شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
صِرَاع
هي ملحمة افتراضية من ناحيتها الفنية وتصوير لملابسات واقعية في حينها، المراد منها المفاضلة بين العاصف رمز الهواء والبحر رمز الماء حيث تتم فيها الغلبة للأول على الثاني كما هو اعتقادنا في امتياز الهواء على الماء باعتبار الأول سر حياة الثاني فيما نحن بصدده إذ يكفي أن نتصور البحر محروماً من الهواء لندرك صحة ذلك.
والقصيدة مبنية على شكل استعراض تخيلي لتكوين وحياة هذين العنصرين وصراعهما الدائم، وهي بعد وحدة فنية يدرج فيها الحديث عن الليل والصبح وصنوف من شتى المعاني الأدبية والحيوية.
وكانت في حينها رداً على فكرة الأستاذ الشاعر محمد حسن عواد ومناصرة لفكرة الأستاذ الشاعر حمزة شحاته.
يا هيولى الكون العظيم بما فيه حياة وعنصراً ونظاما
حدثينا عن قصة الأبد الممعن في غيبه القديم ترامى
أتحفينا بالمبدع الخالد الذكر يزيح الشكوك والأوهاما
كيف جدت عناصر الكون والكون سديم في أمره ما استقاما؟
ولماذا القُوى تَفاضل في الخلقة شكلاً وقوة وانسجاما؟
حدثينا ما قلت؟ قالت هو الفصل حديثي لا ما يقول الجهول
فأنا الأس منبع المشهد الحاضر
مني أصوله والفصول
زامل الليل مبعث الفن والفتنة عهدي يجول حيث أجول
وانزوى الصبح في هبائيَ من قبل ومن بعد لا يُرى إذ أصول
فسل الظلمة استعيرت ضياء وإليك الحديث فهو طويل
كان ذاك الفضاء تخطئه العين هباء أو فكرة أو سديما
حينما ذو الجلال جلت أياديه
تعالى سوّاه خلقاً قويما
مبدعاً آمراً إذا قال كن للشيء
كان الشيء المراد قديما
والتفاصيل شائكات فإن شئت قصرنا حديثها المعلوما
عن حياة الهواء يعصف والبحر تجارى مموجاً ملطوما
قلتُ ما شئتِ قالت الرأي في القول كما ارتائي ومثلك أدرى
خُلق البحر قبل أن تخلق الريح فكان الخضم أقدم عمرا
جسداً هامداً وجرماً بلا بروح تعير الجماد حساً وذكرا
ولقد كان خلقه في البدايات ابتداء للريح روحاً وسرا
مثلما يُخلق الجنين جراثيم انتظاراً للروح تحدث أمرا
لم تكد تستبين بعد السموات على هامة الفضاء العريض
كرة كانت اليبوسة، والصلب عزيز، من بعضها المستريض
والمحيطات، والرخاوة سيماء بنيها، من كلها المستفيض
أو تدب الحياة لولا انطلاق الريح فيها ونفخها للنهوض
حرة طلقة تَردّدُ في البحر وفي البر سهله والنقيض!
وبحسبي بعد انبثاق المحيطات بحاراً كثيرة لا تَعد
وانفساح الهش النديّ من الأرض مغاراً لها إليه تُرد
واحتساب المغار عمقاً من القابع فيه وعمقه لا يُحد
وتباهيه بالتلون من جو سماه بلونها يعتد
أن يكون الحديث نقلاً عن الواقع يرويه حاضر مستجد
منذ كان الخضم جرماً غزته الريح روحاً للروح والإجرام
والصراع الدامي المضّمن معناه صراع النفوس والأجسام
مستديم النضال لم تهدأ الثورة فيه على مدى الأيام
فهو إن يخدع النواظر مداً
كان جزراً في واقع الأفهام
وهو أن يشتهي السلامة حرباً
ظاهرياً لن ينتهي للسلام!
هكذا عاشت البحار وما البحر إذا قيس عنصراً بسواه
أهو الماء والملوحة في الذوق مذاقاً ومخبراً سيماه؟
أم هو العمق إنها خسفة الهش من الأرض غاره مأواه؟
أم هو النفع، إنه البحر لا أكثر كم من مطية لولاه؟
نام هو الضر والهواء، هو اللاعب دور المحرك استعداه؟
أم تراه السكونُ يرهَب، هل كان سكون لولا سمو هوائه؟
يتعالى في الأفق يخترق الأفق مَراداً مصعّداً في علائه
وهل البحر مرهب بالسكون الناس، بئس الإرهاب في أصفائه؟
أم هي الثورة استقل بها العاصف في موجه وفوق سمائه؟
طاوياً ناشراً رواكده فيه ومن حوله على أشلائه!
ثم ما هذه الطلاقة لم تخضع لقيد مؤكد لسواها؟
أهي البشر والبشاشة واللفظ صريح مقيد مأتاها؟
إن تكن هكذا فتلك لعمر البحر للبحر خلة ما اشتهاها
أو تكن الانطلاق في لغة الصدق تأبت عن نيله معناها
