لئن حسد الإنسان في الناس نفسه |
فإني أنا المحسود والحاسد الفرد |
وكيف؟ ونفسي تحمل العبء وحدها |
أنوء به والقصد ما بيننا حد |
عجبت لها كيف استطال استلابها |
نوافل عمر ملؤه السخط والحقد |
نوافل عمر ليس منا ولا لنا |
وقد فات في تقديرنا فقدنا الفقد |
وتافه عيش لا جديد بيومه |
ولا جد فيه أو سؤالي هو الجد |
قؤولاً لها هل في حياتك مغنم |
ترجّينه حتى أطال بك العهد؟ |
وهل عذُبت يوماً حياتك كلها |
وسرتك حتى طاب في حضنها المهد؟ |
وماذا بها؟ الناس، والناس كلهم |
تماثيل للأغراض تكمن أو تبدو |
أم الحب منهوماً يباع ويشترى |
وإن هو إلا الوجد يفنى به الوجد؟ |
أم الحسن مبذولاً يسام وينتقي |
فيلفظ للأدنى وما بعده بعد؟ |
أم الشعر أوزاناً تصاغ لتجتلي |
عقوداً من الأفكار يفضلها عقد؟ |
أم الفن مأجوراً يسيّر عانياً |
وما كان إلا الطبع تحريره خلد؟ |
أم الطبع أخلاقاً يعز ثباتها |
فما هي إلا الضد يعقبه الضد؟ |
أم الحق مهزولاً وما الحق سائداً |
سوى الحق يمليه القوي فيعتد؟ |
أم الدين أوضاعاً تراد لذاتها |
ويخطئها إن راح يحصرها العد؟ |
أم الوطن الغالي استنام فلا صدى |
لداعٍ دعا فيه سوى الصمت يمتد؟ |
أم الأمل العاتي بعيداً مناله |
قريباً لدى النومان ما ناله السهد؟ |
أم الجد منكوراً تخير ناكراً |
لبيض أياديه وقد فاتك الجد؟ |
أم المثل العالي وهذي مِلاكه |
فلول معانٍ لا يتم بها مجد؟ |
أم المال؟ إن المال في النفس صانع |
نفوس الورى كيف ارتضى قلبه الصلد |
هو المال قلاب النفوس وربها |
فكل امرئ مهما تسامى له عبد |
هو المال قسطاس الحياة فحيثما |
يكن تكن الدنيا وما دونه زهد! |
فماذا بها يا نفس قبل وبعد ذا |
حياتك إن أمسى حياة لك الفقد؟ |
رويدك صبراً لا تثوري تعصباً |
فإن حياتي في حياتك تمتد |
تعالي أطيلي في حياتي نظرة |
وسيلتها التجريد لا الحصر والعد |
فماذا بها؟ الأهل؟ والبيت عندنا |
مباءة عادات يضل بها الرشد |
أم الصحب؟ والأصحاب إلا أقلهم |
شكول من الأسماء ينقصها الود |
أم الناس؟ إن الناس في رأينا دمى |
من الجهل والتقليد تحريكها جهد |
فكل جنوح عن هوى الوضع سؤة |
وكل من استعلى على العرف مرتد |
فويل لمن مالت به النفس حرة |
عن العرف والعادات أو هاجه العند |
كأن مكان العرف في الناس سيد |
وفكر بني الإنسان مهما علا العبد |
فمن لك بالذوق الرفيع مسوداً |
وبالفكر حراً مستباحاً له النقد |
وبالدين إيماناً رضا اللَّه وكده |
فلا شيء إلا الله والعبد والوكد |
وبالطبع أخلاقاً يعز بها الحجى |
وبين حناياها الرجولة تشتد |
وهذي هي الأخلاق فينا تجارة |
يكاثر فيها الزائفَ الكاسدَ الند |
فكل مريد الكسب فيها موفق |
