لبنان، يا لبنان، يا بلد الهوى وهوى الفؤادْ |
يا باعثاً شتى فنون السحر ليس لها نفاد |
يا وقدة الفن المضيء، وثورة الفن المُجاد |
يا بسمةً بفم الطبيعة للطبيعة خير زاد |
يا وردة بيد الزمان لها الزمان شدا وشاد |
أنت الهوى والسحر والآمال تشرق في امتداد |
والكون والدنيا فأنت ـ تعيش أنت! ـ لنا المراد |
لبنان، يا أمل النفوس تعشقته منى ومجلى |
يا قدرة الخلاق، أعلى صنعها سراً وأغلى |
يا هدأة الأحلام دغدغت الشعور، وما تملّى |
يا رشفة في الكأس لا تفنى به علاّ ونهلا |
يا نغمة بالليل رددها الصباح وقد تجلى |
أنت المنى، والسر، والأحلام تسبح في المهاد |
والكأس والألحان أنت ـ تعيش أنت ـ لنا المراد |
لبنان يا فجر الحياة أطل رفاف الضياءْ |
يا آهة العشاق أسلمها الهوى، كف الهواء |
يا نظرة العذراء ذابت بين أحضان الحياء |
يا زفرة في الصدر صعدها الحنين وقد أفاء |
يا لفتة بالجيد حرّكها الدلال كما يشاء |
أنت السنى والحب، والنظرات تومض في اتقاد |
والشوق واللفتات أنت ـ تعيش أنت! ـ لنا المراد |
الحسن يا لبنان طوع يديك هام به هواه |
والشعر روحاً في جوانحك استفاض به جواه |
والفن وحياً في ربوعك لم يُطق أبداً نواه |
والسحر الواناً تسرّب في ضميرك واحتواه |
والزّهر أوراداً تفتّح في غراسك مذ رواه |
فالحسن أنت، وأنت أنت الشعر والفن المُشاد |
والسحر والأزهار أنت ـ تعيش أنت! ـ لنا المراد |
والدين يا لبنان أشتاتاً تجاور في حِماك |
في وحدة الوطن العزيز عقيدة تعلو السِماك |
هيهات تفترق المساجد والكنائس في سَماك |
والجنس في مغناك معنى قد تسرب في دماك |
والعزم إيماناً من البغي المدل لقد حَماك |
فالدين للديان أنت عرفته بين العباد |
والعزم والإيمان أنت ـ تعيش أنت! ـ لنا المراد |
لبنان ما أحلى ربوعك فتنة صيغت وفنا |
وتطلعت للكون دافقة المنى شكلاً ومعنى |
وتبسمت عطراً تخطر ضاحكاً في كل مغنى |
وتدثرت بالحسن أنطقه الهوى، فازداد حسنا |
وزها، فهام الكون فيه، وفيك بالآيات جنا |
ها أنت في هذا، وهذا بعض ما هز الفؤاد |
فشدا ورفرف فيك أنت ـ تعيش أنت! ـ لنا المراد |
هذا هو الجبل العتيد، وماله إلاك مسمى |
إن قيل: لبنان، تبسم تائهاً وزها أشمّا |
ورمى الخضم ـ وقد علاه ـ بنظرة المجليه مرمى |
ورقى الفضاء وداس هام السحب دّخانا وغيْما |
وشأى، وقال أنا، أنا لبنان فاغترّ المسمّى |
بالشامخ المعتز كان ولا يزال هوىً يراد |
لِتكون يا لبنان أنت ـ تعيش أنت ـ لنا المراد |
وهناك صنّين تطلع بين تاج من جليد |
للدانيات من الأماني سابحات من بعيد |
من مطلع الغيب المغلّف دون باصرة الرصيد |
يرعاك محتقب الهوى الريان، مرتقب الجديد |
ليراك فوق سواك في المشأى فريداً، لا وحيد |
صافي العروبة قد رعيت لها مواثيق الوداد |
فرعتك يا لبنان أنت ـ تعيش أنت ـ لنا المراد |
والسهل من سهل البقاع طبيعةٌ دلت عليك |
في مجتلى نُور السماحة ساطعاً في مقلتيك |
ألقاً يمد سنى الحياة وينتهي منها إليك |
مترقرق الأنداء، مخضر الأديم، زكا لديك |
فجلا صفاتك لن تحور به، وأزهر في يديك |
نَوْراً تبلج في رحابك بدعة بين البواد |
مازتك يا لبنان أنت ـ تعيش أنت! ـ لنا المراد |
وهنا الخضم جثا لدى قدميك أمداءً فِساح |