فسل الريح همسة ونسيماً وهواء وعاصفاً عن مداها!
في رفيف الحياة في نفَس الحي حياة وفي الطيور غناء
في جمال الربيع في فوحة الزهرة عطراً وفي الغصون نماء
في حفيف الأشجار في دفقة النهر حراكاً وفي الرياض هناء
في ركام السحاب في صفقة الودق انبثاقاً وفي الغمام امتلاء
في أعالي السماء في أفق الجو أثيراً وفي الفضاء اعتلاء!
في الأعاصير في الزوابع في الريح تدوّي شأن الطليق القوي
فهو في رهبة العواصف إن شئت سكون لا كالسكون الخلي
وإذا شئت ثورة لا انثناء
العزم من طبعها العتي الأبي
فهي للطيّب الحياة حياة
وممات للمستريب الشجي
هي في الجو مثلما هي في الأرض وفي البحر سيره والدوي!
فسل الليل عن معاركها فيه إذا كابر الخضم المكابر
فهو الصادق الراوية إن حدث عن مجتلى نزاع العناصر
كيف لا؟ والحياة في الليل في النفس حياة تسمو لديها المشاعر
وعيون الزمان إن نامت الأعين فيه على الزمان سواهر
فهو لا حالماً يمر به الكون ولكن يقظان بالكون شاعر
واستمع للحوار عاد طريفاً
لم ينله التكرار في إبداعه
أو تقصر من شأوه صيحة الضعف تردت للقاع من أتباعه
لا ولا صرخة المقلد والمين مبين في خلطه ودفاعه
قال لي الليل والمقال من الليل صريح في صدقه واتساعه
وبما تقذف الأدلة في النفس وقد نصها السَوى في اندفاعه
رقص البحر مرة ((رقصة الموت)) فكانت بداية ونهاية
حين نال الدجى خبيئاً وراء أقول منه استعارة وكناية
وانزوى يستبيح في كنف الشط جمال الدنيا أذىً ووشاية
وغفا حالماً يهمهم بالصبح عزاء ورقية ووقاية
فمضى الليل ناشراً فوقه الهول انتقاماً وصولة ونكاية!
ورماه بالهول يُعقبه الهول فقول أو عاصف أثر عاصف
وابتغاه مرمىً قريباً إذا رد بعيداً إن حاد شأن المجانف
واجتلاه مرعىً خصيباً ففي كل مكان وجه لوجه مخالف
فجلاه للعين مرآة ضعف
مثلما تشتهيه قدرة واصف
فتلوى وماج وارتد أو همّ
وما جهد موجه بالعواصف!
واستفاض الحديث ردده الطود مليًّا في صمته والرسائل
عن حياة الخضم تعصف فيه الريح عصفاً مردد النفخ هائل
لا عتواً يضرى به البطل الهائج بل عبرة النهى والفضائل
واستحال الحديث صورة إشفاق عليها من الرجاء دلائل
فاكتفى العاصف الرهيب بما نال وما نال كان أكبر طائل
وصفا الجو فاستهام به الطود يناجي خضارة المتواري
وأطل الهواء زامله البدر الموالي إطلالة الجبار
ودنا فاستفاق من وهمه البحر خجولاً مهتّك الأستار
فهفا نحوه وسلم بالقول رقيقاً في هيبة ووقار
وشأى عاصفاً ورف نسيماً
وسما خالصاً من الأوضار!
فانطوى البحر بعدها طاوي القلب على منتهى الضغينة والغل
ساهداً مرسلاً تحيته منه إليه فيها يعيد ويصقل
وتحياته بقايا الشكايات وإن خالها براءة من ذل
أو نعيق الغراب يحسبه الجاهل من جهله ترانيم بلبل
كالمحيي جنية الشعر أو عبقر بين الأنام في شخص دُلدل
عنصر يشتهي الصراع ويخشاه شهاباً أو عاصفاً أو هيولى
مثّلته في صفحة الأدب الهامد شيخاً من الهزال نحيلا
عصبة تبتغي الصراع خيالاً
وتجافيه في الحقائق غولا
والصراع الدامي طِلاب القديرين سمواً وغاية لا فضولا!
والحياة الصراع والبأس والقوة حقاً لا رقصة وطبولا!
والمنى والشكاة والأمل الفاتر وهمٌ على الحياة وزور
والرؤى والطيوف والعالم الحالم دنيا والعقل فيها أسير
والخيال الفذ المطل على الواقع من أفقه خيال مثير
وقوام الآداب طبع أصيل
واطلاع وقوة وشعور
والحياة الصراع للفوز سيماء بَنِيها يدور حيث تدور
 
طباعة

تعليق

 القراءات :625  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 102 من 207
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الأعمال الشعرية والنثرية الكاملة للأستاذ محمد إسماعيل جوهرجي

[الجزء الخامس - التقطيع العروضي الحرفي للمعلقات العشر: 2005]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج