شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الجرأة.. رجولة كاملة!
ألا تحس بهزة تتمشى في جسمك وأنت تقرأ قصة ذلك الأعرابى الذي سمع عمر بن الخطاب يقول: ((من رأى في اعوجاجا فليقومه)) فانتصب واقفا وقال له: ((أجل نقومك بسيوفنا يا ابن الخطاب))!
ثم ألا تشعر بكهربائية تشيع فيك وأنت تقرأ خبر المرأة الهاشمية التى مثلت أمام معاوية بعد أن دالت دولتها فأراد أن يجرح كبرياءها بذكريات تؤلمها، فكانت جريئة جابهته بما يكره وما تعتقد في صراحة لا تصنع فيها ولا تزلف ولا مواربة، ولا أي شيء آخر مما نعتبره نحن اليوم أدبا!
أقول ألا تشيع فيك مثل قوة الكهرباء وأنت تطالع أمثال هذه المواقف مع مثل عمر بن الخطاب وأنت تعرف من هو ابن الخطاب، ومثل معاوية وأنت تعرف من هو معاوية!
أي، انها أخلاق البادية سمها ـ ان شئت ـ جفافا أو خشونة فهي أخلاق البادية وحسب.. ما عرفت المجاملة والتصنع. لا، ولا شيئا من هذا الأدب الكاذب الشائع بيننا اليوم
أما التزلف، وأما الرياء بكل ما يدخل في بابيهما من مترادفات فتلك مسميات لا تكاد تجد لها عندهم معانى الا في القواميس يوم أنشئت القواميس!
الا أنها أخلاق قاسية شد ما أعانى واياك اليوم في هضمها، وانها خشونة لا احتمال لأحد منا على ازدرادها، ولكنها... ولكنها أخلاق البدوى الصميم، يصهر بحرارتها كل ما يعلق بالقلب عادة من نفاق ومكر، حتى لتتركه وكأنه صفحة شفافة بيضاء
إن على هذه القلوب قامت دعائم ملك العرب، ومن صفاء سرائر أصحابها استمد سلطانهم صولته الواسعة فأين نحن اليوم من ذلك؟!
اننا نستقبح اليوم من الجرىء جرأته وصراحته، فنسميه مرة وقحا وننعته بالجفاف حينا والخشونة آنا. ثم لا شيء ألذ علينا من التصنع ولو كان كاذبا، ولا أطرب لأسماعنا من المجاملة مهما طوى تحتها من خداع وغش.. على هذا نربى أولادنا في البيوت، وفي مثل هذا ينشأ فتياتنا في المدارس، وعلى منواله يواجهون الحياة فيما بعد في مختلف نواحيها، الا من رحم ربك.
وأقول الا من رحم ربك ضنا بصبابة في بلادنا احتفظت بصراحة العرب، وأحبت جفافها فدلت بذلك على بصيص يتفاءل المتفائلون به.
شاهدت من أيام قصة تجلت لي فيها هذه الصراحة العربية بما فيها من جفاف، فتجلى لي من ورائها البصيص الذي يغرى بالتفاؤل ويحمل على الرجاء والأمل.
كان ذلك في مدرسة لست ذاكرا لك اسمها، ولكننى أقول انها تحضيرية، وان بطل القصة فيها تلميذ تحضيرى منعه المدير فيمن منع من التمنطق بالحزام فتراءى له أن في الموضوع تعنتا، وكأنه حاول مراودة نفسه على قبوله اكراما لمكانة المدرسة فأبت نفسه عليه ذلك وتمردت، واندفع هو تحت تأثير هذا التمرد يعلن رأيه للمدير بصراحة في كتابة قدمها اليه بامضائه أنقلها اليك كما هي في أسلوبها الصبيانى بالحرف الواحد:
((حضرة المكرم مديرنا ((فلان)).
ايش منه ضرر حتى تمنعونا من الحزام، نحن ناس ((مستورين)) الحزام يستر التوب؟ ان كان حَكمَ الأمر على ((تفصيخ الحزام)) فاسخنا في العلم مرة! بتاتا! اذا كان هذا الحكم من رأسكم فاسخنا في العلم مرة ان كان من التلاميذ الذي تلقاه يلعب في حزامه اكسر ايده)).
هيه: أيها الأبى الجاف أفى الصحراء نشأت؟.. انها خشونة أهل الخيام والمضارب يستعيرونها من حياتهم القاسية تحت وهج الشمس المحرقة، انها خشونة وانه جفاف نسمع به في الأقاصيص ونقرؤه في مجلدات التاريخ، ونسمع أن على كواهل رجال هذه طباعهم قامت دولة العرب، وبجرأة رجال هذه قلوبهم امتد سلطان العرب وقويت شوكتهم وامتد نفوذهم.
أتسمعنى يا هذا الناشىء الجرىء؟ أحضرى أنت نشأت في المدن؟ واذن لماذا أنت شجاع؟!
نحن نعرف المجاملة بفروعها والخشوع بألوانه، والتزلف والرياء والغش والمكر والمداهنة والتصنع ونسمى كل هذا أدباً.
اسمعنى!! بهذا نتأدب في حديثنا ومجالسنا ومقابلاتنا، وعلى هذا نربى فتياننا وفتياتنا في البيت والمدرسة
أما كنت تعلم وأنت تكتب إلى مديرك ما كتبت أن ذلك في عرفنا وقاحة لا نستسيغها؟!
هيه ولكنك شجاع وحسب!
قال المدير وقد مرت على وجهه سحابة رقيقة ـ يخاطب الحاضرين: ما رأيكم؟ ـ فخاض الحاضرون في الحديث وشاءت الصدف أن أكون أحد الحاضرين وأحد المتكلمين فقلت: أرى أن تبتدئوا باقناعه وكل ((المحزمين)) بأضرار الحزام الذي قمتم تمنعونه، ومن ثم يبقى أمامكم مسألة أدبه هذا الخشن وذلك موضوع له بحثه الخاص بعد تدبر وامعان.
وكنت أظننى سأرحم التلميذ بهذا وما علمت أن المدير ما فكر في خشونته هذه ولا أعارها من الاهتمام شيئا كما لو كان الأمر عاديا.
وانتهى الموضوع أخيراً باقناع التلميذ واخوانه. وذاب موضوع الأدب الخشن في ضحكة عالية أرسلها المدير في جوانب قاعته.
أترى هذا تحولا في الأفكار؟ سأجعل اليهم ذلك حقاً.
نحن في حاجة إلى قلوب كهذه جريئة تجابه الحقائق وتجاهر في قوة بما تعتقد، أما اننا نربى التلميذ على الخنوع والخوف، ونحمله على المداجاة والرياء فليس معنى ذلك الا أننا نهيىء للمستقبل نشأً مجرداً من كل مميزات الرجولة، واذا نحن دفعنا الطفل في البيت إلى الصراحة وعلمناه في المدرسة كيف يجاهر بما يكنه في شجاعة استطعنا أن نعد رجالا يواجهون الحياة ويمتلكون ناصيتها.
أمن قائل الآن: ولكنها صراحة امتزجت في بطلك هذا بكثير من الوقاحة؟ أمَّن يقول اذا تساهلنا في ذلك فسنسىء أخلاقياً إلى مجموع النشء في الأمة:
لا أظن ذلك، واذا سلمت جدلا بتسمية هذا وقاحة ففى مكنتنا ألا نصدمه وندك قواه لأول وهلة.
في مكنتنا معالجة ما نسميه وقاحة بأساليب حكيمة تهذبه ولا تفقده شجاعته، وجرأته.
فهل تتضافر بيوتنا ومدارسنا على ذلك؟؟!
اللهم بك العون ومنك التوفيق.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :492  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 40 من 181
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج