الاثنينية ::المكتبة

مكتبة الاثنينية

بَدْرُ الْكُبْرَى..

أُيُّهَا الْمُجْتَليِ الْمَواقِفَ.. قَدْ حَانَ.. عَلَى مَوْعِدِ النِّضَالِ لِقَاهَا

آنَ لِلْحَقِّ.. أنْ يُثّبِّتَ بالْحَقِّ دِعَاماً لِدَعْوَةٍ.. أَرْسَاهَا ⁽¹⁾

آنّ لِلْكَفِّ.. لاَ تُطَاوَلُ.. أَنْ تُشْهِرَ سَيْفَ الإِسْلاَمِ.. في يُمْنَاهَا

عَادِلاً.. بَاتِراً.. تَرُدُّ بِهِ الْكَيْدَ.. وَضِيئَاً لاَقَتْ بِهِ أَعْدَاهَا

قُمْ.. تَنَظَّرْ مَوَاكِبَ النَّصْرِ يَتْلُو

بَعْضُهَا الْبَعْضَ.. وَاعْتَنِقْ كُبْراهَا

بَيْنَ رُوحٍ عَلِيَّةٍ.. وَفُؤَادٍ

خَافِقِ النَّبَضِ.. رَاوَحَا ذِكْرَاهَا

* * *

أُيُّهَا الْمُحْتَفي بِمَا جَلَّ قَصْداً

وَأَدَاءً.. مَعْنىً سَمَتْ مَعْنَاهَا ⁽²⁾

قِفْ تَطَلَّعْ لِلْمُصْطَفَى مُسْتَشِيراً

صَحْبَهُ الْغُرَّ.. عَادَةً مَا قَلاَهَا

أَفَيَلْقَى.. عَلى النِّزَالِ.. قُرَيْشاً

وَهُوَ يَعْنِي الأَنْصَارَ.. عَبْرَ حِمَاهَا؟

قِفْ.. وَحَيِّ الْمِقْدَادَ.. نَابَ عَنِ الأَهْلِ.. فَأَعْلَى إِجَابَةً أَزْجَاهَا

قَائِلاً: لِلْقِتَالِ.. حَتَّى وَلَوْ سِرْتَ لِبِرْكِ الْغِمَادِ.. حَيْثُ تَنَاهَى

إِمْضِ للَّهِ فِي سَبِيلِكَ.. لَسْنَا

قَوْمَ مُوسَى.. فِي قَالَةٍ نَأْبَاهَا

حِينَ قَالُوا: إذْهَبْ وَرَبُّكَ إبَّا هَا هُنَا قاعِدُونَ لَنْ نَصْلاهَا

ثُمَّ حَيِّ سَعْداً.. وَقَدْ أَحْسَنَ الْكَلِمَةَ.. زَكَّى الْمِقْدَادَ.. إذْ زَكَّاهَا

تِلْكُمُ.. تِلْكُمُ: فَوَاتِحُ بَدْرٍ

في إبَاهَا.. أَهْدَتْ لَهَا عُقْبَاهَا

* * *

إِنَّ بَدْراً أَسْمَى مِنَ الْجَهْدِ قَوْلاً

وَمِنَ السَّرْدِ.. مُغْفِلاً أمْدَاهَا ⁽³⁾

إِنَّهَا الْبَابُ.. وَاسِعاً.. وَعَرِيضاً

نَحْوَ دَارٍ فِي الْخُلْدِ جَلَّ سُمَاهَا

فَشَبَاةُ الْيَرَاعِ تَعْجِزُ عَنْهَا

إنْ أَرَادَتْ صِيَاغَةً لِرُؤاهَا

إِنَّها النًّصْرُ: مَوْكِباً.. وَجَمالاً

وَجَلاَلاً.. وَقُدْرَةً.. فِي عُلاَهَا

فَلْيَكُنْ يَوْمُهَا فَريداً.. وَحيداً

فِي حَيَاةِ اليَرَاعِ.. قَدْ حَيَّاهَا

رُبَّمَا.. رُبَّمَا تَجَرَّأَ يَوْمَاً مُسْتَمِدًّا مِنْهَا الْقُوَى.. فَاجْتَلاَهَا

