شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
كلمة الناشر
بقلم: عبد المقصود محمد سعيد خوجه
إن ولع الناس بشعر أي مبدع، وانكبابهم على تداوله ودراسته، يعود في المقام الأول إلى ملامسة ذلك النتاج الإبداعي لمشاعرهم، ومدى توافقه مع خواطرهم وأحاسيسهم.. ومن هذا المنطلق نجد أبياتاً يتيمة من الشعر تعيش وتخلد، بينما تندثر مطولات نظراً لأن الأولى استطاعت أن تُعبِّر بصدق عن مشاعر الناس ـ أينما كانوا ـ بينما تلاشت الأخرى لكونها تهويمات لا تتعدى منظور قائلها وأفقه الخاص.
وفي هذا الإطار نلاحظ أن إبداعات شاعرنا الكبير الأستاذ أحمد قنديل ((يرحمه الله)) وهو أحد رواد كتاب ((وحي الصحراء)) قد تجاوزت مدى الشاعر لتعبر بكثير من الصدق والشفافية عن حضور قوي بين المتلقين رغم تفاوت الأزمنة وتفرق الأمكنة.. فالشعر الذي يأخذ مكانته بين سواد الناس ويتأثر ويؤثر في علاقاتهم الاجتماعية، ويعيش بعض معاناتهم الاقتصادية وتعقيدات الحياة التي لا تخلو من منغصات، وفي ذات الوقت لا تبخل بنوافذ الفرح والسرور بين آونة وأخرى، يظل كامناً في الوجدان وينطلق مع كل التفاتة برشاقة وهدوء حيث يدلف مع مكونات الحياة اليومية في دائرة تتسع لتشمل الإيجابيات والسلبيات، الخير والشر، الفرح والترح، وغيرها من العلاقات الإنسانية التي تنتظم مسيرة الفرد والمجتمع.
لقد استطاع الشاعر الكبير أحمد قنديل ((يرحمه الله)) أن يوظف الكلمة ((الدارجة)) لأداء مهمة معينة ضمن رسالته الإبداعية، وأبحر في عالم الشعر ((الحلمنتيشي)) حين رآه الأقرب إلى ذائقة القراء، والأكثر تعبيراً عما يجيش في نفسه، في الوقت الذي كان قادراً على التعبير بأقوى الألفاظ الفصحى، وأحسب أنه حاول تبرير هذا اللون الشعري الذي خضب الكثير من قصائده و(خماسياته) بقوله:
وأنظم الشعر شعبياً.. وأرسله
من وسط قلبي فنياً.. بلا عقد
واستبيح لنفسي.. دونما عقد..
إني أقول لها.. ما دار في خلدي
فما ترى يا أخانا؟
قال: من جهتي.. لا بأس
لكن سيبقى الرأي.. للعمد !!
الشاعر يعلنها صريحة.. أنه استباح لنفسه هذا المركب حتى يتواصل من خلاله مع المتلقي بيسر وسهولة.. وربما كان له الحق في ذلك مع مراعاة أن كل من يخاطبهم ينبغي أن يتفاعلوا مع أسلوبه وتراكيب جمله وصوره وفق البيئة التي عاشها.. غير أن هذا اللون متى ما نقل من تربته فقد لا يزهر في تربة أخرى لاختلاف العادات والتقاليد والمفردات التي تسهم في تأطير الصور التي اختارها.. إنه أسلوب أو إن شئت سمه سلاحاً ذي حدين.. قد يطرب ((ابن الأرض)) وبطبيعة الحال سوف يؤثر في أحاسيس ومشاعر ((الآخر)) بطريقة مختلفة، ورد فعل ربما يتباطأ حد العدم.. وتلك إشكالية الإغراق في المحلية، التي يراها البعض مفتاحاً للعالمية.
وأحسب من المواقف الطريفة ما تعرضت له أبيات الشعر التي أطلق عليها (قناديل) على يدي مصحح صحيفة (عكاظ) التي نشر بها معظم نتاجه في 1395/96هـ، فقد كان المصحح يجتهد في القراءة، ويعدل النص وفق ما يراه مناسباً ومفهوماً بالنسبة لخلفيته الثقافية، الأمر الذي لم يعجب شاعرنا فقال مخاطباً المصحح:
قل للمصحح في عكاظ.. يا أخي
فَتِّح.. وراجِع ما تراه مُسطّرا
دي.. كلها.. يا ابن القريبة.. خمسة
من هذه الأبيات ليست أكثرا
إيش حالها لو أنها في حجمها
طالت كبوزك بين شغلك كشرا
قد نبه الجفري عليك أمامنا
كم مرة من دون مسك المَسْطَرا
كل الذي قرأ القناديل اشتكى..
أما أنا..
فسئمت هادي المصخرا !!
