شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
ليس دفاعاً عنك يا أبي
شأني شأن أي قارىء متابع للصحافة اليومية استوقفتني موجة الاستطلاعات والتعليقات والمداخلات التي صاحبت إطلاق قرار الالتزام بالفحص الطبي قبل الزواج.. وقد دهشت للعدد الكبير من الأساتذة الأفاضل الذين تناولوا الموضوع دون النظر إلى جذوره وخليفته التاريخية.. بينما سجلت صحائف التاريخ سبق والدي محمد سعيد عبد القصود خوجة ((رحمه الله))، الدعوة إلى هذا التوجه من خلال مقال نشره ضمن سلسلة مقالات تحت عنوان ((نحن والعادات))، وكان مقاله الموسوم ((الكشف الصحي ضروري للمتزوجين من الرجال))، قد نشر بجريدة ((صوت الحجاز))، العدد 26 بتاريخ 2/6/1351 هـ، الموافق 3/10/1932م، أي منذ 73 عاماً.. وبالرغم من إثبات هذا السبق التاريخي له ((رحمه الله))، إلا أن الصحف خلت ـ بحُسن نية ـ من الاشارة إليه، في الوقت الذي قيض الله لأعماله الكاملة الحفظ من الضياع والاندثار، فجمعها الأستاذ حسين الغيبي من مظانها وأصبحت متاحة للباحث والدارس في المجلد الذي صدر عام 1422 هـ، ـ 2001م، تحت مظلة ((كتاب الاثنينية))، بعنوان ((الأعمال الكاملة لآثار الأديب السعودي الراحل محمد سعيد عبد المقصود خوجة)).. وهو واحد من إصدارات عديدة شرفت بتقديمها وفاءً لذلك الرعيل من الأدباء الأفاضل وضمت أعمالاً منها ((عبد الله بلخير شاعر الأصالة، والملاحم العربية والإسلامية))، للأستاذ محمود رداوي، و((عبد الله بلخير يتذكر))، للدكتور خالد باطرفي، و((الأعمال الشعرية والنثرية الكاملة لمعالي الشيخ أحمد بن إبراهيم الغزاوي ـ 6 مجلدات))، بالاضافة إلى أعمال أخرى جاهزة وسيتم إطلاقها إن شاء الله بمناسبة اختيار مكة المكرمة عاصمة للثقافة الإسلامية عام 2005م، وهي الأعمال الكاملة لما أمكن الحصول عليه من رواد ((وحي الصحراء))، حيث تم رصد أعمال أستاذنا حسين عبد الله سراج، متعة الله بالصحة والعافية، في عشرة أجزاء، وأعمال الأساتذة عبد الحق النقشبند، والسيد أحمد العربي، وعبد الحميد عنبر، في جزء واحد للكل، وأعمال أستاذنا محمد حسين زيدان في خمسة أجزاء رحمهم الله جميعاً، وسوف تصدر معها أيضاً الأعمال الكاملة للأستاذ الشاعر المكي الكبير محمد إسماعيل جوهرجي في أربعة مجلدات وأعمال الأستاذ الكبير محمد صالح باخطمة.
إن حفظ هذه الإبداعات يهدف إلى إتاحة الفرصة للأجيال القادمة والمعاصرة للافادة من هذا التراث الذي أصبح ملكاً للأمة، وهو عمل أحسب أنه جدير بالمتابعة، وواجب علينا تجاه ذلك الرعيل الذي حمل عبء النهضة الثقافية والأدبية التي نعيشها اليوم، وكان لهؤلاء الرموز الكثير من الأوليات التي أدت إلى قدح زناد الفكر لدى الكثير من اللاحقين، ولوالدي ((رحمه الله))، الكثير من الأوليات بما يزيد عن عشرين سبقاً.. ويستطيع من قرأ كتاب أعماله الكاملة الذي أشرت إليه آنفاً أن يستخلصها بيسر وسهولة.. وقد استعرضها في مقال لاحق.
وبالرغم من أن المعلومة الصحيحة أصبحت متاحة لكل من عمل على استقصائها، وقيام مراكز العلومات في بعض الصحف الكبيرة بدور بارز، إلا أنني للأسف لم أطلع من خلال صحفنا ومجلاتنا على بحث مكثف يعطي موضوع ((الفحص الطبي قبل الزواج))، حقه من العناية والمقارنة بما يجري في بعض الدول المجاورة، واستقراء تاريخنا مع هذا الطرح، حتى نصل حاضرنا بماضينا ونستفيد من تجارب الآخرين بأسلوب حضاري يعتمد تلاقح الأفكار لتطوير المواقف الإيجابية وتقليص السلبيات واستخراج العبر واضاءة قناديل رموز العطاء في هذا الكيان الكبير، وقراءة وبحث إرثهم الثقافي والأدبي بما يعود بالخير على الوطن والمواطنين.
إن. الشهادة للأصدقاء وذوي القربى تعتبر مجروحة.. فكيف بها عندما تكون عن الوالد الذي أصبح في ذمة الله؟؟ لذا رأتيت من الأنسب أن أتركها إلى بعض مجايليه، ومنهم أستاذنا الكبير محمد حسين زيدان ((رحه الله))، الذي كتب في جريدة الندوة بعددها رقم 10538 وتاريخ 21/2/144هـ، ((وبرز جيل من الشباب الأصغر سناً من أبرزهم السيد هاشم زواوي فأصدروا كتاباً يجمع شعراً كما أصدر الساسي كتاباً عن ذلك وكما أصدر من قبل محمد سرور الصبان أدباً إقليمياً ((أدب الحجاز))، احترمت الرجل أعني محمد سعيد عبد المقصود خوجة، زرته في بيته، عرفت ما يريد من الحق لا يتجافى مع الأمة للأمة وإنما هو يريد أن يبرز شعبه الذي فقده شوقي بصورة مشرقة ولو كان حمزة شحاتة حياً أو محمد حسين عواد لقالوا لكم: لماذا لم يكن لهم شعر في ((وحي الصحراء))، محمد سعيد عبد المقصود خوجة أعطى لجريدة أم القرى تقييماً خاصاً أما التقويم فبناء لا يزعزعه أحد)).
أما صديقه الأستاذ الأديب عبد الله عريف ((رحمه الله))، فقد كتب كلمة مؤثرة في جريدة صوت الحجاز، العدد 573 بتاريخ 18/4/1360هـ، أقتطف منها ((كان رحمه الله حياة في الحياة، وكان نسيج وحده في الشباب وما أريد بهذا ـ والله ـ أن أذم الأحياء لحساب الأموات، ولكن محمد سعيد ـ كما يعرفه كل أحد ـ كان أمة وحده في هذه البلاد.
كالبدر من حيث التفت رأيته
يهدي إلى عينيك نوراً ثاقباً
وخلة واحدة تلمسها واضحة في حياته، تفسر لك كل حقائق حياته وأخلاقه، تلك هي ((منطق الحيوية القوية في نفسه))، فهي مصدر كل ما عرفه فيه الناس، من توفز وتوثب، وحب وكره، وتوقد وإخلاص ووفاء ووطنية وشهامة، ونبل.. وأستطيع أن أقول ـ غير مبالغ ـ إن في كل حركة من حركاته بل في كل نأمة من نأماته، دليلاً على منطق الحيوية القوية في نفسه.
