يا هيولى الكون العظيم بما فيه حياة وعنصراً ونظاما |
حدثينا عن قصة الأبد الممعن في غيبه القديم ترامى |
أتحفينا بالمبدع الخالد الذكر يزيح الشكوك والأوهاما |
كيف جدت عناصر الكون والكون سديم في أمره ما استقاما؟ |
ولماذا القُوى تَفاضل في الخلقة شكلاً وقوة وانسجاما؟ |
حدثينا ما قلت؟ قالت هو الفصل حديثي لا ما يقول الجهول |
فأنا الأس منبع المشهد الحاضر |
مني أصوله والفصول |
زامل الليل مبعث الفن والفتنة عهدي يجول حيث أجول |
وانزوى الصبح في هبائيَ من قبل ومن بعد لا يُرى إذ أصول |
فسل الظلمة استعيرت ضياء وإليك الحديث فهو طويل |
كان ذاك الفضاء تخطئه العين هباء أو فكرة أو سديما |
حينما ذو الجلال جلت أياديه |
تعالى سوّاه خلقاً قويما |
مبدعاً آمراً إذا قال كن للشيء |
كان الشيء المراد قديما |
والتفاصيل شائكات فإن شئت قصرنا حديثها المعلوما |
عن حياة الهواء يعصف والبحر تجارى مموجاً ملطوما |
قلتُ ما شئتِ قالت الرأي في القول كما ارتائي ومثلك أدرى |
خُلق البحر قبل أن تخلق الريح فكان الخضم أقدم عمرا |
جسداً هامداً وجرماً بلا بروح تعير الجماد حساً وذكرا |
ولقد كان خلقه في البدايات ابتداء للريح روحاً وسرا |
مثلما يُخلق الجنين جراثيم انتظاراً للروح تحدث أمرا |
لم تكد تستبين بعد السموات على هامة الفضاء العريض |
كرة كانت اليبوسة، والصلب عزيز، من بعضها المستريض |
والمحيطات، والرخاوة سيماء بنيها، من كلها المستفيض |
أو تدب الحياة لولا انطلاق الريح فيها ونفخها للنهوض |
حرة طلقة تَردّدُ في البحر وفي البر سهله والنقيض! |
وبحسبي بعد انبثاق المحيطات بحاراً كثيرة لا تَعد |
وانفساح الهش النديّ من الأرض مغاراً لها إليه تُرد |
واحتساب المغار عمقاً من القابع فيه وعمقه لا يُحد |
وتباهيه بالتلون من جو سماه بلونها يعتد |
أن يكون الحديث نقلاً عن الواقع يرويه حاضر مستجد |
منذ كان الخضم جرماً غزته الريح روحاً للروح والإجرام |
والصراع الدامي المضّمن معناه صراع النفوس والأجسام |
مستديم النضال لم تهدأ الثورة فيه على مدى الأيام |
فهو إن يخدع النواظر مداً |
كان جزراً في واقع الأفهام |
وهو أن يشتهي السلامة حرباً |
ظاهرياً لن ينتهي للسلام! |
هكذا عاشت البحار وما البحر إذا قيس عنصراً بسواه |
أهو الماء والملوحة في الذوق مذاقاً ومخبراً سيماه؟ |
أم هو العمق إنها خسفة الهش من الأرض غاره مأواه؟ |
أم هو النفع، إنه البحر لا أكثر كم من مطية لولاه؟ |
نام هو الضر والهواء، هو اللاعب دور المحرك استعداه؟ |
أم تراه السكونُ يرهَب، هل كان سكون لولا سمو هوائه؟ |
يتعالى في الأفق يخترق الأفق مَراداً مصعّداً في علائه |
وهل البحر مرهب بالسكون الناس، بئس الإرهاب في أصفائه؟ |
أم هي الثورة استقل بها العاصف في موجه وفوق سمائه؟ |
طاوياً ناشراً رواكده فيه ومن حوله على أشلائه! |
ثم ما هذه الطلاقة لم تخضع لقيد مؤكد لسواها؟ |
أهي البشر والبشاشة واللفظ صريح مقيد مأتاها؟ |
إن تكن هكذا فتلك لعمر البحر للبحر خلة ما اشتهاها |
أو تكن الانطلاق في لغة الصدق تأبت عن نيله معناها |
فسل الريح همسة ونسيماً وهواء وعاصفاً عن مداها! |
في رفيف الحياة في نفَس الحي حياة وفي الطيور غناء |
في جمال الربيع في فوحة الزهرة عطراً وفي الغصون نماء |