غير أن هذا الفن المحبب لدى الشاعر، والذي له كثير من عشاقه ومريديه بين المتلقين.. لم يشغل شاعرنا الكبير بالكلية عن التحليق بكل جدارة واقتدار، مرفرفاً بالجناح الآخر، جناح الفصحى التي أشاد بها حدائق ذات بهجة، أدخلت السرور، ولم يزل لها (أرج تحيا وتعيش به المهج).
وعندما لا تستوعب سوانح الشعر خواطر الشاعر المبدع، نراه يميل إلى النثر، خاصة التراث الأدبي الذي تذخر به أمهات الكتب، فينهل منها ويغوص في أعماقها، ثم يخرج على القارئ بأقصوصة أو حكاية ذات طابع فكاهي إلا أنها لا تخلو من مغزى يربط الماضي بالحاضر، منعكساً على واقع الحال، بطريقة بعيدة عن المواعظ المباشرة، أو التلقين والتكرار المملين.. فجاءت مجموعة كتاباته النثرية التي نشرها على صفحات ((عكاظ)) تحت عنوان (يوم ((ورا)) يوم) إضمامة من الورود المتنوعة، وكأنه جال خلال بساتين التراث وقطف من كل بستان زهرة، ورشف من كل نبع قطرة، ثم تمثل كل ذلك وأنجزه أدباً مختلفاً ألوانه، يسر الخاطر ويحلق بالوجدان في عوالم متنوعة، ولا يخلو من ابتسامة عريضة في كثير من الأحيان.. بالإضافة إلى ذلك كتب أديبنا الكبير بعض القصص التي استشف خطوطها من بيئته وطرزها بأبيات من الشعر الذي يجري بالسليقة على لسانه ويفرض نفسه في كثير من المواقف المناسبة.
والجدير بالذكر، أنه في الوقت الذي دخل فيه هذا العمل مراحل متقدمة في عملية الطباعة، حصلنا على رائعة من إبداعات شاعرنا الكبير بعنوان (الزهراء.. ملحمة إسلامية) ضمها ((المجلد الأول لبحوث المؤتمر الأول للأدباء السعوديين)) الذي عقد في مكة المكرمة تحت مظلة جامعة الملك عبدالعزيز في الفترة ما بين 1 ـ 5 ربيع الأول 1394هـ الموافق 24 ـ 28 مارس 1974م.. وقد جاءت هذه الملحمة (الهائية) في 1242 بيتاً (ألف ومائتين واثنين وأربعين بيتاً) تجمعها وحدة الموضوع، بالرغم من تشعبها في سبعة أقسام، وما تفرع عن كل قسم من عناوين جانبية قد تصل إلى ثمانية عشر عنواناً، وظلت متماسكة البنيان، قوية السبك، جياشة المعاني، تطوف بالمتلقي من العصر الجاهلي، وصدر الإسلام، وأحداثه الجسام، ومعالم السيرة النبوية، مروراً بتأسيس المملكة العربية السعودية، ثم ينثني على السيرة النبوية العطرة مستلهماً مآثرها الخالدة، ليخلدها بدوره درراً يشرق بها الشعر، وتهدهد الوجدان، وكلها بلغة عالية تختلف جذرياً عن السائد في القصائد ((الشعبية)) التي أشتهر بها شاعرنا الكبير ((رحمه الله)).. كما أعقب كل قسم تعليقاً بعنوان (بيان بعض الكلمات والشروح لمن قد يحتاج إليها)، وأحسب أن من يتأملها يجد فيها الكثير من الفوائد بجانب شروحات اللغة، فهي مليئة بإيماءات تاريخية، ولمحات مهمة، لا تخفى على فطنة القارئ.
لقد استغرق هذا العمل الكثير من الوقت والجهد، لا سيما أن معظمه لم ينشر من قبل، والذي نشر كان في أرشيف الصحف، وجريدة (عكاظ) على وجه التحديد، ويطيب لي أن أزجي الشكر والتقدير لإدارة ومنسوبي هذه الصحيفة الرائدة، والشكر موصول للأساتذة الأفاضل ورثة شاعرنا الكبير على تعاونهم المبرور الأمر الذي أدى إلى ظهور هذا العمل بالصورة التي بين أيديكم.
وإنه لمن دواعي سروري أن تأتي الأعمال الكاملة لأديبنا وشاعرنا أحمد قنديل في مناسبة اختيار مكة المكرمة عاصمة للثقافة الإسلامية لعام 1426هـ/2005م.. إسهاماً متواضعاً مع بقية الإصدارات التي أكرمنا بها الله بهذه المناسبة التي هي أهل لكل جميل ونفيس.
والله الموفق.. وهو من وراء القصد.
جدة: شعبان 1426 ـ سبتمر 2005م
 
طباعة

تعليق

 القراءات :2851  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 3 من 207
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور معراج نواب مرزا

المؤرخ والجغرافي والباحث التراثي المعروف.