ندوة الأساتذة والطلاب (1) |
عن مشوار محمد فدا وإنجازاته |
ـ دعا المستشار القانوني والمحامي/الأديب الأستاذ محمد سعيد طيب، إلى ندوة يلتئم فيها بعض أساتذة الثغر ومن قبلها المدرسة الرحمانية والطلاب الذين تتلمذوا على منهج وثقافة ورؤية المربي الكبير/ محمد عبد الصمد فدا.. في حوار زاد على ثلاث ساعات. |
وكان من ضمن المشاركين: الأستاذ المعلم ((حسن أشعري)) أحد المعلمين آنذاك.. والطلبة: محمد سعيد طيب، محمد صالح باخطمه، الدكتور سليمان توفيق، المهندس عصام عبد الإله كشميري، المهندس زهير مسعود، نبيل سندي، الدكتور سعود سجيني، الدكتور عصام قدس، السيد عمر الحسيني، طلال الضليمي، عدنان طباع، الأستاذ المعلم/سليمان فدا، ومشاركة الدكتور عبد الله مناع. |
فكانت هذه الندوة الحافلة بالمعلومة عن شخصية المربي الكبير/محمد فدا، وبالذكريات، وبصور رائعة من أسلوب التربية الحديثة: |
* * * |
ـ محمد سعيد طيب: (يا سادتي)، زميلكم الأستاذ السيد/عبد الله الجفري فاجأنا مفاجأة جميلة أنه يعتزم إصدار كتاب عن الفقيد الأستاذ المربي العظيم (محمد فدا)، والحقيقة أننا سعدنا بهذا الخبر واتفقنا على أن لا بد من تعاوننا في هذا الموضوع كل بما يستطيع وكل بما لديه، وبما أننا (بشكة الرحمانية) مجتمعون بطبيعة الحال، فلم لا نضيف لنا نفراً أو اثنين من زملائه وأصدقائه الحميمين، كما نضيف اثنين أو ثلاثة من طلبته فيما بعد في مدارس الثغر النموذجية، كما ندعو في البدء شقيقه الذي لا تفرق بينهما إلا سنة واحدة في العمر (وبعد أخذ رأي الأستاذ سليمان فإن الفرق بينهما سنتان) كما رأينا أن نستفيد من وجود الأخ سليمان، لأن الأخ سليمان عاصره في صباه وعاصره كموظف معه في مدارس الثغر إلى أن توفاه الله. ونبدأ بالسيد عبدالله حتى تتضح لنا الأمور. |
ـ عبد الله الجفري: أولاً أنا عاجز عن الشكر والامتنان لإخواني وزملائي ورفقاء العمر لأنهم تفضلوا ولبوا دعوة (أبو الشيماء)، والواقع أن أبا الشيماء كان أكثر المتحمسين بعد نشر المقال.. فالأستاذ (محمد فدا) رمز كبير وعظيم ويكفي أنه أنتج جيلاً مميزاً بالثقافة، وبالنضج، وبالأفكار الجديدة وهذا لا ننساه للأستاذ (محمد فدا) رحمة الله عليه، فهو الرجل الذي صاغنا فكرياً وإنسانياً أيضاً فلا أقل من أن تخطر فكرة من أحد تلامذته أو أبنائه في مجال جهد المقل أن يصدر كتاباً عن مشوار وتاريخ وفكر وشخصية هذا المربي العظيم مجملاً، أنا لا أستطيع أن أكون في مجال الشرح أو ما هو مطلوب للكتاب، فكلكم فيكم أساتذتي وفيكم زملائي وفيكم الكتَّاب والمبدعون، ويهيأ لي أنه إذا أردنا أن ننظم العملية أو ننسقها فكل منا يتحدث عن جانب من شخصية الأستاذ (محمد فدا) يرحمه الله، وبذلك تستكمل الحلقات فيما بعد في نهاية هذه الجلسة، كل في الجانب الذي يحسه ويعرفه أنه كان أكثر التصاقاً بالأستاذ محمد وأكثر إصغاء لأفكاره ومعرفة بهذه الأفكار.. وأريد أن أضيف نقطة: بأنه من يملك أي ورقة، أي صورة، أي خطاب، أي توجيه بخط الأستاذ محمد فدا يتفضل مشكوراً بإعطائي إياه لأتمكن من تصويره وإعادته له، وشكراً لكم. |
