد جو هذه المجموعة الرقيق حتى أوشك أن يتحول به إلى جو مظاهرة من المظاهرات التي يغلب عليها عنصر الرعاع والدهماء" وغفر الله لي ولسعادة الأستاذ الشيخ محمد سرور الصبان، فهي جريرة من جرائر تقديمه للشعراء الثلاثة، مجموعة الساسي كان اسمها: "الشعراء الثلاثة" ثم يقول: "فتحت هذه الشقوق والغيران ليخرج منها من خرج من الشعراء".
- ولنا أن نتصور من يخرج من الشقوق والغيران، تكثيراً للعدد أو إغراقاً للسوق بالعملة الرديئة على الطريقة الشائعة، والله من وراء القصد وهو الغفور الرحيم؛ أعني أن رأي حمزة في الأستاذ حسين عرب مبكراً كان، أنه الشاعر الَّذي يستحق أن يقف إلى جانب الشعراء الَّذين ذكرهم، والآن هناك ما قد يكون ليس ضرورياً أن يسمع، ولكنه مما أجد أنه جدير بأن ينسب إلى الأستاذ وأنه لا يُنسى له القصيدة بعنوان: "النكبة" حزيران سنة 67:
ودع الناي وخَلِّ الوترا
واهجر الكأس فقد طال السُرى
لا الكرى يطبق أجفاني ولا
عادت الأجفان ترضى بالكرى
قرع الكأسا أناس فانتشوا
وأعادوها فماتوا سكرا
رب خمر أعطبت شاربها
حينما هام بها واختمرا
لقد بتنا سكارى لا نعي
واصطبحنا نستعيد الخدرا
فإذا نحن على قارعة
غادرتنا طللاً مندثرا
كان في الليل لدينا عسكر
وصحونا ففقدنا العسكرا
تركوا الجبهة تَنْعَى حظها
واستباحوا الحكم نهباً وقرى
كل يوم قائد منتصر
يتحدى القائد المندحرا
انقلابات إذا أحصيتها
ربما تحصي الحصى والمَدَرا
غلب الظاهر منها ما اختفى
واختفى أكثر مما ظهرا
دمرت أرضاً وغالت وطنا
غالياً وافتضحت ما استترا
- ثم للأستاذ قصيدة لم يذكر من يعنيه بها بعنوان: "القائد"
أجاحم مستبد
أم عاصف لا يُرَدُّ؟
أم جحفل مسبطرٌّ
يحدُوه برق ورعد؟
أم شعلةٌ للأماني
ضرامها يستجد؟
أم عبقري تهادى وخلفه الجند أسد؟
في أصغريه إذا قال صدق عزم وجد
وفي يديه إذا صال
رايةٌ وفرند
وملء برديه نفس
من بأسها يستمد
طموحها لا يُبارى
وعزمها لا يحد
* * *
يا للغلاب تبدت
أعلامه كالصباح
وقد تهادى إليه
مدجج بالسلاح
مشى إلى النصر يخطو
على الدَّمِ المستباح
يصول صولة ليث
يمرُّ مَرَّ الرياح
اليوم مجد الضحايا
وفتنة الأرواح
في معرض للكفاح
وفي مجال النجاح
تحيا النفوس وتختال
في ظلال الرماح
* * *
خاض الغمار جريئاً
وللغمار ضرام
وصاح والبأس ينصب؟
والغبار غمام
أين الفضيلة؟ أين
الوفاء؟ أين الذمام
يا للعدالة تردى
يا للضعيف يضام
وصادم البأس بالباس
والحياة صدام
فانساب وهو شواظ؟
وانقضَّ وهو رجام
وددتُ أن فؤادي
في راحتيه حسام
يفري رقاب الأعادي
ويستبيه الحمام
* * *
في مشرع للنصال
وفي مجال النضال
تدافعت واكْفَهَرَّتْ
فيالق الأبطال
يا ليتني كنت فيهم
أختال بين النبال
أجود فيها بنفسٍ
تقودني للمعالي؟
 
- وله قصائد كثيرة يطول الوقت إذا حاولت قراءة بعضها؛ مثلاً يقول:
زهدت بالناس أخلاقاً وأصبغةً
شتى ولكنها في النور أسواء (2)
وأنكرت نظراتي كل محتشم
بادي المهابة في برديه حرباء
فإن سكت فعذري أنني شَرِقٌ
بالماء لكنَّ قلبي ضلَّه الماء
أعيته حيلته في عالم نزق
ضل الهداة به واستفحل الداء
فلا النهى شرعُه للناس مشترع
ولا العدالة في ناديه شماء
فاصرف خيالك عن دار تقمصها
شؤم الرعاة وأدواها الأطباء
لفح الهجير نعيم إن رضيت به
وناعم الظل إن أنكرت رمضاء
إن الحوادث إن طالت وإن قصرت
سيان منهن سراء وضراء
 
- ثم تأتي هذه الأبيات الجميلة جداً التي تستوقف القارىء، يقول:
لو كان في صفحة التكوين مطَّلع
للوالدين بما يجنيه أبناء
ما شاء آدم يوماً أن يكون أباً
ولم تشأ أن تكون الأم حواء
لكنه قدر يجري إلى أجل
وهل لما تورد الأقدار إرجاء؟
فيا سماء استجيبي رحمةً وهدى
ويا نجوم اسطعي فالأرض ظلماء.
 
- وأعتذر عن الإطالة التي أحسست أنها محاولة لإنصاف الأستاذ ولتقديره شاعراً عبقرياً، كان ينبغي أن أفرغ لشعره منذ زمن طويل، ولكنه الكسل والشيخوخة أولاً، ثم كثرة ما يصلني من دواوين الشعراء التي ينبغي أن تقرأ وأن تدرس وأن تحلل؛ ويؤسفني أن الحياة في أيامنا تضيق بالنقد الصريح وتضيق بالكلمة التي ينبغي أن تقال؛ ولهذا لملمت عباءتي وقلت: فكيكة ولابد من يوم يأتي يتاح لي أن أقول فيه ما أريد أن أقول؛ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1648  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 22 من 167
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاثنينية - إصدار خاص بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها

[الجزء الرابع - ما نشر عن إصداراتها في الصحافة المحلية والعربية (2): 2007]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج