وحي الصحراء.. صفحة من الأدب العصري في الحجاز |
طبعة جديدة لكتاب يعرض تطور الثقافة السعودية خلال نصف قرن |
|
* بقلم: عبد العزيز التميمي
|
|
قليلة هي الكتب التي تؤرخ للأدب في المملكة العربية السعودية.. تتبع مساره، وتنقد النتاج والابداع الفكري.. سواء كان هذا الابداع شعراً أو نثراً وتحدد ملامحه وتطوره، وترصد حركته وما استجد فيه عبر السنين، وتشير إلى البارزين من الكتاب والشعراء وعشاق الحرف ومبدعي الكلمة. |
ومن المؤسف القول إن هذه الكتب رغم قلتها لا تكاد تغطي مساحة كافية من الأدب السعودي فهي تكاد تقصر على مناطق من المملكة العربية السعودية فنحن نقرأ مثلاً عن ((شعراء نجد المعاصرون)) للأستاذ عبد الله بن إدريس وشعراء الحجاز في العصر الحديث للأستاذ المرحوم عبد السلام الساسي و((قصة الأدب في الحجاز))، للأستاذ عبد الله عبد الجبار وكتب أخرى للأساتذة محمد سرور الصبان وإبراهيم الفلالي وهي أيضاً عن شعر الحجاز. وفي المنطقة الشرقية هناك كتاب ((الأدب في الخليج العربي))، للأستاذ عبد الرحمن عبد الكريم العبيد وهذه الكتب في مجملها ليست سوى نظرة سريعة لأدباء هذه المناطق ولا يلحظ القارىء لها تلك الدراسة المتأنية والرصد الشامل للحركة وتطورها.. والملفت للنظر حقاً أن معظم ما أُلّف حتى الآن من كتب تؤرخ للأدب السعودي قبل خمسين عاماً أي أن الحركة الأدبية السعودية الحاضرة الجديدة التي تلت سنة 1957م، وما استجد فيها من تيارات أدبية تحتاج إلى دراسة وتقص ورصد خصوصاً أن المملكة العربية السعودية خلال هذه الفترة قد مرت بمراحل تطور ضخمة شاملة.. ظهر خلالها إنتاج أدبي غزير وأُنشئت الجامعات وظهر الأدب النسائي وانتشر الشعر الحر.. وبرزت القصة القصيرة وهذا كان يستدعي كُتباً تؤرخ وتنقد وتدرس هذا التطور الفكري العظيم وتُعرِّف به. |
أسوق هذه المقدمة وبين يدي طبعة جديدة لكتاب يُعد بحق أحد أهم المصادر الرائدة التي تتناول بواكير النهضة الأدبية والفكرية في السعودية حيث يسجل الكتاب لفترة هامة من تاريخ الأدب السعودي شارك في صنع أحداثها أدباء كبار لا يزال البعض منهم على قيد الحياة.. وانتقل البعض منهم إلى رحمة البارىء عزوجل مخلفاً وراءه عطاءً فكرياً وأدبياً جيداً. |
والكتاب عنوانه ((وحي الصحراء))، صفحة من الأدب العصري في الحجاز جمعه محمد سعيد عبد المقصود وعبد الله عمر بلخير وأصدرته مؤسسة تهامة ضمن سلسلتها الناجحة الكتاب العربي السعودي والمؤلفان لهذا الكتاب يُعدان من أبرز رجالات الأدب الذين ساهموا بقدر وافر من عطائهم في الأدب السعودي. |
أما الكتاب فهو بحق جهد رائع وإنجاز عظيم ذلك أنه يضم بين دفتيه قدراً كبيراً من النتاج الأدبي الذي يكاد يكون في حكم الضائع والمفقود لا يستطيع الباحثون والدارسون لتطور الأدب السعودي أن يجدوها بعد أن تناثر هذا النتاج في بطون الصحف أو قصاصات الأوراق وبالتالي يضيع جانب غال من جوانب النهضة الأدبية السعودية الحديثة وقد كتب الأستاذ الدكتور محمد حسين هيكل مقدمة رائعة ومستفيضة ووافية للكتاب استعرض من خلالها تأثر الأدب في الحجاز بالأدب في مصر وسوريا والعراق في الأسلوب وطرائق التفكير والتعبير وقد جاء هذا التأثر من جراء ولع واطلاع أدباء الحجاز على جميع الآثار الأدبية التي تظهر في تلك البلاد. |