ـ محمد صالح باخطمة: إذا أردت أن أتحدث عن الأستاذ محمد فدا رحمة الله عليه فأقول أولاً: إنه أول من طبق مبدأ التربية والتعليم في المدارس قبل أن ينفذ بعد ثلاثة وأربعين عاماً.. كانت المدرسة خليطاً بين طلبة مرفهين وطلبة غير مرفهين ومن أوساط مختلفة، وكان فيهم من يلبس الثوب الرمادي والأزرق والأبيض، ومن يأتي (بشبشب)، فأول ما طبق رحمه الله توحيد الزي بأن يأتي الطلبة بثياب بيضاء حتى يميزوا عن طلبة سائر المدارس الأخرى. ثانياً: أنه أحدث طفرة في تثقيف وتربية طلابه فأوجد في كل فصل مكتبة مدرسية. ثالثاً: أنه أول من بدأ بالنشاط المدرسي اللامنهجي فكانت المدرسة الرحمانية السابقة في المسامرات الأدبية الأسبوعية وفي جماعات النشاط المدرسي في سائر النشاطات غير المنهجية، رابعاً: كان أول من أصدر صحيفة حائط مدرسية وكانت المدرسة الرحمانية سبّاقة في هذا. خامساً: ابتداعه للحفل الختامي السنوي والذي كان عيداً من أعياد مكة المكرمة يأتي إليه الكتاب والأدباء والمثقفون وكان الحفل يسجل ويذاع من قبل الإذاعة السعودية. سادساً: كان أول من فكر في يوم المعرض وهو المعرض المدرسي الذي ينتشر بكل نشاطات الجمعيات المدرسية. سابعاً: أنه لم يغفل الاهتمام بالطالب فقد كان منذ أول عام له في المدرسة يرسل خطاباً مع الشهادة المدرسية لولي الأمر وخطاباً للطالب ـ عندي نسخة منه ـ يقول فيه إن الإجازة المدرسية ليست للراحة والاسترخاء لكنها لمزيد من الثقافة وتقوية المعلومات والانصهار مع المجتمع وهذه هي التربية بجانب التعليم، فقد سبق بثلاثة وأربعين عاماً غيره حين أنشئت وزارة التربية والتعليم، وأضيف إلى هذا: أنه كان في الإجازة المدرسية يذهب بنفسه إلى دولة مصر ويختار بنفسه أكفأ الأساتذة في التربية والتعليم وفي الثقافة والأخلاق. |
ـ الدكتور/سعود سجيني: رحم الله الفقيد: فقد كان مربياً فاضلاً: والحقيقة أنه كان أول من علّمني الانضباط وذلك بعد موقف حصل لي معه ويتلخص في: أنني ذات مرة جئت إلى المدرسة متأخراً خمس دقائق وإذا بالأستاذ محمد فدا يقف عند الباب: وعندما رآني قال لي: إلى أين أنت ذاهب؟! فقلت له: داخل المدرسة، فردّ قائلاً: لا.. لا.. إذهب من حيث أتيت وأتني بولي أمرك، فذهبت ولا أستطيع أن أحضر ولي أمري، فوسطت لديه من وسطت حتى رضي أن أدخل المدرسة، وفي اليوم الثاني قابلته فنظر إلي وقال: أنا لم أسمح لك يوم أمس بالدخول لأجل من توسط في الموضوع ولكن كان غرضي فقط أن أعلمك الأدب واحترام المواعيد والانضباط مع العلم أنني أرى أنه يمكنك أن تكون أفضل حالاً ولمعرفتي بأهلك ومعزتي لهم فإن هذه هي المرة الأولى والأخيرة، ومنذ ذلك الحين وأنا أقدر الرجل وأحترمه وأجلُّه رحمة الله على الفقيد. |
