"43" |
قالوا: علامك .. لا تُرى |
كسواك .. حول ذَوِي الرُّتَبْ |
مستخذياً .. كسب الرضا |
أو صابراً .. كتم الغضب |
يمشي كظل سواه .. |
يُسْعِدُهُ !! فيسْعَدُ باللقب |
زُلْفَى تُقَرِّرُهَا الحياةُ |
ولا يضيقُ بها الأدب .. |
من عاش بين ذوي الذيول |
مَدىً!! سيصبح ذا ذنب |
قلت: الحياة قصيرة |
ومآلُ ما فيها عطب |
حسبي بها لَقَبَانِ |
اسْمُ أبي !! وَفَنٌّ ما نضب |
حيا يحرِّكُني الهوى |
حُرَّ المذاهب والسبب |
إن الحياة إذا انتسبت |
كما ألفت ـ لِيَ النَّسَبْ |
القيد لا أرضى به |
وَلَوْ أنَّ قَيْدِي من ذهب!.. |
* * * |
|
"44" |
وقالوا: تصوَّنْ!! سُمْعَةُ المرء كنزه |
ومقياسه الأعلى إذا قيس في الناس .. |
فقلت: دعوا طبعي فما دمت ناجحا |
فإن نجاح المرء .. أفضل مقياس!! |
* * * |
|
"45" |
يقولون: إن الشعر ولَّى زمانه |
وأجدب مرعاه .. وجفّت منابعه! |
فقلت: هو الإنسان في الكون لم تزل |
مشاعره خَفَّاقَةٌ ... وطبائعه!.. |
* * * |
|
"46" |
قالوا في حلق اللحى: للخد غمزُ |
مثلما اللحية ـ طول الشِّبْرِ ـ لَمْزُ!.. |
قلت: إني منهما نِصْفٌ أَعَزُّ |
هذه الشعرات فوق الذقن رمز!.. |
* * * |
|
"47" |
قالت الفتنة: ماذا تبتغي مما تقول.؟ |
أصبح الشاعر في العصر ـ على العصر ـ دخيل |
والعذارى من بنات الشعر أذواها النحول |
وانتهى الفجر ـ إلى صمت من الليل ـ ملول |
واللآلي خرزا ـ بات على الجيد ـ يصول!.. |
قلت: للزهرة عُشَّاقٌ ـ وفي الزهر شكول |
والفراشات ضحايا النور ـ عاشت للحقول |
والصَّدى في مسمع الكون .. خرير .. وعويل |
حسب من كان له حس وصوت ـ أن يقول: |
إنما الصمت على مثلي ـ وقد طال: ثَقِيل!!.. |
* * * |
|
"48" |
قالت ممرضتي .. ودون مقالها |
همسُ النَّسِيمِ وَرَنَّةُ الأعْواد |
إيَّاك أن تدع الفراش لحاجة |
وأنعم بطول النوم بعد سهاد |
ودع القراءة، والكتابة جانبا |
فنهاية الأدباء شوك قتاد |
واقطع من المذياع فضل لهاته |
وصل الدواء مُنَفِّذاً إرْشَادِي |
واسمع إلى نصح الطبيب وثق به |
واحذر ـ كذلك ـ كثرة العُوَّاد .. |
قلت: ارحمي ضعفي وَظَلّي ها هنا |
ما دمت خالية فأنت مرادي |
فلقد برمت بوحدتي، متمدّدَا |
وسئمت بالتنويم طول رقادي |
وأنا بِآلاَمِي الْمُحِسُّ، بِوَقْعِهَا |
وطبيبُ نفسي لو رعيت قيادي |
هاتي الصحائف واسمحي بزيارتي |
للراغبين، وَبَدِّلي أبرادي |
لأحس بالدنيا ـ وإني وسطها |
رَقْمٌ ـ ولست الصِّفْرَ في التَّعْدَادِ!!! |
* * * |
|
"49" |
قال: حسب الشعب .. أمن |
واكتفاء .. ونوال |
إننا في الكون جياشا |
لَفِي أحسن حال!. |
قلت: نحن الشعبُ |
قد عز بدنيانا النضال |
|
إنما الصفر .. ابتغى الراحة .. فاختار الشمال!.. |
* * * |
"50" |
قالت: أمثالك يشتهي مثلي |
ويصبو .. أو يبيح |
واستعذبت عبث الصبا |
غَمَّازَةَ اللفظ الصريح .. |
قلت: اسألي خلجات قلب |
خافقٍ .. صَبٍّ .. طليح |
ليس الوصال .. أو الهوى |
وَقْفاً على الوجه المليح!! |
* * * |
|
"51" |
قال: لا مأمل أرجوه |
فَحَظِّي جفَّ نبعا |
بت لا أبصر مرمايَ |
ولا أحْسِنُ صُنْعا .. |
قلت: مصباح حياة المرء |
آمال ومسعى |
إنما السائر في الظلمة |
أَعْمَى .. ضَاقَ ذرْعا |
* * * |
|
"52" |