كما يتحدث الأستاذ الدكتور محمد حسين هيكل عن أثر البيئة الطبيعية في شعر ونثر أدباء الحجاز فيقول: ((ولعل أثر البيئة والطبيعة أكثر وضوحاً في شعر أدباء الحجاز منه في نثرهم، فأكثر النثر في الاصلاح الاجتماعي وقلما يتصل الاصلاح بالبيئة))، ((أما الشعر الحجازي فينم عن هذه البيئة التي أنبتت الأقدمين ولئن كان الكثير منه متأثراً بحاجات الوقت لتجدن بعضه ينسج على منوال الأقدمين في جزالة لفظية ورقة معناه وتأثره بوحي البادية وعيشتها)).. كما يكتب الأستاذ محمد سعيد عبد المقصود أحد مؤلفي الكتاب تمهيداً وافياً تناول فيه الأدب الحجازي عبر التاريخ القديم والحديث ابتداء بالعصر الجاهلي ومروراً بالعصر الإسلامي الأول ودولة بني أمية ودولة بني العباس ومن نهاية الدولة العثمانية وظهور الدولة السعودية وقد استعرض الأستاذ عبد المقصود الأدوار المهمة التي مر بها الأدب الحجازي والحركة العلمية وظهور علماء جعلوا من مكة المكرمة والمدينة المنورة مركزاً للثقافة الإسلامية يفد إليها طلاب العلم والدين والثقافة. |
ثم يعرج الكتاب على الأحداث التي توالت على الحجاز وأثّرت في مسيرته وأضعفته وأضعفت بالتالي أدبه وفكره. |
وحتى لا نسترسل في الحديث عن هذا التمهيد الرائع والدراسة التاريخية التي كتبها الأستاذ عبد المقصود لابد أن نعرج وبسرعة على ما نشر في الكتاب من دراسات موجزة لأكثر من عشرين أديباً وشاعراً سعودياً تميز كل واحد منهم بصفة قائمة بذاتها ولتجتمع هذه الصفات فتكون صورة رائعة الجوانب للأدب العربي السعودي. |
وأنت من خلال قراءتك لهذا الكتاب سوف تنتقل في حديقة وارفة الظلال تقطف من ثمرها ما يجعلك تحكم على تطور ونضوج الأدب السعودي في الأسلوب والمواضيع والاتجاهات والمعاني والألفاظ، كما ستجد أيضاً آثار التقليد لمدارس الأدب العربي الحديث وشخصيات أدبية عظيمة رائدة أمثال العقاد والرافعي وطه حسين وجبران والرصافي وغيرهم من الكتاب والشعراء الذين أثروا المكتبة العربية وأضافوا إليها ذخائر رائعة من الكتب والمؤلفات. |
وبعد فإن ضيق المجال يمنعنا من الاستفاضة في الحديث عن كل واحد من الشعراء والكُتاب الذين ضمهم هذا المرجع الضخم.. لأن كل واحد منهم يحتاج إلي دراسة وافية.. ويكفي أن يكون من بينهم رواد أفذاذ أمثال أحمد إبراهيم الغزاوي شاعر الحجاز الأول وأحمد السباعي وحسين سرحان وعبد القدوس الأنصاري، وأحمد قنديل ومحمد حسن فقي.. وغيرهم من الأدباء الذين ساهموا بعطائهم الأدبي الرائع. |
جريدة المدينة العدد رقم 9512
|
|
14/12/1413هـ ـ الموافق 4/6/1993م.
|
|
|