أحقاً طواك الرمس واغتالك الردى |
وأصبحت ذكرى للفؤاد المعذب؟ |
وقد عشت ما قد عشت عني غريبة |
كغربة طبعي الواجف المتنكب |
كفاء بأني والد أنت بنته |
وأنك مني في الحياة بمرقب |
وما علم الأدنون أنك في الحشا |
علالة قلب خافق متوثب |
ولا علم القلب الذي أنت نوره |
بأنك فيه كنت أضوأ كوكب |
ولا ذكر الناؤون عنك بأنني |
ذكرتك يوماً ذكر عانٍ ملوب |
غريبان عشنا في الحياة على لقا |
بدنيا هوانا الصامت المتنقب |
كذلك عشنا لستِ تدرين في الهوى |
ولا أنا عن مسرى الهوى المتحجب |
إلى أن أشار الموت نحوكِ خاطفاً |
حياتك في صبح من الهول مرعب |
وأفزعني الناعي بما هاج ساكني |
وأيقظ إحساس الأب المتعذب |
فكنتِ كأني قد ولدتك ساعة |
فقدتك فيها فقد من لم يجرب |
وبصّرني الموت الكريه حقيقة |
تدق على عين اللبيب المجرب |
فبان من المستور من انساح فجأة |
كموتك موقوت المدى المترقب |
هوىً هب لذاع الصبابة لاظياً |
وقد فاض في الأحشاء من كل مسرب |
وعدت أمامي كائناً متجسداً |
يفيض حياة تستزيد تلهبي |
وبتِّ خيالاً هاجماً كل لحظة |
عليّ بماضيك الحفيل المرتب |
فها أنتِ قدامي وفي المهد بسمة |
تضيء ولحظ مستديم التعجب |
وها أنت فوق الكف مني فرحة |
وروح خفيف الظل حلو التوثب |
وها أنت من خلفي تجرّين مئزري |
لألقاك بالصوت الأجش المؤنب |
وها أنت والألفاظ جهداً تعثرت |
بفيك تناديني ((ببابا)) المحبب |
وها أنت تخفين الذي كان طلبتي |
لتبديه فرحى باكتشاف المغيب |
وها أنت تندسين دوني لتفجئي |
أباك بوجه في الدثار محجب |
وها أنت بل هذي حياتك كلها |
تمر أمامي موكباً إثر موكب |
قفي يا ابنتي لا تبعدي عن مكفر |
خطاياه العسير المنقب |
اقيمي أمامي كل حين ونشّري |
حياتك تستبق الحياة لمذنب |
فإني بما تبدينه الآن هانيء |
هناءة محروم الهناءة متعب |
وهذا الفم القاني الصغير وكم به |
لثمتِ أباً في فرحة وتحبب |
وهذا المحيا الضاحك السن كم زها |
على الجيد حسناً كالإطار المذهب |
وهذا وهذا من شتيت محاسن |
تروق لعين الناظر المتهيب |
قفي وأطيلي لا تراعي فإنما |
عرفتك هذا الآن لا قبل فاعجبي |
كأنيَ لم أنظرك إلا لساعتي |
محببة في كل وضع مُحبب |
مكبرة في كل جزء ألفته |
وفي كل مغنى عشت فيه وملعب |
حرام عليَّ اليوم نسيان لحظة |
رأيتك فيها قبل أن تتغيبي |
نكرتك بالأمس القريب عماية |
غِنىً بالوجود المطمئن لمذهب |
فلم تجدي فيء الأبوة ناعماً |
ولم تذقي ما يستذاق من الأب |
وطرت إلى دنيا الخلود وحيدة |
تراعين طيف الوالد المتجنب |
بنية! ما ذنبي وفي القلب علة |
تجلّ عن الإفصاح رغم التطلب |
إذا أنا لم أعط الأبوة حقها |
عطاء سواد الناس أشتات مطلب؟ |
بنية! لو تدرين حالي ممزقاً |
لاعفيتني من حالة المتعتب |
فما أنا فيما كنت أو أنا كائن |
سوى أمل ذاوٍ وفكر مذبذب |
لقد عشت في دنيا الخيال موزعاً |
غريباً بدنيا الناس غربة مذهبي |
غريقاً بإحساسي الكئيب مشرداً |
لدى شعب الإحساس في كل مركب |
بئيساً بكوني العائليّ تخربت |
دعائمه في قلبيَ المتخرب |
حرياً بأن أحيا كما شئت لا كما |
تشاء حياة الناس في عرفها الغبي |
شقياً بهذا الواقع الفج يبتغي |
تقيّد مثلي بالنصيب المرغب |
وحيداً فإن تصفُ الحياة لآهل |
سعيد فقد تحلو الحياة لأعزب! |
بنية! هذا الموت موتك هدني |
على غرة مني وما زال مكربي |
على أنه أحياك في القلب ثانياً |
حياة حبيب نازح متأوب |
فقد جرف الرزء المعجل من دمي |
جمود أب دامي الشكاة مخيب |
وأولاك من نفسي الرحيبة مسرحاً |
بك اكتظ زفّاف السنى المتلهب |
فها أنت قدامي على كل صورة |
تناغينني فيها بصوت مطرب |
وها أنت من فرط التلامس بيننا |
أشم الشذى المألوف منك بمقرب |
وألمس ما تلقى يداي مؤكداً |
وجودك في همس بذكرك مسهب |
وأدعوك كم أدعوك باسمك حانياً |
عليك وقد لامستِ جيدي ومنكبي |
فإن فجعتني في نهاري حقيقتي |
ونأيك عني نأي فانٍ مغيب |
فقد بت في ليلي بقربك جاثماً |
جثوم المصلّي في المصلّى المرجب |
بنية! يا من غيّب القبر جسمها |
وإن لم يغيّب عن فؤادي مصائبي |
أبيت عليك الدمع لا اذرفنه |
فأنت هوىً ضُمت عليه ترائبي |
وأنت منى النفس الشجية تحتمي |
بذكراك مما كان بين جوانبي |
وما قيمة الدمع الرخيص إذا انتهى |
بإسباله إحساسنا بالنوائب؟ |
بنية! ما مات المقيم على المدى |
بروح المحسّيه بكون التجاذب |
وما غاب عن دنيا محب حبيبه |
وقد عاش ذكرى دائم الذكر دائب |
وكم مات في الأحياء من لا نديره |
ببال على كر المدى المتعاقب |
أنيسة نفسي كل يوم وليلة |
برغم الردى طوفي حواليّ والعبي |
فلا تحسبي أني عددتك ميتة |
وإن غبت في جوف الثرى المتراكب |
فأنت بنفسي الآن أحيا حبيبة |
إلي، فعيشي طيلة العمر جانبي |