إذا هو لم يعجزه في سوقها النقد |
وحسبك بالأخلاق تصبح ملبساً |
وصاحبها من كل يوم له برد |
وبالدين في دنياك يندب أهله |
رياء وأوضاعاً هي الجزر والمد |
كأن مقام الدين منا وسيلة |
إلى مأربٍ ما كان عن نيله بد |
أوَ أن طلاب الشر أصل مؤرث |
وبين نفوس القادرين له زند |
أوَ أن سبيل الحق للحق شائك |
فلا حق إلا حين يجنى به الورد |
أوَ أن مجال الصدق في النفس ضيق |
فلا صدق إلا ما يؤدّى به القصد |
ولا قصد للثاوين تعصف حولهم |
حياةُ بني الدنيا وهم في الدنى عد |
سوى المطلب الأدنى سرت لاكتسابه |
سراهم خشاش الأرض ما بعده بعد |
فتلك وهذي في الحياة حياتنا |
فماذا بها يا نفس مما له نغدو؟ |
وماذا بها؟ حتى كرهت مرادنا |
وما هو، إلا كيفما كانه، اللحد |
مرادٌ تخيرناه بعد روية |
وكان لنا عند اختيارك ما يحدو |
فأمسيتِ ما بين النفوس دخيلة |
وأمسيتُ في الأحياء فرضاً كما أبدو |
قضاء قدرناه اعتزاماً ولم يكن |
ليبرم إلا أن يحدده الحد |
وليس بنا جبن وليس بنا ونىً |
إذا ما أردنا أو أريد بنا وكد |
ولكنه المقدور يجري بحكمه |
إلى حيث لا أمر بمجد ولا صد |
قضى اللَّه أن نبقى فكانت تعلة |
أحلتك من وعد به ينتهي الوعد |
هو اللَّه في كل الأمور له يد |
محركة هيهات يمنعها الجحد |
فآمنتِ إيمان الهلوك تبتلت |
وكان لها من برد إيمانها برد |
ورحتِ تقيسين الحياة وليدة |
ومقياسك الضدان حبك والزهد |
فلم يُصْبك المرئي شاع به البلى |
وإن بهرت من حسنه الأعين الرمد |
فغمغمتِ بالشكران دوني وحيدة |
ودمدمت بالكفران ليس له حد |
وقلت ليَ اصبر رب يوم مخبا |
تكشف عن آتٍ يدوي به المجد |
ورب ليالٍ تعقب اليوم دانياً |
وقد حفلت فيه المنى ملؤها السعد |
وأقبلت تلقين الخطوب بسومة |
وألويت لا يصيبك هزل ولا جد |
فرحماك من نفس تناهى صراعها |
طويلاً مع الدنيا وما نالها جهد |
هُزمتِ فلم تلقِ السلاح وأنه |
على عهده ماضٍ وإن ثلم الحد |
فيا لك من نفس صبور عنيدةٍ |
قصاراك في الدنيا مرادك والكد |
ويا ليَ من وانٍ طليح مهدّم |
حسدت بك التأميل يزهو ويشتد |
حسدت بك التأميل يشرق ناصعاً |
وليل الأسى الدامي حواليك مسود |
حسدت به الإحساس عيناً بصيرة |
وحساً دقيق الحس همسته وقد |
وتذويبك الآلام جل احتمالها |
وتهوينك الأسقام ليس لها رد |
وتوليدك الأحلام دنيا رحيبة |
وكوناً يبز الكون في الكون يمتد |
وتفنيدك الأشياء تفنيد عارف |
وإن كان في تجريبها ناشئاً يشدو |
وتقليبك الساعي النفوس تنوّعت |
وما لك في تعقيبها غايةٌ تبدو |
فيا نفس هذي نفثة الذهن مرهقاً |
وتهويمة القلب استبد به الوجد |
وفلسفة الفكر العصي تمرداً |
على حاضرٍ ماضٍ وآتٍ إذا يبدو |