لك يا جدة الحبيبة في النفس مكان محبب مألوف |
قُدْسي كالهيكل الساحر بدنيا أسراره محفوف |
طار فيه صدى الجديدين بالأمس وما زالت الحياة تطوف |
تتمشى ما بين روقيك تختالْ أبرادها هناك حفيف |
فيه معنى من كل ما فيك ريان سواء قويه والضعيف |
وخيال لكل ما فيك حي |
عكست ظلّه الرؤى الزفيف |
فيه من أمسيَ البعيد حياة |
ذكرياتي أشباحها والطيوف |
وعليه من جدة اليوم مما |
ينسج الفكر والخيال شفوف |
فهو قدْس محجب شارف الدهر علواً فلن تراه الصروف |
وهو جذر مستنبت من روابيك وغرس مدى الزمان والريف |
مهدته كف الأبوة قدماً |
واحتواه ربيعها والخريف |
وحبته دنيا الطفولة دنيا |
ذات حسن له سنى ورفيف |
وحماه من التلاشي ولا كا |
ن شباب يرويه حب عنيف |
فتصابي ما شئتِ هيهاتّ أسلوك وفي القلب من هواك وجيف |
أنت جزء من موطن ملء قلبي |
بعضه المستطاب والمالوف |
أنت في ومضة الخيال بعيني الآن خود جم الحنان عطيف |
لك من فتنة الغواني معانٍ |
حار في حصر كنهها التكييف |
قمت للقاصديك بسامة الثغر |
لعوباً تلقاك منهم ألوف |
فكأن السهل الفسيح فناء القرى فيه والضواحي ضيوف |
وكأن الجبال دونك في الأفق مكان الإشراق سور مطيف |
وكأن التلال حولك بالشطِ حراس مدى الزمان وقوف |
وكأن الخضم صب على الباب طريح وأنت عنه عيوف |
يترامى هوىً فتقصينه عنك فيرتد والمحب ضعيف |
ها أنا الآن فوق ((تلّي)) ساجي الطرف يسمو بي الخيال المشوف |
ساكت منصت إلى الليل، والليل كما تعلمينه فيلسوف |
والنسيم الهفهاف يعتنق الروح طروباً له صدى ورفيف |
حيث تجلو لي الطبيعة ألوان فتون يزينها الترصيف |
في ظلال التلال، في كنف الشط، على مسرح الفضاء تطوف |
حيث يبدو البدر المطل من السحب حيياً لا تزدهيه الشفوف |
باسماً ناعماً بدنياه، بالحسن تناهى تليده والطريف |
مرسلاً ـ للخضم إذ هاجه الشوق وقلب لمن يحب ألوف ـ |
قبلةً كلها الحنان سنى الخلد سناها منه الجنى والقطوف |
يتسامى لها وقد أسكرته |
نغمات الهوى الخضم الشغوف |
مائجاً راقصاً يلوب على |
الشط ويرتد مرة ويعوف |
منشداً من خريره نغمات |
أين منها معازف ودفوف |
والدراري مطلة ترهف السمع عليها من الحياء كسوف |
والعيون الحيرى توصوص في الشط فينأى بها الفؤاد اللهيف |
والدجى المنتحي ظلال الروابي |
هائب في غماره ملفوف |
وأنا مترع الجوانح والحسن |
حواليك بالفؤاد مطيف |
حالم ناظر بعين خيالي كيف يحلو الهوى البريء العفيف |
هكذا أنت فتنة من كوى الفكر يراك المدلّة المشغوف |
ولدى عالم الحقيقة شيء |
دون هذا لولا هواك العنيف |
أنت ذاك الميناء والبلد القاحل إلا من الهوى يستضيف |
فإذا شئت أن يصورك الحس فما بعدما يُرى موصوف |
وإذا شئتِ أن أكني ولا مهرب من ذاك يبتغيه الأنوف |
فاعلمي إنما الحبيب حبيب |
كيفما كان والألوف ألوف |
والمحبون في البرية أغراض |
رُماة سهامها التعنيف |
والملام البغيض مبعثه الجهل وبغض الجهول ليس يخيف |
والمراءون أدعياء وطبع الحر طبع يشينه التزييف |
والقضاء الخفي أمر نُهى المرء أسير أمامه مكتوف |
والعظيم العظيم يغتصب العجب من القلب وهو عنه عزوف |
فإذا قلت مرة فلك الويل |
فلا غرو فالحياة صنوف |
إنما سرّب الملال لقلبي |
أمل ذابل وعيش سخيف |