في حفيف الأشجار في دفقة النهر حراكاً وفي الرياض هناء |
في ركام السحاب في صفقة الودق انبثاقاً وفي الغمام امتلاء |
في أعالي السماء في أفق الجو أثيراً وفي الفضاء اعتلاء! |
في الأعاصير في الزوابع في الريح تدوّي شأن الطليق القوي |
فهو في رهبة العواصف إن شئت سكون لا كالسكون الخلي |
وإذا شئت ثورة لا انثناء |
العزم من طبعها العتي الأبي |
فهي للطيّب الحياة حياة |
وممات للمستريب الشجي |
هي في الجو مثلما هي في الأرض وفي البحر سيره والدوي! |
فسل الليل عن معاركها فيه إذا كابر الخضم المكابر |
فهو الصادق الراوية إن حدث عن مجتلى نزاع العناصر |
كيف لا؟ والحياة في الليل في النفس حياة تسمو لديها المشاعر |
وعيون الزمان إن نامت الأعين فيه على الزمان سواهر |
فهو لا حالماً يمر به الكون ولكن يقظان بالكون شاعر |
واستمع للحوار عاد طريفاً |
لم ينله التكرار في إبداعه |
أو تقصر من شأوه صيحة الضعف تردت للقاع من أتباعه |
لا ولا صرخة المقلد والمين مبين في خلطه ودفاعه |
قال لي الليل والمقال من الليل صريح في صدقه واتساعه |
وبما تقذف الأدلة في النفس وقد نصها السَوى في اندفاعه |
رقص البحر مرة ((رقصة الموت)) فكانت بداية ونهاية |
حين نال الدجى خبيئاً وراء أقول منه استعارة وكناية |
وانزوى يستبيح في كنف الشط جمال الدنيا أذىً ووشاية |
وغفا حالماً يهمهم بالصبح عزاء ورقية ووقاية |
فمضى الليل ناشراً فوقه الهول انتقاماً وصولة ونكاية! |
ورماه بالهول يُعقبه الهول فقول أو عاصف أثر عاصف |
وابتغاه مرمىً قريباً إذا رد بعيداً إن حاد شأن المجانف |
واجتلاه مرعىً خصيباً ففي كل مكان وجه لوجه مخالف |
فجلاه للعين مرآة ضعف |
مثلما تشتهيه قدرة واصف |
فتلوى وماج وارتد أو همّ |
وما جهد موجه بالعواصف! |
واستفاض الحديث ردده الطود مليًّا في صمته والرسائل |
عن حياة الخضم تعصف فيه الريح عصفاً مردد النفخ هائل |
لا عتواً يضرى به البطل الهائج بل عبرة النهى والفضائل |
واستحال الحديث صورة إشفاق عليها من الرجاء دلائل |
فاكتفى العاصف الرهيب بما نال وما نال كان أكبر طائل |
وصفا الجو فاستهام به الطود يناجي خضارة المتواري |
وأطل الهواء زامله البدر الموالي إطلالة الجبار |
ودنا فاستفاق من وهمه البحر خجولاً مهتّك الأستار |
فهفا نحوه وسلم بالقول رقيقاً في هيبة ووقار |
وشأى عاصفاً ورف نسيماً |
وسما خالصاً من الأوضار! |
فانطوى البحر بعدها طاوي القلب على منتهى الضغينة والغل |
ساهداً مرسلاً تحيته منه إليه فيها يعيد ويصقل |
وتحياته بقايا الشكايات وإن خالها براءة من ذل |
أو نعيق الغراب يحسبه الجاهل من جهله ترانيم بلبل |
كالمحيي جنية الشعر أو عبقر بين الأنام في شخص دُلدل |
عنصر يشتهي الصراع ويخشاه شهاباً أو عاصفاً أو هيولى |
مثّلته في صفحة الأدب الهامد شيخاً من الهزال نحيلا |
عصبة تبتغي الصراع خيالاً |
وتجافيه في الحقائق غولا |
والصراع الدامي طِلاب القديرين سمواً وغاية لا فضولا! |
والحياة الصراع والبأس والقوة حقاً لا رقصة وطبولا! |
والمنى والشكاة والأمل الفاتر وهمٌ على الحياة وزور |
والرؤى والطيوف والعالم الحالم دنيا والعقل فيها أسير |
والخيال الفذ المطل على الواقع من أفقه خيال مثير |
وقوام الآداب طبع أصيل |
واطلاع وقوة وشعور |
والحياة الصراع للفوز سيماء بَنِيها يدور حيث تدور |