شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
موت وحياة
انطفأت ابنتي (( حكمت )) بعد أن أضاءت لمن ولما حولها حوالى ثلاثة أعوام.
أحقاً طواك الرمس واغتالك الردى
وأصبحت ذكرى للفؤاد المعذب؟
وقد عشت ما قد عشت عني غريبة
كغربة طبعي الواجف المتنكب
كفاء بأني والد أنت بنته
وأنك مني في الحياة بمرقب
وما علم الأدنون أنك في الحشا
علالة قلب خافق متوثب
ولا علم القلب الذي أنت نوره
بأنك فيه كنت أضوأ كوكب
ولا ذكر الناؤون عنك بأنني
ذكرتك يوماً ذكر عانٍ ملوب
غريبان عشنا في الحياة على لقا
بدنيا هوانا الصامت المتنقب
كذلك عشنا لستِ تدرين في الهوى
ولا أنا عن مسرى الهوى المتحجب
إلى أن أشار الموت نحوكِ خاطفاً
حياتك في صبح من الهول مرعب
وأفزعني الناعي بما هاج ساكني
وأيقظ إحساس الأب المتعذب
فكنتِ كأني قد ولدتك ساعة
فقدتك فيها فقد من لم يجرب
وبصّرني الموت الكريه حقيقة
تدق على عين اللبيب المجرب
فبان من المستور من انساح فجأة
كموتك موقوت المدى المترقب
هوىً هب لذاع الصبابة لاظياً
وقد فاض في الأحشاء من كل مسرب
وعدت أمامي كائناً متجسداً
يفيض حياة تستزيد تلهبي
وبتِّ خيالاً هاجماً كل لحظة
عليّ بماضيك الحفيل المرتب
فها أنتِ قدامي وفي المهد بسمة
تضيء ولحظ مستديم التعجب
وها أنت فوق الكف مني فرحة
وروح خفيف الظل حلو التوثب
وها أنت من خلفي تجرّين مئزري
لألقاك بالصوت الأجش المؤنب
وها أنت والألفاظ جهداً تعثرت
بفيك تناديني ((ببابا)) المحبب
وها أنت تخفين الذي كان طلبتي
لتبديه فرحى باكتشاف المغيب
وها أنت تندسين دوني لتفجئي
أباك بوجه في الدثار محجب
وها أنت بل هذي حياتك كلها
تمر أمامي موكباً إثر موكب
قفي يا ابنتي لا تبعدي عن مكفر
خطاياه العسير المنقب
اقيمي أمامي كل حين ونشّري
حياتك تستبق الحياة لمذنب
فإني بما تبدينه الآن هانيء
هناءة محروم الهناءة متعب
وهذا الفم القاني الصغير وكم به
لثمتِ أباً في فرحة وتحبب
وهذا المحيا الضاحك السن كم زها
على الجيد حسناً كالإطار المذهب
وهذا وهذا من شتيت محاسن
تروق لعين الناظر المتهيب
قفي وأطيلي لا تراعي فإنما
عرفتك هذا الآن لا قبل فاعجبي
كأنيَ لم أنظرك إلا لساعتي
محببة في كل وضع مُحبب
مكبرة في كل جزء ألفته
وفي كل مغنى عشت فيه وملعب
حرام عليَّ اليوم نسيان لحظة
رأيتك فيها قبل أن تتغيبي
نكرتك بالأمس القريب عماية
غِنىً بالوجود المطمئن لمذهب
فلم تجدي فيء الأبوة ناعماً
ولم تذقي ما يستذاق من الأب
وطرت إلى دنيا الخلود وحيدة
تراعين طيف الوالد المتجنب
بنية! ما ذنبي وفي القلب علة
تجلّ عن الإفصاح رغم التطلب
إذا أنا لم أعط الأبوة حقها
عطاء سواد الناس أشتات مطلب؟
بنية! لو تدرين حالي ممزقاً
لاعفيتني من حالة المتعتب
فما أنا فيما كنت أو أنا كائن
سوى أمل ذاوٍ وفكر مذبذب
لقد عشت في دنيا الخيال موزعاً
غريباً بدنيا الناس غربة مذهبي
غريقاً بإحساسي الكئيب مشرداً
لدى شعب الإحساس في كل مركب
بئيساً بكوني العائليّ تخربت
دعائمه في قلبيَ المتخرب
حرياً بأن أحيا كما شئت لا كما
تشاء حياة الناس في عرفها الغبي
شقياً بهذا الواقع الفج يبتغي
تقيّد مثلي بالنصيب المرغب
وحيداً فإن تصفُ الحياة لآهل
سعيد فقد تحلو الحياة لأعزب!
بنية! هذا الموت موتك هدني
على غرة مني وما زال مكربي
على أنه أحياك في القلب ثانياً
حياة حبيب نازح متأوب
فقد جرف الرزء المعجل من دمي
جمود أب دامي الشكاة مخيب
وأولاك من نفسي الرحيبة مسرحاً
بك اكتظ زفّاف السنى المتلهب
فها أنت قدامي على كل صورة
تناغينني فيها بصوت مطرب
وها أنت من فرط التلامس بيننا
أشم الشذى المألوف منك بمقرب
وألمس ما تلقى يداي مؤكداً
وجودك في همس بذكرك مسهب
وأدعوك كم أدعوك باسمك حانياً
عليك وقد لامستِ جيدي ومنكبي
فإن فجعتني في نهاري حقيقتي
ونأيك عني نأي فانٍ مغيب
فقد بت في ليلي بقربك جاثماً
جثوم المصلّي في المصلّى المرجب
بنية! يا من غيّب القبر جسمها
وإن لم يغيّب عن فؤادي مصائبي
أبيت عليك الدمع لا اذرفنه
فأنت هوىً ضُمت عليه ترائبي
وأنت منى النفس الشجية تحتمي
بذكراك مما كان بين جوانبي
وما قيمة الدمع الرخيص إذا انتهى
بإسباله إحساسنا بالنوائب؟
بنية! ما مات المقيم على المدى
بروح المحسّيه بكون التجاذب
وما غاب عن دنيا محب حبيبه
وقد عاش ذكرى دائم الذكر دائب
وكم مات في الأحياء من لا نديره
ببال على كر المدى المتعاقب
أنيسة نفسي كل يوم وليلة
برغم الردى طوفي حواليّ والعبي
فلا تحسبي أني عددتك ميتة
وإن غبت في جوف الثرى المتراكب
فأنت بنفسي الآن أحيا حبيبة
إلي، فعيشي طيلة العمر جانبي
 
طباعة

تعليق

 القراءات :728  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 101 من 207
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعد عبد العزيز مصلوح

أحد علماء الأسلوب الإحصائي اللغوي ، وأحد أعلام الدراسات اللسانية، وأحد أعمدة الترجمة في المنطقة العربية، وأحد الأكاديميين، الذين زاوجوا بين الشعر، والبحث، واللغة، له أكثر من 30 مؤلفا في اللسانيات والترجمة، والنقد الأدبي، واللغة، قادم خصيصا من الكويت الشقيق.