أيتها النجمة، يا فكرة |
في خاطر الظلماء لم تحجب |
الليل جلاك لنا فتنة |
مبسوطة الأمداء والمطلب |
للساهد المضنى وللمشتكي |
وللخليّ البال والمعجب |
وللذكي الفكر يغزو به |
عوالم الأفكار لم يُغلب |
للراصد الأفلاك في سبحها |
للرائد الساري وللسارب |
المدلج الهائب في صمته |
والمدلج السادر لم يرهب |
فقربي الغاية للراحل |
واستكملي المتعة للمجتلي |
يا فتنةَ دامت لمن لا يدوم |
يا فتنة العائذ في سهده |
من وقدة الفكر ومن حربه |
الساذج الهانئ في كوخه |
والمعتلي العرش على ما به |
والكاعب الحسناء في خدرها |
والعاشق المضنك في حبه |
والناعم العيش بملذوذه |
والساغب الطاوِي على كربه |
الكل في الليل إذا ما سجا |
الليل واستولى على لبه |
يبيتُ يرعاك ومنظومه |
في ليله المنثور من قلبه |
وأنت لم تخبي رجا الآمل |
ولن تنيلي بغية السائل |
إن لم تزيدي في الضلوع الهموم |
أما أنا يا نجمتي فالمنى |
منك لقلي الآن أن تنطقي |
قولي له من أنت؟ ماذا مضى؟ |
من عمركِ الغالي وماذا بقي؟ |
وكيف دنياكِ؟ وكيف الدنى |
مرت؟ وما الحب؟ ألم تعشقي؟ |
وهل تغارين؟ ومن ذا الذي |
يثير فيك غيرة المشفق؟ |
والعقل هل تدرين ما شأنه |
بالقلب، لاقى ما قد لقي؟ |
والحب ما غايته في الألى |
هاموا به، لا تخشِ لا تتقي |
قولي! فما في ليلك الحافل |
مصغ لنجوى قلبك الثاكل |
إلا أنا وحدي وإني كتوم |
هاتي حديث الحب واسترسلي |
في وصفه ما شئت أو أجملي |
فاهتزت النجمةُ خفاقة |
وأشرقت والقلب كالمرجل |
وقالتِ القولَ وما بعده |
قولٌ يغذي مسمع السائل: |
((إنّ حديث الحب في كوننا |
تاريخُ هذا الكون لم يكمل))
|
((ذخيرة الأنفسِ أو عمرها |
من عمرها المذكور والأمثل))
|
((وسيرة الأحياء مكرورة |
إرثاً إلى التالي من الأوّل))
|
((تخطها الأقدار بالأنمل |
وسيلة في كل قلب خلي))
|
نحيا بها في الأرض أو في النجوم |
((فالحب في الدنيا على ما بها |
فؤادها الخفاق في صدرها))
|
((وروحها الباسم من روحها |
وسرها المكنون في سرها))
|
((جاء إلى الأرض غريباً بها |
لا جاهلاً معناه أو كارها))
|
((فشمته في الغاب مستوحشاً |
مستخذياً في الغيل أو فارها))
|
((تثغو به الشاء وما حولها |
وتنقيه الأسد في زَأرها))
|
((وزرته في الروض مستحيياً |
مغرداً والطير في وكرها))
|
((يشدو به البلبل للبلبل |
وقد تلاقى النبت في المنهل))
|
بالنبت والدوحة أمٌ رؤوم |
((والحب في دنياك معنى الهوى |
معنى توارى خلف استاره))
|
((معنى يلاحي القلب فيه النهى |
كلاهما مغرىً بأسراره))
|
((وأنها لَلحرب يصلى بها |
القلب، ويل القلب من ناره))
|
((وما القلب هدّاراً بإحساسه |
كالعقل جباراً بِأفكاره))
|
((هذاك كالطير وذا حاكياً |
جوارح الطير بأوكاره))
|
((فما بنى العصفور من عشه |
هدّمه البازي بمنقاره))
|
((والفن ما بينهما يعتلي |
ذراه والقلب وما يصطلي))
|
نار الهوى والعقل لفح السموم |
((والحب مهما قِيل في شأنه |
ساعٍ إلى الغاية أو سادر))
|
((أغرودةٌ في الكون صدّاحة |
يشدو بها الفنان والشاعر))
|
((والأغيد المحبوب والمجتوى |
والأم والكاعب والعاقر))
|
((فكان في الأسماع ترنيمة |
أو قبلة رق بها النافر))
|
((وكان في القلبين تنهيدة |
ضاق بها الواجد والثائر))
|
((وكان في العينين إيمَاءَةً |
يشقى بها العابد والفاجر))
|
((في الروضِ في الشاطئ في المنزل |
في الخدر في المخدع فيما يَلي))
|
فكان في الجنة أو في الجحيم |
((أما أنا فالحبّ في عُنصري |
جذْب تناهى وسرىً ما انتهى))
|
((وومضة بالليل في هدأتي |
تضيء للعين وأضوي بها))
|
((وخفقة بالفجر في ثورتي |
في مهجة الصب لها ما لها))
|
((فإن تكُ اللمحة من واجد |
فإنني الزهرة في حسنها))
|
((وإن تكُ النظرة من عابد |
فإنني النجمة في قطبها))
|
((وإن تكُ اللفتة من راصد |
فإنني الأفلاك كيف أشتهي))
|
((أما لمن رام.. ففي الأعزل |
عزّي وفي الرامح إذ ينجلي))
|
بالرمح والراية مجدى المروم |
وأسفر الصبح ولما يزل |
حديثها المروي ملء الفؤاد |
وودعت واللحظ في إثرها |
حتى تناهى بُعدها في البعاد |
ولم تزل في النفس بي حاجة |
للبث والتسآل رغم السهاد |
إن حديث الحب في مسمعي |
مهما تناهى لذتي والمراد |
فالحب في كوني وفي خاطري |
وفي حياة الفكر دنيا الجهاد |
عقيدة في القلب يضرى بها |
من شأنه شأنيَ بين العباد |
إن هوى الفنان لم يسفل |
ولم يُبع بالعرض الزائل |
من روحه السامي سناه العظيم |
وإن دنيا الحب مهما بدت |
في العين دنيانا لدنيا النعيم |
الطارف الزخار لا يرتضي |
جديده في النفس أن يستديم |
الثائر الفوّار لا ينتهي |
صراعه في القلب أو يستنيم |
فاستمتعي يا نفس إن الهوى |
المتعة الكبرى لقلبي الكليم |
فإن دنياي ولما تزل |
حرباً على الفكر العتيد القويم |
لم تبقِ للحر الذي لم يزل |
يقصد في الآمال حلم العظيم |
إلا بقايا أمل ذابل |
مثل شعاع الكوكب الآفل |
يلوح للنفس وراء الغيوم |