شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
كلمة صغيرة
في فلسفة التشريع
يظهر أن الشرائع السماوية بأجمعها قد بنت كثرة أحكامها على آخر ما يمكن أن يصل اليه لجاج البشر وسوء دخيلتهم وخسة أطماعهم لتسد عليهم بذلك باب التظلم والشكوى من جهة ولتتلافى من جهة ثانية تباغضهم وتناحرهم، فهي في الواقع تشرع تشريعا صالحا لأدنى طبقات البشر ونعنى أولئك الذين لا يرضيهم الا استيفاء حقوقهم كاملة غير منقوصة ولو كان في هذا الاستيفاء خراب وشجب ذميمان لسواهم. ولو أن جمهرة من الشرفاء المحسنين استرضوهم وبالغوا في الاسترضاء وخنعوا لهم وبالغوا في الخنوع، ولو أن هذه الحقوق لا تزيدهم حولا ولا طولا ولا تنتج لغيرهم الا جروحا ودموعا.
هؤلاء الناس ان أجازت لهم الشرائع هذا التشبث وهذه الفظاظة فهي لا تجيزها لهم حبا لما يقترفون ولكنها تجيز ذلك منعا لفتن ومصائب يجران الكون إلى الدمار لولا هذا التجويز ما دامت الأغلبية الساحقة في الناس أنانية جشعة شرسة،، وهي تجيزه ولكنها تفتح لهم مجالا واسعا ليكونوا أرقى شعوراً وأنبل نفوسا وأصرح انسانية.
واذا كنا نوقن جميعا أن الزمن قُلَّب وأن الأيام دول فما لهؤلاء الناس لا يكونون أكثر تقديراً للعواقب وخشية منها؟ وما لهم لا يفكرون في أحكام الدهر والناس التى يمكن أن تنصبّ على رؤوسهم بحق رغماً عنهم فيتلوَّون منها ويحنقون ولا يعثرون بنصير ولا راث؟!
الا أن الشرائع السماوية عادلة إلى أبعد حدود العدل ولكنها تطرب للرأفة ويرضيها جداً أن ترى التعاطف بارزاً بين الناس بأبهى صورة وأفيدها. هي تقر العدل وتمضيه، ولكنها لا تنكر الرحمة ولا تأبى على الناس أن يتنازلوا قليلا عن حقهم الصراح بعضهم لبعض اذا كان في هذا التنازل شئ من المروءة ومن الحكمة والايثار الحميد، بل هي تهتف بالناس سراً وعلانية أن يكونوا مؤثرين نبلاء راحمين.
يصدر القاضي النزيه أَحكاما عادلة تنحني أَمامها الرؤوس ولكن كم يكون جميلا ومؤثراً اذا أعلن الخصم الفائز بعد أن كسب القضية وقهر خصمه أنه قد تنازل عن حقوقه حفظا لكيان خصمه المنهزم وتهدئة لروعه ـ هذا الموقف المشرف وأمثاله هو الذي تدعو اليه الشرائع في صميمها فمتى يكون كذلك الناس؟
 
طباعة

تعليق

 القراءات :481  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 171 من 181
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور محمد خير البقاعي

رفد المكتبة العربية بخمسة عشر مؤلفاً في النقد والفكر والترجمة.