فلقد كان يعيش ـ رحمه الله ـ من أمانيه وآماله في كون حافل بالحركة، يحبب إليه الكفاح والجهاد، ويجدد في نفسه النشاط الدائم ومن أجل هذا كانت حياته ـ رحمه الله ـ مليئة بالمشاريع، حفيلة بالأعمال، ولا أعرف ـ ولا يعرف الناس معي ـ مشروعاً قام في هذه البلاد، لم يكن محمد سعيد ـ رحمه الله ـ عضواً عاملاً فيه، فهو في الحق كان عصب المشاريع التي قامت في هذه البلاد، وبه كان قوام أغلبها))، إلى أن قال: ((ومابي أن أعدد أعماله ومشاريعه، فأذكر عضويته في كل مشروع، أو عمل، وكيف خدم الحيوات المختلفة في بلادنا وكيف أخرج ((الأزرقي)) و((وحي الصحراء))، وكيف أدار تحرير أم القرى أربع سنوات كانت فيه مثال القوة الصحفية العارمة، وكيف تسلم عمله بالمطبعة الحكومية، وفيها آلة طباعة واحدة تُدار باليد، فتركها وهي إدارة يحسبها الناس، دولة في وسط دولة، كما عبََّر أحد كبار الموظفين، شغل بها لا أفكار والناس، ثم كيف أرسل بعثة فنية إلى مصر وألحقها باخرى، وبنى داراً للمطبعة حالت الظروف دون تمامها)).
أما حديثاً فقد كتب كثير من قمم الثقافة والفكر مشيدين ومقرظين أعمال والدي ـ رحمه الله ـ التي ما زالت تلقي بظلالها على حياتنا المعاصرة، ومنهم على سبيل المثال معالي أخي الكريم الشيخ هشام محيي الدين ناظر الذي أبحر بين دفتي كتاب ((المجموعة الكاملة لآثار الأديب السعودي الراحل محمد سعيد عبد المقصود خوجة))، للأستاذ حسين الغريبي، فاقتبس مما كتبه عنه ((.. فنحن في زمن اهتزت فيه الهوية نحتاج ما نلتصق به من الذين حافظوا على هويتنا بفكرهم وأقلامهم: وبأرواحهم في أحايين كثيرة.. وقد تنقلت بين دفتي الكتاب علَََََََََََََّني أستكشف شخصية الراحل الكريم فوجدته بحراً عميقاً يستحق الغوص في لججه لالتقاط درره.. وتعجبت أنه في حددو مجتمعه آنئذ كان يعالج نفس القضايا التي ما زلنا نعاني منها اليوم وبقيت دون حل إن لم تكن تعقدت أكثر من ذي قبل)).. وسعادة الكاتب الصحفي الكبير الدكتور محيي الدين اللاذقاني اطلع بشغف على ذات الكتاب، وعلَََّق عليه بصحيفة ((الشرق الأوسط)) عدد 8419 وتاريخ 1/10/1422هـ، الموافق 16/12/2001م، فتحدث باختصار عن بعض ما ورد في الكتاب مثل المقالات التي تناولت موقع ((الحجون))، و((المسائل الحاروية))، إلى أن ختم مقاله الضافي قائلاً: ((إن أعمال محمد سعيد عبد المقصود خوجة التي حققها وأعدها وقدم لها الأديب حسين عاتق الغريبي موسوعة حقيقية للثقافة الاجتماعية والتاريخية.. وقد عمل الغريبي بالنصيحة فقدم عملاً لا يمكن أن يستغني عنه أي باحث في التاريخ الاجتماعي لمكة وجيرانها)).
هذا غيض من فيض. وتلك أمة قد خلت.. ورجال تحدثت أعمالهم عن معادنهم.. فلا أقل من أن نحفظ لهم حقوقهم ومآثرهم الأدبية والفكرية والتاريخية لأنهم من السابقين بالفضل، وواجب الوفاء يحتم علينا إعطاء كل ذي حق حقه.
والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل.
* عبد المقصود خوجة
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1928  التعليقات :0
 

صفحة 1 من 52
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور عبد الله بن أحمد الفيفي

الشاعر والأديب والناقد, عضو مجلس الشورى، الأستاذ بجامعة الملك سعود، له أكثر من 14 مؤلفاً في الشعر والنقد والأدب.