شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
بلد الهَوى
زار الشاعر لأول مرة (( لبنان )) في مطلع ربيعه، ولما تمض عليه بضعة أيام.
وقد سجل في هذه القصيدة بعض ما دار بحسه، وطاف بعينه، ولجلج في صدره وذلك عقب عودته إلى لبنان مع رفيقي رحلته الأخوين عمر أحمد الهزار وسليمان الدخيل من رحلة قصيرة في دمشق.
لبنان، يا لبنان، يا بلد الهوى وهوى الفؤادْ
يا باعثاً شتى فنون السحر ليس لها نفاد
يا وقدة الفن المضيء، وثورة الفن المُجاد
يا بسمةً بفم الطبيعة للطبيعة خير زاد
يا وردة بيد الزمان لها الزمان شدا وشاد
أنت الهوى والسحر والآمال تشرق في امتداد
والكون والدنيا فأنت ـ تعيش أنت! ـ لنا المراد
لبنان، يا أمل النفوس تعشقته منى ومجلى
يا قدرة الخلاق، أعلى صنعها سراً وأغلى
يا هدأة الأحلام دغدغت الشعور، وما تملّى
يا رشفة في الكأس لا تفنى به علاّ ونهلا
يا نغمة بالليل رددها الصباح وقد تجلى
أنت المنى، والسر، والأحلام تسبح في المهاد
والكأس والألحان أنت ـ تعيش أنت ـ لنا المراد
لبنان يا فجر الحياة أطل رفاف الضياءْ
يا آهة العشاق أسلمها الهوى، كف الهواء
يا نظرة العذراء ذابت بين أحضان الحياء
يا زفرة في الصدر صعدها الحنين وقد أفاء
يا لفتة بالجيد حرّكها الدلال كما يشاء
أنت السنى والحب، والنظرات تومض في اتقاد
والشوق واللفتات أنت ـ تعيش أنت! ـ لنا المراد
الحسن يا لبنان طوع يديك هام به هواه
والشعر روحاً في جوانحك استفاض به جواه
والفن وحياً في ربوعك لم يُطق أبداً نواه
والسحر الواناً تسرّب في ضميرك واحتواه
والزّهر أوراداً تفتّح في غراسك مذ رواه
فالحسن أنت، وأنت أنت الشعر والفن المُشاد
والسحر والأزهار أنت ـ تعيش أنت! ـ لنا المراد
والدين يا لبنان أشتاتاً تجاور في حِماك
في وحدة الوطن العزيز عقيدة تعلو السِماك
هيهات تفترق المساجد والكنائس في سَماك
والجنس في مغناك معنى قد تسرب في دماك
والعزم إيماناً من البغي المدل لقد حَماك
فالدين للديان أنت عرفته بين العباد
والعزم والإيمان أنت ـ تعيش أنت! ـ لنا المراد
لبنان ما أحلى ربوعك فتنة صيغت وفنا
وتطلعت للكون دافقة المنى شكلاً ومعنى
وتبسمت عطراً تخطر ضاحكاً في كل مغنى
وتدثرت بالحسن أنطقه الهوى، فازداد حسنا
وزها، فهام الكون فيه، وفيك بالآيات جنا
ها أنت في هذا، وهذا بعض ما هز الفؤاد
فشدا ورفرف فيك أنت ـ تعيش أنت! ـ لنا المراد
هذا هو الجبل العتيد، وماله إلاك مسمى
إن قيل: لبنان، تبسم تائهاً وزها أشمّا
ورمى الخضم ـ وقد علاه ـ بنظرة المجليه مرمى
ورقى الفضاء وداس هام السحب دّخانا وغيْما
وشأى، وقال أنا، أنا لبنان فاغترّ المسمّى
بالشامخ المعتز كان ولا يزال هوىً يراد
لِتكون يا لبنان أنت ـ تعيش أنت ـ لنا المراد
وهناك صنّين تطلع بين تاج من جليد
للدانيات من الأماني سابحات من بعيد
من مطلع الغيب المغلّف دون باصرة الرصيد
يرعاك محتقب الهوى الريان، مرتقب الجديد
ليراك فوق سواك في المشأى فريداً، لا وحيد
صافي العروبة قد رعيت لها مواثيق الوداد
فرعتك يا لبنان أنت ـ تعيش أنت ـ لنا المراد
والسهل من سهل البقاع طبيعةٌ دلت عليك
في مجتلى نُور السماحة ساطعاً في مقلتيك
ألقاً يمد سنى الحياة وينتهي منها إليك
مترقرق الأنداء، مخضر الأديم، زكا لديك
فجلا صفاتك لن تحور به، وأزهر في يديك
نَوْراً تبلج في رحابك بدعة بين البواد
مازتك يا لبنان أنت ـ تعيش أنت! ـ لنا المراد
وهنا الخضم جثا لدى قدميك أمداءً فِساح