* * *

[1]	الدَّعام: عماد البيت.. وارساها: ثَبَّتَها ـ وطاول: غالبه في ((الطَّوْلِ)) أي القدرة والعطاء والباتر: القاطع والوضيء: النظيف الْحَسَنُ.. وتنظَّر: تنظره: تأمَّله بعينه.. والمواكب: ج موكب: الجماعة ركباناً أو مشاة ـ وكانت موقعة بدر كبرى مواكب النصر الإسلامي ـ باعتبارها أول معركة كبرى ينتصر فيها الإسلام والمسلمون انتصاراً ساحقاً بعيد الصدى في الجزيرة العربية كلها ـ.
[2]	لما أتى اخبر عن قريش بمسيرهم ليمنعوا غيرهم ـ استشار الرسول اصحابه ـ فقام أبو بكر الصديق ـ فقال وأحسن، ثم قام عمر بن الخطاب، فقال وأحسن، ثم قام المقداد بن عمرو، فقال: يا رسول الله ـ امض لما أراك الله، فنحن معك، والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى ((اذهب أنت وربُّك فقاتلا أنا هاهنا قاعدون)) ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا أنا معكما مقاتلون: فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى بَرْك الغماء لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه، فقال له رسول الله خيراً ـ ودعا له به ثم قال الرسول: أشيروا عليَّ أيها النّاس.. وإنما يريد الأنصار وذلك أنهم عدد الناس، وأنهم حين بايعوه بالعقبة قالوا: يا رسول الله إنا برآء من ذمامك حتى تصل إلى ديارنا، فإذا وصلت إلينا فأنت في ذمتنا نمنعك مما نمنع منه أبناءنا ونساءنا ـ فكان رسول الله يتخوّف ألا تكون الأنصار ترى عليها نصره إلا ممن دهمه بالمدينة من عدوه وأن ليس عليهم أن يسير بهم إلى عدو من بلادهم ـ فلما قال ذلك ـ قال له سعد بن مُعَاذ: والله لكأنك تريدنا يا رسول الله؟ قال: أجل!! قال فقد آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا، على السمع والطاعة، فامض يا رسول الله لما أردت ـ فنحن معك ـ فوالذي بعثك بالحق، لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، ما تخلّف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غداً إنا لصُبُرٌ في الحرب. صُدُق اللقاء ـ لعلّ الله يريك منا ما تقرّ به عينك ـ فسر بنا على بركة الله ـ فسر رسول الله بقول سعد، ونشَّطه ذلك، ثم قال: سيروا وابشروا فإن الله وعدني إحدى الطائفتين ـ يعني أما العير وأما النفير قال تعالى: وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ (الأنفال: 7) والله لكأني انظر إلى مصارع القوم ـ يعني أماكن قتلهم ـ وهكذا كانت فاتحة بدر: مشورة ـ فإباء ـ فتصميم من الجميع.
	الغر.. ج الأغر: الحَسَنُ ـ الأبيض من كل شيء ـ ما قلاها: ما أبغضها ولا تجافاها ـ والنزال في الحرب: المقابلة والمقاتلة والعَبْر من الوادي: ناحيته ـ وشاطئه ـ.
[3]	الواقع أن معركة بدر الكبرى تجل عن السرد المجرد لما تضمنته من معاني سامية ـ ومن خلفيات بعيدة الأثر والمدى ـ سواء بالنسبة لحيثياتها العالية ـ أو لما ترتب عليها ـ وكلها بحاجة إلى استقصاء.. واستعراض.. وتصوير يعلو عن السرد اللفظي المجرّد.. ارتقاء إلى صوره التي لا بد وأن تجتليها الصور الشعرية في امتدادات بعيدة الآفاق ـ رفيعتها ـ لا تقيدها الحرفيات.. ولا تضيق بها المفاهيم فيما تتعدى كيانها التاريخي أو الكلامي.. وهي بذلك كله ـ وبسواه من المعاني التي تمثلت فيها ـ واشتملت عليها تحتاج إلى إفراد واستقلال واختصاص.. نرجو أن يوفق لهذا العمل من يقوى عليه ـ في تمكّن ـ وشاعرية واستيعاب ـ.