نشوان، مضطرب الحديث شكاية وهوىً مباح |
هيمان، نجواه الهدير تحية عند الصباح |
ومقالة الآصال لِلّيلات خفّضتِ الجناح |
وأمدّت النعمى تُساق إليك مطلقة السراح |
إرثاً من الماضي القديم بذلته جهداً مُعاد |
منها إليك، إليك أنت ـ تعيش أنت! ـ لنا المراد |
وهنا، وحولي، أو هناك، مفاتنٌ شتى الصوَر |
في البدر ساطعة السنى، في النجم وانية النظر |
في النهر دافقة المُنى، في الحقل رانية الخفر |
في الزهر عابقة الشذى، في الأرز خالدة الأثر |
في موكب فيه العذارى كالضياء إذا انتشر |
كاللحن، كالأحلام، كالأمل اشتهاك على انفراد |
فدعاك يا لبنان أنت ـ تعيش أنت! ـ لنا المراد |
هذا هواك مفلّج الأطراف، رقرقه النسيم |
كهواي للبلد الكريم، إلى الحجاز، هوىً كريم |
حامت به الأطياف، صوّرت الجديد أخا القديم |
ما بين ناقلة صدى ((صنين))، و ((الجبل العظيم))
|
أو بين جالية المشاعر ((بالصفا)) أو ((بالحطيم))
|
نبعاً تسامت ((بعلبك)) به، تحدر في الصميم |
وصدى به ((أحُد))
((ورضوى )) رداده، فلن يهيم |
ورؤى تطوف هنا، هناك، منشرات كالغيوم |
يبدو بها ((وادي الحرير)) كأنه ((وادي الجموم))
|
وكأن ((عاليْه))، ((السلامةُ))، في الكرامة والكروم |
وكأن ((ضهر البيدر)) المرموق متن ((كرى)) القويم |
وكأنما الشاغور من ((سيل العقيق)) صدى الهزيم |
وكأنما ((الفوّار)) بينهما ترانيم السديم |
والأرز للأثل الأرومةُ لا تُرام ولا تَريم |
وكأن بيْروتاً ((لِجدَة)) لَمحةُ الذهن العليم |
وكأنني وسطَ الحجاز به أهوجل أو أهيم |
وأنا بلبنان على السلوان والذكرى مقيم! |
هذا هواك وذي رؤاك تعاورا قلبي المُصاد |
مداً وجزراً ذقت بينهما أفانين الوداد |
ما بين أخوانٍ كإخوانٍ هنالك في السواد |
وحييت في كوني حياة الروح مطلقة القياد |
نهب الأحاسيس استبدّ بها الحنين أو السهاد |
نشوان تغمرني الطلاقة والطلاقة ريّ صاد |
رمزاً إلى كنز السعادة خبّأته عن العباد |
وأنا المطاول في الزمان سدىً مغالبة الجلاد |
واليائس المكدود في بلد أشاك وما أشاد |
والمنطوي المزويّ فيه كعابر ضل السداد |
والمرتجيه على المدى بلداً شأى كل البلاد |
وأنا الغريب، وغربتي معنى يريد ولا يُراد |
معنى انطلاق الطير في الأجواء أطرق حين ناد |
معنى امتداد النور في الآفاق أخباه الوِصاد |
معنى الإشاعة للحقيقة تُرتجى، لا للنّفاد |
معنىً به الحرية المثلى تقود ولا تُقاد |
معنى شقيت به، ولكن دونه خرط القتاد |
أو دونه الليل البهيم طخا وأمعن في السواد |
في دجية العقل البليد غفا، وطال به الرقاد! |
حتى إذا ما جئتُ يا لبنان نحوك في افتقاد |
ورعيتَ مثواي الجميل فهمتُ فيك بكل ناد |
ألفيته معنى تضرم فيك مذخور العتاد |
ورمقته روحاً إلى روحي تفيأ واستراد |
فإذا اَشرتُ وإن اثُرتُ بما لقيتُ على اطراد |
فأنا المردد ما حييت القول، من قولي المعاد: |
((لبنان، يا لبنان، يا بلد الهوى وهوى الفؤاد))
|
((يا باعثاً شتى فنون السحر ليس لها نفاد))
|
((يا وقدة الفن المضيء وثورة الفن المجاد))
|
((يا بسمة بقم الطبيعة للطبيعة خير زاد))
|
((يا وردة بيد الزمان، لها الزمان شدا وشاد))
|
((أنت الهوى والسحر، والآمال تشرق في امتداد))
|
((والكون والدنيا، فأنت ـ تعيش أنت! ـ لنا المراد))
|