الاثنينية ::المكتبة

مكتبة الاثنينية

(( كلمة الدكتور محمد صادق عفيفي ))

ثم تحدث الدكتور محمد صادق عفيفي عضو هيئة التدريس بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن في الظهران فقال:

- الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين؛ وبعد:

- سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.. فقد جئت من جامعة القاهرة للعمل بجامعة الملك فهد في الظهران، ورأيت حتى يكون لمجيئي أكثر من فائدة.. وليس لمجرد التدريس والتعليم والتربية، أن أستفيد من أدب وشعر الشعراء في المملكة العربية السعودية؛ ومنذ ثلاث سنوات قمت فعلا بدراسة وسيعة عن الأدب في المملكة في الشعر والنثر، وما زلت أوالي هذه الدراسة؛ وفي هذه الفترة تعرفت إلى الأستاذ عبد الرحمن العبيد - جزاه الله خيراً - لأن الباحث عن الأدب في هذا البلد يجد مشقة كثيرة في الاتصال بأهله.

- فالرجل - والحق أقول - مدّ لي يد المعاونة بمكتبته الخاصة وبمكتبة النادي، ومما اغترفت منه بعض أشعاره التي تفضَّل وأمدني بها في شبابه الأول - معذرة - وفي شبابه الثاني، فلا أستطيع أن أقول أن الرجل بلغ مرحلة الشيخوخة، فما يزال شاباً والحمد لله، في مرحلة الشباب الأولى قدم: "في موكب الفجر" وفي مرحلة الشباب الثانية قدم: "يا أمة الحق" وكان في النية - والحق أقول أيضاً - أن أتحدث عن المحافظة عن الرومانسية عن الالتزام، عن التاريخ في شعر الأستاذ العبيد؛ ولي دراسة وسيعة في مئة صفحة ها هي ذي تحتاج إلى أمسية؛ وسوف أجتَزِىء هذه لأني في الحقيقة جئت لأستمع أكثر مما أقول.

- فالمحتفَى به أنا وأنتم في حاجة إلى أن نستمع إليه، ومن ثم سوف أتحدث عن نقطة واحدة نترك الالتزام ونترك الرومانسية، وهي فقرة واحدة لن تأخذ أكثر من دقائق، وهي الجانب التاريخي عند الأستاذ العبيد، ونأخذه من منظور في قصيدة واحدة بعنوان: "حوار مع التـاريخ" وأنـا كأستاذ - أصلاً - للنقد في جامعة القاهرة بكلية الإِعلام وأيضاً هنا، لا أملك إلاَّ أن أَزِنَ بالأمانة وبالمعيار الصحيح قيمة هذا الشعر مالَه وما عليه؛ هذا النمط - أعني النمط التاريخي من القصيد - عند الأستاذ العبيد نبع من حاجة الشعراء لتقديم مُثُل عُلْيا في الحضارة والسُّؤْدد والقدوة الحسنة، لأن روح العصر الحديث قد افتقدت هذه المعالم؛ فكان لا بد للشاعر من بعثها.. وليس هناك أفضل من تاريخ الجدود وعظمة حضارتنا الإسلامية في عصر ازدهارها الديني والسياسي؛ وشاعرنا في هذا الحوار التاريخي يربط انفعاله بحوادث القدس ولبنان والأفغان؛ استمع إليه وهو يقول:

والقدس في قيدها نادت سينقذني

صدق الجهاد أتى لا وَهْم ثوَّاري

وجرح لبنان كم أذكته طائفة

تناحرت بين خوَّان وسمسار

- أقول: يربط انفعاله بحوادث القدس ولبنان والأفغان؛ في الواقع الَّذي نعيشه ويربط هذا الانفعال كرة ثانية بالتاريخ القديم وهجمات هولاكو والتتار، ولكن يبدو أن الوقت قد أَعْجَل الأستاذ العبيد فكان الحوار سريعاً، وكان يمكن أن يُخْرج لنا ملاحم من هذا التاريخ العظيم بتتبع تفاصيله وجُزْئياته، ولا سيما أنه أحد مؤرخي المملكة وبالذات للمنطقة الشرقية؛ والقصيدة في الحق نابعة من إحساس شامل لحال العرب والمسلمين في الوقت الحاضر، وتأخذ شكل سلسلة متتالية، فبينما هو يهفو إلى الحوار مع الماضي.. ونستمع إلى هذا الحوار:

أتيت أهفو إلى صوت يحاورني

أُصغي إليه بإجلال وإكبار

يقول هَذا صدى التاريخ أرسله

فاسمع هنالك مني بعض أخبار

كم أمة في الدُّنا سادت حضارتها

ثم انطوت بين أطلال وأحجار

- أقول تأخذ القصيدة شكل سلسلة متتالية، بينما هو يهفو إلى الحوار مع الماضي الحافل بالعظائم من الأمور، إذا به يشكو مما آل إليه الأمر؛ ونستمع أيضاً إلى بيتين من الشكوي:

يا غارس الحب في الأوطان باكية

تشكو لأمتها من وطأة العَار

عد للصحائف في التاريخ شاهدة

وطالع الهديِ يروى نهج أبرار

- يشكو مما آل إليه الأمر؛ وفي هذا الأخير يكشف لنا عن هويته وعن مبادئه، بل يزيد فيقرن هذه المبادىء بالقسم، ونستمع إلى قسمه وهو يقول: كي تصدق هذا الكلام؛ فالله (سبحانه وتعالى) قد ضرب مثل هذا النطاق بالنسبة لكفار قريش في القديم؛ كان يمكن أن يقول كذا وكذا.. ولكنه كان يقسم لهم كي يصدقوا يس والقرآن الحكيم إنك لمن المرسلين.

- ماذا يقول الأستاذ العبيد:

والله لو جمعوا لي من مبادئهم

أموال قارون من تبرٍ ودينار

لما تراجعت عن نهج أدين به

في الله يجمع أعواني وأنصاري

- والسلام عليكم.