ـ الكشميري: أنا أعتبر أصغر من عاصر الأستاذ محمد فدا في الرحمانية، ولم أكن أتوقع أن أجتمع في مثل هذا المجلس لأتكلم عن محمد فدا الذي كان بالنسبة إلينا أسطورة في أيامه.. أنا لم أعاشره فترة طويلة حيث كنت معه في آخر سنة له في الرحمانية الثانوية ثم أنتقل هو بعدها إلى العزيزية الثانوية، ومرت السنون ثم انتقلت أنا إلى العزيزية الثانوية واستمر معنا هناك من أربعة أشهر إلى ستة، ثم انتقل إلى مدينة الطائف، لكني أذكر قصة حدثت لي معه حين كنت في الصف الأول متوسط وهذه القصة لا تغيب عن بالي وتتلخص فيما يلي: كان هناك نظام بأن الطالب إذا أخرج من الفصل كعقاب له خلال الحصة الأخيرة فإنه يخرج من المدرسة أيضاً في ذلك اليوم، وكان الأستاذ محمد فدا ـ رحمه الله ـ يخرج قبل الانصراف ويمشي من (الشبيكة) وهو ساكن في (أجياد) مع مجموعة من الأساتذة. وفي يوم من الأيام حدثت لي مشكلة في الحصة الأخيرة وأخرجني الأستاذ مع مجموعة طلبة وذهبنا إلى الأستاذ/عبد العزيز فطاني وقلنا له إننا عوقبنا ونريد الخروج فأخرجنا قبل الصرفة، ولسوء حظي فقد كنت ماشياً في السوق الصغير حاملاً حقيبتي المدرسية وإذا بالأستاذ (محمد فدا) يمشي مع مجموعة الأساتذة الآخرين يشترون الفاكهة والعيش، وعندما لمحته تجمدت في مكاني وقررت أن أسلك الطريق الآخر حتى لا يراني وعندما عبرت السوق الصغير من الطرف إلى الطرف الآخر وإذا بي أسمع ذلك الصوت ينادي بحدة: يا كشميري. فوقفت مكاني وتلقائياً ذهبت إليه وقلت: نعم. فقال: (إيش خرجك). فقلت مرتبكاً: (طلعوني من الحصة) ولا أذكر كيف فسرت له خروجي وقتها، فهزّ رأسه وقال لي: (روح). ويومها لم أنم وأنا أفكر في ما سوف يحدث في اليوم التالي. وبالفعل في اليوم التالي طلبني وسأل عماذا فعلت ومع من ولم وأعطاني ما فيه الكفاية من تأنيب ومن نصح، ومنذ ذلك اليوم وأنا لم أنس ذلك الموقف فقد أحسست بأنني مراقب ليس في المدرسة فحسب، بل في الشارع أيضاً ولم أنس صوته وهو يصرخ علي منادياً يومها. رحمة الله عليه وأسكنه فسيح جناته. |
ـ زهير مسعود: إن المرء في حاجة إلى وقت ليتذكر ما قد حصل، لكنني أذكر في الوقت الحاضر ثلاثة مواقف، وبالإضافة إلى ما ذكره الأستاذ/محمد صالح باخطمة فقد كانت للأستاذ (محمد فدا) اهتمامات، وقبل أن أذكرها أريد أن أوضح أن صلة صداقة بينه وبين الوالد كانت تربطنا به رحمة الله عليهم أجمعين، فكان هناك نوع من الصداقة والمعرفة ففي عطلات الصيف كان يشجعنا على أن نذهب في رحلات جماعية إلى الطائف لوادي محرم أو إلى الهدا وهو يجلس معنا ليلة أو ليلتين فكان الأهل طوال الليل يسهرون في غناء وطبل وهو لا يستطيع النوم فكان ينتظرهم حتى يذهبوا للنوم قبل الفجر بقليل وبعد الفجر يوقظ كل من ساهم في إزعاجه طوال الليل ويقول لهم: (قومو افطروا) فكان يتحلى بروح الدعابة وروح المرح بالإضافة إلى الانضباط التربوي لديه، وأذكر له موقفاً يوضح انضباطه في المدرسة حين كنا في المدرسة الرحمانية في (الشبيكة) قبل أن ننتقل إلى العزيزية حيث كنت مع