قال شَطُّ البحر للموجة: |
مهلاً وتوددْ |
خَبِّريني .. ما الذي يُعْجِلُ |
مَغْداك .. تَردَّدْ |
واستريحي. ها هنا .. الأمن .. فعيشي لك أرغد |
ليس من بالشط .. كالسَّابح. في البحر مُهَدَّد!. |
قالت: اقبَعْ!!! أنت .. للوحدة .. للعاجز. مقعد |
إنني في البحر أَحْيَا |
ولدى البحر أُخَلَّدْ |
لي به في الفجر مسعى |
وبمسرى البدر مشهد |
إن بين المد والجزر |
حياةً تتجدد.! |
قلت: للشط الذي .. انداح .. حزيناً .. وتنهد |
يا قعيداً عاش للبحر .. وَصِيداً .. فَتَعَوّدْ |
خَلِّ بنت .. الماء .. للماء .. شَبَاباً. يتولَّد |
إنما يرضى من الدار .. وَصِيدَ الدَّار .. مُقْعَدْ!!.. |
* * * |
|
"53" |
قالت قرنفلة لدود الأرض: |
ويحك لا تدب هنا ولا تنظر إِلَيْ |
إني ارتفعت وأنت تزحف |
واشتممت وأنت تُدْهَسُ غير شيْ |
قلت: أنظري أَعْلَى تَرَيْ |
ما جلَّ عنك .. ووحِّدي الله العلي |
وتواضعي !! فالدود حَيٌّ مثلنا |
لَكِنَّمَا هَذِي طَبِيعَةُ كُلِّ حَيْ..! |
* * * |
|
"54" |
قالوا تزوجت محسوداً فهل عَمُرَتْ |
أيَّامُك البيضُ ... أو ليلاتُك الْحُمْرُ |
بالحب يسبح .. بالأحلام ناطقة |
بالبيت يشرق فيه النَّهْيُ وَالأَمْرُ |
بما تريد !! بِمَا تَرْجُوهُ مُنْطَلِقاً |
في جوّك الهانِئ الْهَامِي به القَطْرُ .. |
فقلت: حَمْقَى يظنُّونَ الحياة سَوًى |
وكلُّ سالكِ دربٍ سالكٍ حَبْر |
لقد شقيت بما قد كنت آمله |
سعادة !! فَسَرَابِي مَاؤُهُ قَفْر |
سَعَادَةُ الْمَرْءِ فِي تَبْدِيلِ وَاقِعِهِ |
وَبَيْنَ ذلك ضاع المرء والعمر.!. |
* * * |
|
"55" |
قالت الضّفْدعُ: .. هل تسمع يا ليْلُ .. نقيقي؟ |
قال: لولاك .. لما بان لمن ضل .. طريقي! |
فاجتوت بركتها .. تخطر بالروض .. الأنيق! |
واستوت .. تسخر بالبلبل ذي الصوت الرقيق! |
واستوى الليل زفيراً .. يتلاقى بشهيق!.. |
قلت للبلبل .. والفجر تبدَّى بالشروق! |
أين "من" كانوا هنا؟! قال: عادوا للشِّقُوق!.. |
* * * |
|
"56" |
قالوا: سبقناك أحلاماً يحققها |
لنا الثَّرَاءُ اتَّقَتْهُ صولةُ الْقَلَم |
فلا الخيال بِمُجْليها لنا صُوراً |
لا الهوى، بل هوى الدولار في الأمم!!. |
فقلت: سُبَّاقُ حَظٍّ لا يُعابُ به |
حظٌّ تَخَلَّف رغم السَّعْي وَالأَلَم |
إن الخيالَ حَيَاةٌ، وانْفَرَدْتُ بِهَا |
مُشَارِكاً لَكُمُ .. في عيشة الْبَهَمِ!.. |
* * * |
|
"57" |
ولقد قلت ـ لمن قالت ـ لماذا لا تُحِبُّ؟ |
أنا من أشرك في الحبّ .. فَمَا لِي فيه رَبُّ .. |
ومن اشتار رحيق الحسن: شَهْداً لا يُعَبُّ |
عَبَدَ الفتنة أيَّانَ رآها .. فَهْوَ نَهْبُ |
بَدَداً وَزَّعَ ـ بين الغيد قلباً .. عاش يصبو |
افترضين بمن لم يبق في جنبيه قلب؟!.. |
* * * |
|
"58" |
حين قالت .. من ترى ... أحببت قبلي؟ |
واسترابت .. ثم همت بالشقاق .. |
قلت: همساً من سبت روحي وعقلي |
فاستشفت ـ واستراحت للنفاق |
إنها أنت التي همي .. وشغلي |
لا سواها! ـ فاستجابت ـ للعناق!!.. |
* * * |
|
"59" |
قيل: ما جدواك .. من شعرك. آمالا. وقصدا |
وهو لا يغنيك .. في عيشك. نقدا. ثم عدا؟! |
قلت: إحساس المُغَنِّينَ ـ شعورٌ جَلَّ وقدا |
وحياةٌ نطقت بالحسن .. لا تملك ... ردا |
