صناعتي في الورى الكلام له |
أحيا فقيراً وحرفتي الأدب |
وإنما هذه الحياة سوى |
كل امرئ قصده بها سبب |
فكانزٌ كنزُه بها لغة |
وكاسبٌ كسبه بها ذهب |
وأين من في المنى بضاعته |
ممن مناه، ونقده، طلب؟ |
فقل لمن راح يبتغي خبري |
لا تغترر بالدويّ يصطخب |
وقل لمن جدَّ يقتفي أثري |
لا تخدعنَّك الألقاب والرتب |
فلا تظن الضياء في لقبي |
حقيقة ترتجى وترتقب |
ولا بلوغي في الفن مرتبتي |
أعاذني الفقرَ ملؤه التعب |
فإن هذا ((القنديل)) أحمله |
علالة ينتهي بها اللقب |
وإن ذكر ((الأستاذ)) يتبعني |
كظل فقري لفقريَ الذنب |
وإنني والحياة عابسة |
فكاهة في الحياة تجتلب |
وسخرة للملوك من قِدم |
وزينة في الفنون ترتغب |
حتى تجدّ الحياة معطية |
شاعرها بعض ما له يجب |
حتى تُعز الآداب صاغرة |
حقيرة من إليه تنتسب |
وأنها في الحياة مأملة |
نصيبها في حياتنا النصب |
لكنها في الحياة عالية |
حقيقة في غلابها الغلب |
وإنني والأديب منتسب |
لمثل مثلي إليك انتسب |
فخل عنك الشياتِ ظاهرة |
للعين، إن الرواء مكتسب |
وإن صوت الأوتار نائية |
أحلى رنيناً، فقربها صخب |
وإن أناتها منغمةٌ |
نحيبها والمحرك السبب |
لكل من للكمان مستمعاً |
فكر إن الكمان تنتحب؟ |
أعيذها أن تكون لي شبهاً |
فالحد بيني وبينها أدب |
أنا أنال الأفكار قارئةً |
بالعين طرساً بيانه تعب |
وتلك تغزو الأسماع صاغية |
بالأذن لحناً سماعه طرب |
لكنما غاية أشبهها |
مثالها للعزاء يُغتصب |
فلا تقولنَّ إن شدا أدبي |
بما شدا أنني أنا طرب |
أو تحسبنَّ النظيم ملعبة |
برّز فيها يراعيَ الدرب |
فليس هذا النظيم لي لعباً |
إن المنى في حياتيَ اللعب |
وليس ذاك النسيب لي نسباً |
إن الأسى في فؤادي النسب |
أحاله الحب في الهوى نغماً |
للقلب مبكى، للغير منجذَب |
هذي حياتي التي قضيت بها |
فتوة للتمام تقترب |
وكلما ينتهي إلى طلب |
تريده النفس جد لي طلب |
تزفه في منى النفوس منىً |
تدر مني والغير يحتلب |
كأنني في فم الأنام لهم |
ثدي لأمٍّ حلابها ضرب |
كأنني في فم الحياة فم |
أو أنني فوق رأسها يلب |
فما وعته الحياة صامتة |
أعرب عنه لسانِيَ الذرب |
وما قضته الخطوب ساحقة |
كان وقاه إحساسيَ الوصب |
حقيقة أو صدى أردده |
في النفس أو عن نفوس من نُكبوا |
وصاغه الفن في اللغى كلماً |
فمنه در ومنه مخشلب |
قضيتها والشباب ملعبة |
لكل من للشباب منتسب |
بين الأسى والحياة هامدة |
بين المنى والحياة تلتهب |
بين الهوى والفؤاد متصل |
وجيبه والفؤاد لا يجب |
بين النهى للعقول مشترعاً |
سبيلها للعلوم تُطَّلب |
وبين كهف النهى ومجهلها |
تضل فيه العقول والكتب |
وبين لهو النفوس مطلقة |
تُريغ ما تشتهي وتنتهب |
وبين كد النفوس دائبة |
وقورة والنجاح مرتقب |
وبين سير الحياة وانيةً |
ذميلها لا يفوقه الخبب |
وبين سخر الحياة ساخرة |
بكل ما في الحياة يضطرب |
فعيشتي بين بين ماضية |
والجد منها يشوبه اللعب |
فإن أردت الحياة عارية |
لم تخفها دون عينك الحجب |
وإن قصدت النفوس صادقة |
لم يزوها دون نفسك الكذب |
فإنني للحياة صورتها |
ليّنها بين بين والخشِب |
وإنني للنفوس قارئة |
مقروءة ما ترى وما يجب |
هذا سبيلي وأنه عجب |
سبيله في يقينك العجب! |