أيا بحر هذي موجة ذاب قلبها |
حنيناً وأمسى دمعها يتحدر |
حكمتَ عليها بالنوى حينما بدا |
وقد بتّ جياشاً عليك التعكر |
وابعدتها عن أختها فترددت |
يسيّرها قسراً نواك المقدر |
اتتنيَ نحو الشط يعلو أنينها |
وها هي من فرط الجوى تتفطر |
تلاشت كما لاشى الردى أخواتها |
ولا زلتَ عن أمثالها تتفجر |
رُغى زَبدٍ عادت لتلقاك صافياً |
فهل للقويين الضعيف مسخر؟ |
ويا بحر كم غادرت نفساً حزينة |
فشا بين جنبيها عليك التذمر |
فكم سابح خارت سوابق عزمه |
فأمسى ضئيلاً ينزوي ثم يظهر |
فتحت له جوفاً فواراه صامتاً |
وكم مثله واريته وهو يجأر |
وخلّفت أهليهم يذوبون حسرة |
عليهم ولم تُقصر ولم يتصبروا |
فما كنت يوماً هائباً إن تذمروا |
عليك فأيديهم عن الكيد تقصر |
فهل كنت تبغيهم طعاماً لسابح |
لديك أم استقضاه منك التكبر؟ |
وكم من الوف من عوالمك التي |
تسخّرها فيك الحياة فتسخر |
أبدت كثيراً من طوائفها سدىً |
وجئت بأخرى في رحابك تسدر |
كأنك في نظْم الحياة مدقق |
كما شاء ينفي ثابتاً ويقرر |
فأنت عليها ثائر متمرد |
فليتك فينا شاعر أو مفكر |
وعزمك موفور كما أنت أو لنا |
كعزمك هذا حيث يحلو التأزر |
فما تنفع الآراء إن لم تجد لها |
من العزم جباراً به الرأي ينصر! |
ويا بحر كم أفنى الفناء عوالما |
وأنت كما قد كنت لا تتغير |
بسطت على الأيام ملكك واسعاً |
ولم يبدُ حتى اليوم فيه التأثر |
تحديث أهوال الفناء مسيطراً |
عليها، كذا شأن العظيم التسيطر |
تمر صروف الدهر ملأى من الأسى |
وأنت كقلب الدهر لا تتأثر |
تشابهتما هولاً وصمتاً وفقته |
بأنك ملموس تُحس وتُنظر |
وذا مظهر من كبريائك شاءه |
لك الخلد، لا! بل طبعك المتجبر |
هنا قابع أمسى بقربك حقبة |
يبثك آلام الحياة ويزفر |
هنا شاعر يا بحر يرجو لشعبه |
حياة كهاتيك التي فيك تهدر |
وعزماً لعزم الدهر يصمد ساخراً |
وحرية من كل رجس تَطهر |
وقلباً إذا هاجت له ذكرياته |
فخاراً قديماً لم يبت يتحسر |
ولم يستنم للضيم يستل روحه |
ولكن ليستعدي القوى وهو يزأر |
ليبقى عزيزاً خالداً ومخلّداً |
على الدهر مأثوراً به الدهر يُذكر |
كذا العيش! فليحي القوي مقدساً |
وإكليله من ساعديه مضفّر |
وإن شاء فليبق الضعيف مسخراً |
لديه وإلا فالحياة التحرر |
فقد بات قانون الطبيعة نافذاً |
على كل قانون به الضعف يأمر |