فاسأل الغرِّيدَ ـ هَلْ فَكَّر أن الصمت أجدى!!؟. |
* * * |
|
"60" |
قال من للدين ـ إن نام عن الذَّوْدِ حُمَاتُهْ!. |
قلت: روح الدِّين الهتك عن السرِّ صفاتُه |
هل خلت نَفْسٌ من الإيمان شاعت خفقاته |
إنما التوحيد للديَّانِ .. راعيه .. وذاته!!.. |
* * * |
|
"61" |
أنا حلوة .. من صَوَّرْتِهِ .. ذِكْرَى . وَعُتْبَى |
في مرائي الحب. نزهو في مراقي الحسن ركبا |
وأنا الشاعر بالحسن استوى فنا .. وَكَسْبَا |
الصَّبابات حياتي .. والمُنْى مرعايَ خِصْبا |
والهوى دَائيَ .. لا أرجو له في العمر طِبَّا!.. |
* * * |
|
"62" |
لستُ في حبِّي أدْري الآن .. إلاَّ بِكِ حُبَّا |
أنا عما فات قد ذبت .. بما جد فأصبى |
لست أدري؟ حسبنا الحاضر كالآفاق رحبا |
كالخيالات ـ كدنيا الحلم .. أطيافاً وشهبا |
كانطلاق الطفل للفرحة ... نادته فلبَّى |
كالأغاني نسماتٍ .. قشَّعت بالقلب سُحْبا |
كالمنى بعثا إلى النفس من النفس وَذَوْبَا |
كالهوى مستغفراً أو غافراً للناس ذنبا |
* * * |
|
"63" |
قال: إن الحب وهم وخيال |
غاية المبدأ عندي في مقال |
عاشق يسعى ومعشوق ينال |
قلت: قبل الطهو فاللحم أكال |
والرداء الحلو في الأصل فتال |
إنما الحب منال .. في مثال!!. |
* * * |
|
"64" |
تقول ـ وفي العينين ما دق فهمه |
وبين معاني اللفظ ما ليس ينطق |
أما آن أن نلوي العنان عن الهوى |
جهاراً .. فإن السر بالحب أليق |
لقد ضقت بالهمس المردد حولنا |
وبالشائعات الدّونِ تسري وتعلق |
ومالت وفي أعطافها لُغَةُ الجوى |
معبِّرَةً .. خفاقةً تتحرق!.. |
فقلت: سلي الأزهار والفجر والندى |
وزقزقة العصفور في الروض تشرق |
وكل معاني الكون في الكون .. ساميا |
نبيلاً .. به روح الصبابة .. تعبق |
فنحن بما نشقى ونلقى .. من الهوى |
قرابين للعشاق تروي وتسبق |
هو الحب أحلى ما يكون .. رواية |
وأغلى جهاداً في الحياة .. وأصدق! |
* * * |
|
"65" |
قلت يوماً ـ للذي قال: عراك اليوم شيب .. |
سوف يأتي دورك العاجل .. لا في ذاك ريب |
ليس لي ذنب .. وهل شيبي دون الناس عيب؟ |
إنه الإكليل للعمر الذي اسْتَأْنَاهُ .. غَيْبْ!! |
* * * |
|
"66" |
قالت الزهرة ـ في هَمْسَةِ وجدٍ .. وَخَفَرْ |
لا تُقَبِّلْنِي .. بعد الآن .. جهْراً يا قمر |
أنت لا تسمع ما تحكيه أفواه الشجر |
مذ روى الشاعر أسرار هوانا للبشر |
فأسال الشعر فنونا. نطقت فيها الصور |
هل خلا ذكرك ـ أو ذكري ـ من لحن السمر؟ |
أين ألقاك وحيدين .. فقد آن الحذر؟!.. |
قال: يا فتنة دنياي .. ويا وَحْيَ الْغُرَرْ |
أيُّ سِحْرٍ نَتَجَلاَّهُ ـ إذا الشِّعْرُ اسْتَتَر |
نحن للشعر ـ فبالشعر رآنَا .. من نظر |
الهوى الراجفُ من لمسة كَفَّيْهِ شَرَر |
والجمال الحلو .. من جَنَّتِه بعض الثَّمر |
كُلُّ حسن .. صدفت عنه أغانيه اندثر |
ويل حب ما رَوَى الشِّعْرُ لأهْليهِ خبر!.. |
قلت: لا تَقْسُ عليها !! فهواها في خطر |
هالها العالَمُ قد جُنَّ بِزَهْرٍ مُبْتَكَرْ |
حين جف الشِّعْرُ نبعاً أو توارى وانحسر |
وارتضى الناس من الكون: حديداً: أو حجر |
إن في الشعر وماضيه ـ لماضيها ـ أثر |
حيلة الحسن إذا الحسن تولاه الضَّجَرْ |
رُبَّمَا نَذْكُرُ مَنْ غَابَ ـ وَنَعْنِي مَنْ حَضَرْ!.. |
* * * |
|
|