نشوان، مضطرب الحديث شكاية وهوىً مباح
هيمان، نجواه الهدير تحية عند الصباح
ومقالة الآصال لِلّيلات خفّضتِ الجناح
وأمدّت النعمى تُساق إليك مطلقة السراح
إرثاً من الماضي القديم بذلته جهداً مُعاد
منها إليك، إليك أنت ـ تعيش أنت! ـ لنا المراد
وهنا، وحولي، أو هناك، مفاتنٌ شتى الصوَر
في البدر ساطعة السنى، في النجم وانية النظر
في النهر دافقة المُنى، في الحقل رانية الخفر
في الزهر عابقة الشذى، في الأرز خالدة الأثر
في موكب فيه العذارى كالضياء إذا انتشر
كاللحن، كالأحلام، كالأمل اشتهاك على انفراد
فدعاك يا لبنان أنت ـ تعيش أنت! ـ لنا المراد
هذا هواك مفلّج الأطراف، رقرقه النسيم
كهواي للبلد الكريم، إلى الحجاز، هوىً كريم
حامت به الأطياف، صوّرت الجديد أخا القديم
ما بين ناقلة صدى ((صنين))، و ((الجبل العظيم))
أو بين جالية المشاعر ((بالصفا)) أو ((بالحطيم))
نبعاً تسامت ((بعلبك)) به، تحدر في الصميم
وصدى به ((أحُد)) ((ورضوى )) رداده، فلن يهيم
ورؤى تطوف هنا، هناك، منشرات كالغيوم
يبدو بها ((وادي الحرير)) كأنه ((وادي الجموم))
وكأن ((عاليْه))، ((السلامةُ))، في الكرامة والكروم
وكأن ((ضهر البيدر)) المرموق متن ((كرى)) القويم
وكأنما الشاغور من ((سيل العقيق)) صدى الهزيم
وكأنما ((الفوّار)) بينهما ترانيم السديم
والأرز للأثل الأرومةُ لا تُرام ولا تَريم
وكأن بيْروتاً ((لِجدَة)) لَمحةُ الذهن العليم
وكأنني وسطَ الحجاز به أهوجل أو أهيم
وأنا بلبنان على السلوان والذكرى مقيم!
هذا هواك وذي رؤاك تعاورا قلبي المُصاد
مداً وجزراً ذقت بينهما أفانين الوداد
ما بين أخوانٍ كإخوانٍ هنالك في السواد
وحييت في كوني حياة الروح مطلقة القياد
نهب الأحاسيس استبدّ بها الحنين أو السهاد
نشوان تغمرني الطلاقة والطلاقة ريّ صاد
رمزاً إلى كنز السعادة خبّأته عن العباد
وأنا المطاول في الزمان سدىً مغالبة الجلاد
واليائس المكدود في بلد أشاك وما أشاد
والمنطوي المزويّ فيه كعابر ضل السداد
والمرتجيه على المدى بلداً شأى كل البلاد
وأنا الغريب، وغربتي معنى يريد ولا يُراد
معنى انطلاق الطير في الأجواء أطرق حين ناد
معنى امتداد النور في الآفاق أخباه الوِصاد
معنى الإشاعة للحقيقة تُرتجى، لا للنّفاد
معنىً به الحرية المثلى تقود ولا تُقاد
معنى شقيت به، ولكن دونه خرط القتاد
أو دونه الليل البهيم طخا وأمعن في السواد
في دجية العقل البليد غفا، وطال به الرقاد!
حتى إذا ما جئتُ يا لبنان نحوك في افتقاد
ورعيتَ مثواي الجميل فهمتُ فيك بكل ناد
ألفيته معنى تضرم فيك مذخور العتاد
ورمقته روحاً إلى روحي تفيأ واستراد
فإذا اَشرتُ وإن اثُرتُ بما لقيتُ على اطراد
فأنا المردد ما حييت القول، من قولي المعاد:
((لبنان، يا لبنان، يا بلد الهوى وهوى الفؤاد))
((يا باعثاً شتى فنون السحر ليس لها نفاد))
((يا وقدة الفن المضيء وثورة الفن المجاد))
((يا بسمة بقم الطبيعة للطبيعة خير زاد))
((يا وردة بيد الزمان، لها الزمان شدا وشاد))
((أنت الهوى والسحر، والآمال تشرق في امتداد))
((والكون والدنيا، فأنت ـ تعيش أنت! ـ لنا المراد))
لبنان، 2 رجب سنة 1370هـ، الموافق 7 إبريل سنة 1951م.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :723  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 105 من 207
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذة بديعة كشغري

الأديبة والكاتبة والشاعرة.