زميل لي وهو الأخ/رشدي عبد الجبار ويعمل حالياً في وزارة الخارجية وهو شخص مرح ولطيف، فكان هناك مفتاح من مفاتيح النور في صالة (الدرج) والمفتاح محلول قليلاً والأخ رشدي يلعب به محاولاً نزعه في الوقت الذي صادف مرور الأستاذ (محمد فدا) فنظر إليه قائلاً: (يا ولدي هادا لو كان في بيت أبوك كان لفيتو بمنديل، قاعد تلعب فيه؟! ثبتو محلو). وبالنسبة إلي أنا فقد كان لي معه موقف شخصي وأنا أعتبره جميلاً أحفظه له ولا أنساه إطلاقاً، بعد أن فرغنا من الدراسة الثانوية كانت هناك بعثات ـ أغلبها إلى دولة مصر ـ وسنة تخرّج دفعتنا تم توزيع الطلبة على مجموعتين المجموعة الأولى ابتعث طلبتها إلى الجامعة الأمريكية في بيروت، والمجموعة الثانية والأكبر ابتعث طلبتها إلى جامعة القاهرة في مصر وأنا كنت ضمن المجموعة الأولى المبتعثة إلى بيروت، وأردت أنا والأخ فخري عزي ـ رحمه الله ـ والأخ حسني صباغ أن نكمل دراستنا في القاهرة فأكملنا السنة الأولى ثم ذهبنا إلى القاهرة وهو ما حرمنا من البعثة فدرسنا سنتين على حسابنا وكان الأستاذ (محمد فدا) يعقب على الموضوع حتى ضمنا إلى البعثة في السنة الثالثة مرة أخرى. |
ـ د. عصام قدس: كان أكثر احتكاكي بالأستاذ/ محمد فدا أثناء الجمعيات العلمية، فكنت أنا والأستاذ/فيصل سجيني ـ رحمه الله ـ، ورشاد شاولي، ولطفي جوانا، وعبدالله شعباوي، وصالح الخويطر وأخوة وزملاء آخرين لا تحضرني أسماؤهم الآن، وكان هناك معرض عن البترول في حين أننا لم نكن نعلم عن البترول شيئاً، فكان الأستاذ (محمد فدا) يقوم بتوزيعنا إلى مجموعات: مجموعة للنجارة، ومجموعة للدهان، ومجموعة لرسم الصور البترولية.. وكان معنا الدكتور/سعود سجيني الذي كان سيقوم بإلقاء محاضرة عن البترول ومعه أحد الزملاء لا أذكر اسمه في الوقت الحاضر، وكنا نقوم بتحضير كل ذلك وإعداده في مدرسة العزيزية التي كان موقعها في (المعلاة)، وكان الأستاذ (محمد فدا) يستمر معنا إلى الليل محضراً معه (السمبوسك والمطبق) كي نصنع برج البترول، وكان يقوم بتدريبنا على (الفانوس السحري) فنضع محاضرة الدكتور/سعود على الفانوس تمهيداً لعرضها على الجمهور بطريقة الشرائح على الفانوس السحري، وكان يشجعنا كثيراً. كما كان معنا الدكتور/صافي جفري ـ رحمه الله ـ بحكم موهبته في الرسم حيث كان هو من يخرج مجلة (الطليعة) وهو الذي يقوم برسم محتوياتها وكان صاحب خط جميل أيضاً، وكانت لدى الأخ عبد الله شعباوي هواية النجارة، ولمّا كان يقوم بصنع برج البترول فينبهه الأستاذ (محمد فدا) إلى أمور يجب عملها فيغضب الشعباوي ويرفض العمل فيقوم ـ رحمه الله ـ بمداعبته بلطافة وظرف، بالإضافة إلى ذلك كانت هناك مسامرات أدبية وكنت أنا والزميل فيصل سجيني نقدم لقطات تمثيلية بعنوان (يعجبني ولايعجبني)، وكان أساتذتنا حينها: الأستاذ/حسن أشعري، والأستاذ/محمد الشبل، والأستاذ/الكتبي، وفي تلك الفترة أراد الأخ/فيصل أن يكون موضوع التمثيلية (يعجبني