شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الذكاء الضائع في بلادنا
كان الوقت أصيلا عندما اقتعدنا كثيبا يطل على بركة (ماجل) (1) ويشرف على المزارع الخضراء المنبسطة في اتجاه المدى الواسع، وكان شعاع الشمس الذهبى يجلل أكناف الوادي ويرسل على الأطواد القائمة في هيبة وجلال بريقاً تنعكس لمعته على صفحة البركة فيبدو منظراً يبعث في النفس السرور والغبطة.
* * *
وكان مجلساً أظهر المميزات فيه ـ إلى جانب جماله ـ ما تجلى عليه من روعة أصحابه، وما أصحابه الا نفر من أولئك الذين لا يدعون الثقافة والعرفان، ولا يسمون أنفسهم بغير وسم الطبقة العامة من رجال الشارع، ولكنهم يترسمون أمامك مراسم المفكرين من الطبقة الراقية المتعلمة!
وإذن فقد كان مجلس ثقافة أبطاله رجال عاديون، وذلك من الروعة بمكان عظيم.
وشاء الحديث ألا يذهب عن العلم وما يدلى اليه العلم بسبب، فذكر المذياع ((الراديو)) آية العقل، ومضى أحدهم يحلل أسراره إلى أوليات بديهية يدركها العقل العادى، وانطلق في أثره آخر يحاجه في مساجلة اشترك فيها أكثرهم، ولقد كان أغرب شيء ـ فيها العلم في أسلوب رجال الشارع العاديين.
وكأنه استعذب أحدهم المبالغة في مسألة الإنسان الصناعى فادعى أنه قرىء عليه أنهم هناك يستخدمونه في مختلف شؤون الحياة وضروبها.
فكانت زوبعة علا الضجيج فيها بأصوات الاستنكار، وتولى غير واحد دحض مبالغته في فلسفة معقولة نستكثرها من رجال نحسبهم ما خلقوا الا ليعجوا بالنداء على معروضاتهم في الأسواق.
وأنى لفى ذهول من الدهش الذي استولى على من روعة المساجلة وقدرة المتساجلين، اذا بى أنتبه فجأة على صوت يرتفع من زاوية المجلس واذا به يحاضرنا!
((ان الأجيال حتى المتأخرة من العرب كثيراً ما تسبق إلى بديهيات لكنها لا تمضى في تعليلها واستغلالها مضى الغرب الذي يحاولها حتى ينشىء منها مبتدعات يستخدمها، فهذا التلفون عرفه صبيان الأزقة عندنا من قرن.. عرفوه في الخيط الذي كانوا يصلونه بعلبتين اسطوانيتين يتناجون فيهما، وهذا الراديو فطن اليه البدو عندنا من أجيال نعرف ذلك عندما نشاهد أحدهم يسخر مجرى الريح في اتجاه خاص فيستخدمه إلى من يبقى على مدى بضعة أميال وتحمل موجاته اليه ما يشاء من حديث يرسله في صرخات لها مفهومها الخاص على قواعد مضبوطة يتسلمها هناك أخوه من موجات الصدى فيفهمها كما تفهموننى وأنا أخاطبكم الآن بحروفنا المعرفة الخ.. الخ))
بحث عامر رصين يدل على غاية في الذكاء الفطرى!
وتركت المجلس ودلفت أمشى مفكراً في هذه الروح المفطورة على البحث العلمى، فاسترسلت في تفكيرى فرأيتنى أسائل نفسى: لماذا كان الذكاء عندنا ضائعاً؟ حقاً ان في تلافيف الأدمغة عندنا من الذكاء والفطنة ما يدل عليه هذا التفنن الذي سمعت وشهدت ولكنه ينقصه الاعتناء، وذكاء يحول دون ابرازه ضعف حيوى في قوانا!
قد لا يفطن الأوربى في كثير من الأحوال لما يفطن العربي اليه، وقد يفطن مرة أو تسوقه المصادفة إلى ظاهرة في خواص جسم ما، فلا يمر بها عفوا ولا يقف منها اهتمامه عند الحد الذي انتهى اليه، بل هو يتتبعها ويستقصيها ويذهب في ذلك إلى أبعد حد ممكن، وتتفتح بالاستقصاء في طريقه وجوه قد تغلق على الفكر وتبعث السآمة. لكنه جلد يتذرع بالصبر حتى ينتهى إلى عنانها فيمتلكه، ومن ثم يطلع منه عليك بمنشاة جديدة مبتدعة، واختراع مبتكر، بينما يظل العربي صنوه الفطن في مكانه ذاهلا يستقبل ما أنشأ الغربى ويدفع ثمنه باهظا من جيبه. الا أن الذنب في هذا ذنب الضعف في قوانا. ذنب عجزنا عن الصبر في الاستقصاء، والتتبع مضافا إلى ذلك شيء غير قليل من قلة الاهتمام، وعدم الاعتناء.
فهل يأتى يوم على العرب يستيقظون فيه فيدركون نقائصهم هذه؟ عسى أن يكون ذلك قريباً.
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :500  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 39 من 181
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج