|
أَنَا ما عرفْتُك من قريبٍ بل عرفْتُك من بَعيد
|
|
وكبُرْتَ في الأَمْداءِ وحْدَك مذْ كَبِرْتَ عن المُهُود
|
|
وتوزَّعتْ بِلِدَاتِك الآرَابُ في الوطنِ العَتِيد
|
|
ومضَيْتَ كالفَلاَّح تَحْرثُ ثم تَغْرسُ مِنْ جَدِيد
|
|
وخطَوْتَ كالجُنْديِّ يمشي الهَيْدبى خَلْف البُنُود
|
|
عِفْتَ الصَّدارة حِين ذابَتْ في النُّحُور وفي النُّهُود
|
|
ورضيت بِالشَّفَرِ الحَمِّى وليس بالشفر البُرُود
|
|
وتَُضِيءُ حامِية الثُّغور على المَدَى خَلْف السُّدُود
|
|
أَمجادُهَا سِيَّان فوْق الأرْض أَو بَطْنُ اللُّحُود
|
|
والنورُ يَخْتَرِق الحدود ولاَ يَطيقُ هَوَى الحُدُود
|
|
للموت خاطِرَةٌ تَؤُزُّ أَزِيزَ طائِرة الحديد
|
|
نقَّالة الذِّكْرى مِن الأَمَل الطَّرِيف إِلى التَّلِيد
|
|
تَنْداح خَالِدة المآثِر حِين تَزْلِف للخُلود
|
|
ودمُ الأَبِيِّ الحرِّ يأْلِقُ عِرْقُه كَدَم الشَّهِيد
|
|
نَسَقٌ نَهَجْتَ بِه إِلى العَلْياءِ للهَدفِ السَّديد
|
|
لكنه النَّهْجُ الوحيد يَلِيق بالأَمَل الوَحِيد
|
|
ولقد عَيِينَا بالطرَائق في المُراد وفي المُرِيد
|
|
لا تُوهِمّنَّا بالرَّحيل فأَنْت في أَوْج الصُّعود
|
|
فِيمَا رسَمْت وما بَنَيت وما سَنَبْني مِنْ بَعيد
|
|
فَلَكَمْ تَوارى الليْث يَهْوَي سمعُهُ زأْرَ الأُسُود
|
|
والوُرْقُ تَطْرَبُ للصَّدى مِنْها وتَفرَح بالنَّشِيد
|
|
الموتُ أَنطَقُ بالحَياةِ وسِرُّ جَوْهَرها الفَرِيد
|
|
ولَكَمْ يعيش الموت أَعماقَ الغَبَاوة في البَلِيد
|
|
ويعيش في حِقْد الحَقُود لِكَتْم أَنْفَاس الحَقُود
|
|
ويعيش في الجَاهِ المقَنَّع باللآمَة والكُنُود
|
|
في الرِّمِّة الشوْهاءِ تعْجز عن مُعاشَرة القُرود
|
|
في الرَّاقِصين على الحَرير الواطِئِين على الخُدُود
|
|
الْمُسْبِلِينَ إِزَار أَحْرارٍ على بَدَنِ العَبِيد
|
|
في الحَائِكين الزُّوْرَ والبُهْتَان في أَحْلى البُرُود
|
|
في السَّاهِرين وصَحْوُهم يَنْحَطُّ عن صَحْو الرُّقُود
|
|
في القَابِضِين الجَمْرَ يَحْرِقُهم ويَنْفُذُ للجُلُود
|
|
حَسِبوه ذُخْرَ حياتِهم والمجد في البَذْلِ المَجِيد
|
|
صَدَقَ الخَليل أَبُو خَلِيل في الغِيَابِ وفي الشُّهُود
|
|
مُذْ قَال إِنَّك في شَبابِ بِلادِنَا بَيْتُ القَصِيد
|
|
أَيَّام صنَّفْنَا الكَفَاءَة منْ قَريب أَوْ بَعيد
|
|
بالجُهْدِ بالعَرَق المُشْعْشع لا بِأَعْراق الجُدود
|
|
سِرُّ الفَراسةِ لا يَخِيب وصِدْقُها صِدْقُ العُهُود
|
|
عِشْ فَوْقَ مَا تَهْوى فَمَا الفِرْدَوس إِلاَّ للنَّجِيد
|
|
وصِلِ الحَياة وزِدْ فأَنْت اليوم أَجْدَرُ بِالمَزِيد
|