في الأستاذ محمد فدا نظافته وأناقته) وذلك حيث كان يأتي كل يوم صباحاً وهو مغتسل، لكن الأخ/فيصل كان خائفاً من الأستاذ/محمد فدا، فأشرت له بأن نسأل الأستاذ/حسن أشعري ونأخذ رأيه فأجاب: بأنه على العكس فإن الأستاذ (محمد فدا) رجل متفتح ولا يغضب فلم لا، فكنا نقدم التمثيليات على كل أستاذ ولم يكن يغضب بل كان فرحاً متجاوباً معنا مشجعاً لنا على الدوام. ومن المسرحيات التي لا تغيب عن مخيلتي مسرحية: (عمر بن عبد العزيز) التي قمنا بتمثيلها على مسرح مدرسة (الفلاح) الواقعة في (الشبيكة) فكان الأستاذ (محمد فدا) معنا باستمرار، وكان معنا أستاذ رسم ساعدنا كثيراً في شخصياتنا حيث كان يقوم بعمل (الماكيير) في الوقت الحاضر، وكان الدكتور/سعود سجيني يقوم بدور عمر بن عبدالعزيز. وكانت تلك المسرحية هي إحدى المسرحيات (الخطيرة) في ذلك الزمان ونقلتها الإذاعة ثم سمع بها الأمير/فهد بن عبد العزيز (كان وزيراً للتعليم حينها) وطلب إعادتها مرة أخرى وأعدناها مرة أخرى وقدمت لنا جوائز على ذلك. وأذكر موقفاً حدث لي مع الأستاذ (محمد فدا) يومها حيث كنت ـ في المسرحية ـ أدخل على أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز وأقول له: طلبت من حرسك الإذن فأذنوا لي، فيقول لي: هل العلماء في حاجة إلى استئذان؟! إن باب الخليفة مفتوح لهم على الدوام والخليفة في حاجة إليهم للنصح والإرشاد والتوجيه، فأنا نسيت جملة (النصح والإرشاد والتوجيه) وبعد نهاية عرض المسرحية بدأ الأستاذ محمد يؤنبني على نسياني تلك الجملة أمام الأمير/فهد، كما أذكر له أننا ذهبنا للسلام على الملك/سعود ـ رحمه الله ـ فقال لنا الأستاذ (محمد فدا) ناصحاً: |
ـ عليكم الاكتفاء بالمصافحة. |
وأذكر في فترة من الفترات حين كنت في الصف الثاني ثانوي أن والدتي مرضت بمرض الوسواس وكنت حريصاً جداً على مساعدتها ورعايتها، وقد أثر ذلك على أدائي لواجباتي المدرسية وخصوصاً التمارين الرياضية فاستدعاني ـ رحمه الله ـ ذات يوم وقال لي: ما سبب تقصيرك في أداء واجباتك؟! فحاولت التبرير دون ذكر السبب الحقيقي، لكنه لم يقتنع فسألني هل لديك مشكلة؟ هل تلعب؟ هل تسهر؟ فقلت له الحقيقة، فأراد أن يتأكد فاستدعى والدي وسأله فقال له الوالد إن ذلك صحيح، وأذكر أنه ـ رحمه الله ـ دائم التشجيع لنا بارتداء ملابس الرياضة حيث كان الطالب في بداية الأمر يخجل من أن يلبس لباس الرياضة القصير ويأتي مرتدياً (السروال الطويل) فيسأله الأستاذ (محمد فدا) عن السبب فيقول له إن هذه رياضة وليس فيها ما يخجل.. لقد أوجد الأستاذ (محمد فدا) روحاً رياضية في المدرسة وروحاً ثقافية بالإضافة إلى المكتبة التي قام بإنشائها في مدرسة العزيزية الواقعة في (الزاهر) والتي كانت تضم كتباً باللغة الإنجليزية لأول مرة، ما أتاح لنا قراءتها والاستفادة منها، وأذكر أنه كان يسأل الطلبة عن طموحاتهم فسألني ذات يوم فقلت له: أريد أن أنضم إلى الجيش، فقال: (جيش إيه، أنت تلبس نضارة ولا حيقبلوك في الجيش، لكن شكلك دكتور تقدر تطلع دكتور). |
