محمد سعيد خوجة |
|
* بقلم: أ.د. محمد بن سعد بن حسين
|
|
كنت تحدثت عن محمد سعيد عبد المقصود خوجة ـ رحمه الله ـ مرات في أكثر من مقام، إلى كوني قد ألفت عنه كتاباً، ومع ذلك فلا يزال الحديث عنه طرياً نافعاً يجد فيه الباحث من منافذ القول والاتيان بالجديد ما يغري بطرقه. ولم يكن هذا هو الدافع إلى هذا الحديث، وإن كان أصلح دافع. وإنما كان المملي لهذه الكلمات ما ذكره ابننا محمد العوين في مجلة اليمامة العدد 1180 بتاريخ 7/5/1412 هـ. |
فأما حديثه عن ثمرة الأثنينية فحديث حسن قد ذكر أني أومأت إلى شيء متصل به في حديثي مع صاحب الاثنينية الشيخ عبد المقصود خوجة، ذلك أن تلك الثمار من خير ما يجد فيه الباحثون عوناً لهم حين يحتاجون إلى النظر في سير أولئك الرجال الذين كرموا في تلك الاثنينية التي يشكر عليها صاحبها مرتين. |
الأولى: إقامة هذه الاثنينية التي لم يماثلها عمل ثقافي ـ على الأقل ـ فيما أعلم. |
والثانية: تفريغ مسجلات تلك الاثنينية ثم طبعها في عدة مجلدات صدر أولها بكل دلالات تلك الأمسيات من أحاديث وصور وتعليقات. ثم إن ابننا محمد العوين ذكر في كلمته تلك أن تراث محمد سعيد عبد المقصود خوجة لا يزال في حاجة إلى خدمة أوسع مشيراً في ذلك إلى الكتاب الذي كتبته عن الرجل، وذلك بقوله: |
((لم يدرس بعد دراسة وافية، وكانت المحاولة الأولى تلك التي قدمها أ.د. محمد بن سعد بن حسين حين جمع عدداً لا بأس به من مقالات محمد سعيد عبد المقصود وقدم له تقديماً مختصراً.. وننتظر بعد من يتولى جمع كل ما كتب ـ وهو كثير ـ ثم يدرس النص المقالي للكتاب في جانبيه الشكلي والموضوعي، والردود التي كتبت حوله)). |
والواقع أن هذا شيء جيد لكنه لم يغب عن ذهني عندما نشرت كتابي ((محمد سعيد عبد المقصود خوجة: حياته وآثاره))، فأنا أعلم تمام العلم بأن تراث الرجل في حاجة إلى مزيد من البحث والنظر، ولذا ذكرت ذلك في أكثر من مناسبة ونشر هذا القول في بعض الصحف مثل ((الندوة، و عكاظ، والرياض، والجزيرة))، وغيرها من الصحف والمجلات، وأكثر مادة الكتاب المبسوط معدة عندي لكني أطمح إلى أن أحصل على ما هو أكثر من ذلك. |
ومسألة أخرى ليس لنا بُدّ من ذكرها، وهي أن بعضاً من النصوص قد سقطت حينما أرسلت الكتاب إلى النشر مثل حديث محمد سعيد خوجة عن الطباعة وأحاديث أخرى عن الحرب العالمية، إلى كون ما قدمنا من مقالات في الكتاب الأول ما تزال في حاجة إلى مزيد من الدراسة والتحليل على الرغم مما قدمناه من تعليقات حسنة. |
وخلاصة القول: إن محمد سعيد عبد المقصود خوجة رائد مقدم في تاريخ نهضتنا الفكرية بعامة، وفي المجالات الاجتماعية منها بخاصة، وهو ميدان تميزت فيه جهوده تميزاً لم يكن لغيره من مزامنيه، إلى ما له من أسهم في جميع الميادين الفكرية التي طرقها أدباء زمانه. |
واهتمام محمد سعيد خوجة بالقضايا الاجتماعية لم يكن اهتماماً نظرياً وحسب، بل إن للتطبيق العملي من جهوده نصيباً كبيراً يتجلى ذلك في ندوة الحج، وعمله في المطابع، وانخراطه في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وما إلى ذلك كدعوته إلى مشروع القرش مثلاً، ومع ذلك فقد لقي من بعض مزامنيه عنتاً وصلفاً في التجني عليه، عفا الله عنا وعنهم جميعاً. |
أما ما ذكره ابننا الأديب الفاضل محمد العوين، فأطروحته العلمية التي نشرها بعنوان: ((المقالة في الأدب السعودي الحديث)) من 1343 ـ 1400هـ، وكنت المشرف عليها ـ فإن فيها ما هو موضع خلاف بيني وبينه إذ كانت له آراء لم ينقد فيها لرأيي الذي لم أحاول فرضه عليه لكون ما اختلفنا فيه مما يقبل تعدد الآراء وتباينها، وقد أشرت إلى شيء من ذلك في التقديم الذي صدرت به الأطروحة عند طبعها، بل وحين قدمت الباحث في مجلس المناقشة. |
ومن مواطن الخلاف بيني وبينه موقفه من محمد سعيد خوجة في مقالاته حيث رأى فيها غير ما أرى فلم أنازعه الأمر وإن أبديت له خطأه فيما ذهب إليه حيث رأى أنه دون ما ذكرت عنه. وحقيقة الأمر إني أعتز بالدارس الذي يعمل فكره وقلمه ثم يخرج برأي يقتنع به فيدفع عنه بالحجة والبرهان كما يراه الأصح أو الصحيح. |
وليس من حق أحد الزام الباحث بالعدول عن رأيه ما لزم المنهج العلمي، بل إن في المقدمة من مهماتنا مع الباحثين العمل علي ألا يكونوا صوراً مكررة منا، بل لابد من أن تكون لكل واحد منهم شخصيته المتميزة، ويعد حصولنا على هذه النتيجة ذروة نجاح عملنا معهم، ومن هنا يكون افتخارنا بهم، ونعدهم امتداداً لنا، إلى ما نستفيده من عملنا معهم لكون صواب الرأي ليس بوقف على أحدنا دون الآخر، فنحن معهم في أخذ وعطاء، ولو لم يكن من فوائد صحبتهم إلا أنها تذكرنا ما نسينا، وتنبهنا إلى ما غفلنا عنه لكان في ذلك فضل كبير. |
وشؤون مجالس العلم جديرة بوقفات لا تأتي عرضاً كما هو شأنها في حديثنا هذا، فلعل مناسبة أخرى تجر إلى شيء من ذلك أخيراً أود الاشارة إلى كلمة جرت على ألسن أكثر من واحد من اخواننا الطيبين وهو قولهم: ((إن ابن حسين إذا أثنى رفع، وإذا ذم وضع)). |
والواقع اننا نحاول أن نكون دعاة خير وصلاح، ولذا فنحن لا نرفع أحداً ولا نضعه، وإنما الذي يرفع المرء أو يضعه علمه و عمله وقلمه الذي هو بعض من عمله. |
وما نصرت نفسي إلا مع ذوي الأفهام، وما أكثر ما أعرضت عن ذوي الأقلام الجامحة غير الواعية وغير العاقلة، لا عن استصغار لها بل تنزهاً وترفعاً ((وما المرء إلا حيث يجعل نفسه))، لذا أكِل تلك الأقلام إلى باطن شعورها فأنا أعلم أنها تظهر غير ما تبطن، وكفى بسلوكها هذا شططاً. |
جريدة اليمامة العدد رقم 1183
|
الصادرة عن الأربعاء في الرياض
|
|
التاريخ 28/5/1412هـ، الموافق 4/12/1991م.
|
|
|