وهناك نقطة أحب أن أنوّه عنها.. فقد اختار الأستاذ/محمد فدا مجموعة من الأساتذة أمثال (حسن أشعري، ومحمد الشبل، والأستاذ/كتبي) ولكن كان أول من أنار عقولنا هو الأستاذ/حسن أشعري الذي كنا نختلف إلى مقعده في (القشاشية) وفي تلك الأيام كانت الأحداث تدور في خضم القومية العربية، ولم نكن نعرف أياً من أمور السياسة حتى نجلس عنده في (المقعد) إلى آخر الليل أنا والدكتور/سعود سجيني، والسيد/عبد الله الجفري، والأستاذ/محمد صالح باخطمة، والأستاذ/محمد سعيد طيب.. فكنا نوجه للأستاذ/حسن الأسئلة التي لا يضن بالإجابة لنا عنها لتوضيح كل الأمور، وكان يقول لنا دائماً أن لا نشغل بالنا إلاّ في القراءة حيث إننا سنعرف كل ذلك في وقته فأنا لا أنكر أن ذهننا لم يتفتح إلاّ بتلك الجلسات العظيمة من التوجيه والإرشاد وتنوير الأفكار من قبل الأستاذ/حسن أشعري جزاه الله كل خير. |
ـ زهير مسعود: الأفضل الآن أن نحترم ونقدر أيضاً من هم على قيد الحياة فلا ننتظر (كعادة مجتمعاتنا) إلى أن يتوفاهم الله ثم نجتمع مرة أخرى لنقوم بتكريمهم، لا أحد يتكلم عن الأستاذ (محمد فدا) إلاّ ويتكلّم عن الأستاذ/حسن أشعري فأنا أدعو الأستاذ/محمد سعيد طيب أن يتيح لنا الفرصة لتكريم (حسن أشعري) وهو بيننا قبل أن يغيب أحدنا. صحيح أننا مجتمعون لتكريم وتأبين الأستاذ (محمد فدا) ـ رحمه الله ـ والحقيقة أن القاسم المشترك بين الأستاذ (محمد فدا) وطلبة (الرحمانية) هو الأستاذ/حسن أشعري، أنا شخصياً من الذين رباهم وأنشأهم الأستاذ/حسن أشعري، وأذكر موقفاً فاجأنا به الأستاذ/حسن، في الصف الأول متوسط، كنت دائماً أشترك مع الأستاذ/حسن أشعري والأستاذ/محمد الشبل في النشاط الإذاعي ومع الأستاذ/قاسم فلمبان في (ركن المنزل) كما كان يسمى. (مقاطعة من المتحدث (7)). |
ـ أحد المتحدثين: في الحقيقة أحب أن أنوّه أن اليوم مخصص للحديث عن الأستاذ (محمد فدا) رحمه الله، فالرجاء من الأخوة الزملاء اقتصار الحديث عنه فقط وسيكون لغيره نصيب في مناسبات أخرى إن شاء الله. |
ـ زهير مسعود: الحقيقة أنني حضرت الأستاذ (محمد فدا) فترة قصيرة جداً كانت في مدارس (الثغر) في الصف الأول متوسط، وبالنسبة إلي فإن الأستاذ (محمد فدا) مرتبط بالأستاذ/محمد سعيد طيب، كما كانت هناك علاقة تجمع الوالد بالأستاذ (محمد فدا) وقد كنت في سن لا تسمح لي بتقييم علاقتهما بالشكل الصحيح لكني وجدت صورة عند الوالد للأستاذ (محمد فدا) مكتوب خلفها أنها أخذت قبل وفاته، كما كتب أيضاً كلام كثير في مدح الأستاذ (محمد فدا)، والحقيقة فإن الأستاذ (محمد فدا) كمربٍ وأستاذ أجيال لم نلحق به إلاّ لفترة بسيطة جداً وبصراحة أكثر فإن الأستاذ (محمد فدا) كان بالنسبة إلي (بعبع) فقد كنا نخاف منه خوفاً لا يوصف، وما أذكره حالياً أن الأستاذ (محمد فدا) كان يقوم بدور منظّم العلاقة بين الأستاذ والطالب فقد كان هناك احترام شديد من الطالب للأستاذ، احتراماً نفتقده كثيراً هذه الأيام. وقد حدثت لي أكثر من واقعة مع الأستاذ (محمد فدا) وكانت كلها مؤلمة لأنها كانت تنتهي بالضرب ولكن نذكرها. أذكر في امتحان الصف الأول متوسط للغة الإنجليزية وجاء الأستاذ/وليد وهو من وضع الأسئلة على ما يبدو وباعتبار أنني كنت أجلس في الصف الأول لقصر قامتي سألني: (كيف الأسئلة؟) فقلت له: (الأسئلة زي الزفت). فقال لي: (أنا اللي حطيت الأسئلة)، فقلت له: (برضها زي الزفت). فخرج الأستاذ/وليد من الصف وذهب إلى الأستاذ (محمد فدا) وبلغه بما حصل، وبالطبع فإن الأستاذ (محمد فدا) إذا حضر إلى الصف فهناك كارثة (لازم فيه مصيبة)، وجاء ووقف أمامي وقالي لي: (إنت تعالي بعد الاختبار)، وبالطبع عندما سمعت هذه الكلمات لم أستطع الإجابة عن أسئلة الامتحان وبعده ذهبت هارباً مسرعاً إلى البيت وقد كان ـ رحمه الله ـ على علاقة خاصة بالوالد فكلّم الوالد وقال له: (أبغي زهير يجيني)، وحكى له فيما يبدو القصة لأن الوالد كلّمني في البيت وأمرني بأن أذهب إلى المدرسة للأستاذ (محمد فدا) فادعيت المرض حتى لا أذهب فرجع وكرر ما أمرني به قائلاً: (الآن تقوم تروح المدرسة) فلم يكن لدي الخيار وعند وصولي إلى المدرسة كان الأستاذ/عبد الله أشعري، والأستاذ/وليد قبلاوي، والأستاذ (محمد فدا) في انتظاري وعندما رأيت تلك المحكمة منعقدة علمت أن المسألة فيها.. فسألني: هل قلت ما قال الأستاذ/وليد فقلت: نعم قلت ذلك، فلم يكلّمني ووجه كلامه مباشراً قائلاً: (يا صالح.. جيب الفلكة) وصالح ذلك كان ((الفراش)) والفلكة كانت إحرامه ويومها ضربت ضرباً لا عدّ له ولا حصر. |
والحادثة الأخرى هي: حين كان الأستاذ/محمد سعيد طيب مشرفاً علينا وكنا نتهرّب من الصلاة، كان الأستاذ/محمد سعيد طيب يمسكنا (يملص أدانينا) ويهددنا بتسجيل أسمائنا في دفتر سيقوم بتسليمه للأستاذ (محمد فدا). وحادثة أخرى أذكرها حين كنت ذات مرة في طابور الصباح وكان الأستاذ (محمد فدا) يحضر قبل الجميع فيشرف على الطابور، فطلب زملائي مني وأنا كنت أول الصف أن أقلّد الأستاذ (محمد فدا) فقلدته ولم أكن أعرف أنه خلفي، ورآني وأيضاً قال لي: (تعال إلى المكتب) وأيضاً استعان بصالح لتأديبي بالفلكة.. والحقيقة أنني كنت أعلم أنه كان صديقاً للوالد، وكل ما أستطيع قوله إنني لم أر أبي وهو يبكي إلاّ بعد وفاة الأستاذ (محمد فدا) فقد كانت علاقتهما قوية جداً، وأذكر ذات مرة أن أحد الأساتذة كان يمشي واضعاً يده على كتف أحد طلبة الثانوية فقام الأستاذ (محمد فدا) بفصل ذلك الأستاذ لأنه اعتبره متعدياً للحدود بين الطالب ومعلمه.. كما أذكر أن عند وفاة الأستاذ (محمد فدا) أحضر في تابوت وظل ذلك التابوت في المدرسة فترة طويلة حتى عندما تركنا المدرسة كان التابوت ما زال هناك، وأذكر أن الأستاذ (محمد فدا) كان يسكن خلف المدرسة وتلك المنطقة كانت محرمة على الطلبة وذلك لهيبة الأستاذ (محمد فدا). |
|