موجة ترتقي وأخرى تغورُ |
هكذا تبدأ الحياةَ البحورُ |
أيُّ سرِّ في عمقها يتوارى |
أحياةٌ ؟ أم مِيتةٌ، ودثور؟ |
يعجز الطرف أن يُحدَّ مداها |
كسماءٍ يكِلُّ عنها البصير |
سكَّن الليلُ قعرَها في ارتخاء |
ليس يُدرَى ماذا تُسِرُّ الجحور |
ويمدُّ النهارُ فيها خيوطًا |
بعضها مرسلٌ وبعضٌ قصير |
وتغوصُ الأقدارُ فيها فلا نَدْ |
رِي متى يطفح الأسى المقدور؟ |
قد عرَفنا (البحارَ) فيها حياةٌ |
ومماتٌ، ومولدٌ ، ونشور |
يولد الدرُّ في البحار كما تو |
لد في عتمة الليالي البدور |
ويُصاغ المرجانُ منها عقودًا |
كلُّ نهد بمثله مغرور |
*** |
يعبرُ البحرَ تاجر، وفقير |
وشريد، وسائح، وأمير |
كلُّ فردٍ منهم طموحٌ لأهدا |
ف، وبعض الأهداف منها عسير |
وتظلُّ البحار تحتضن الآ |
مالَ ما دام للحياة حضور |
*** |
وترى فوقها السفائن تجري |
كخيال على السراب يَمور |
تحمل الحبَّ، والحياة، وفكرًا |
مبدعًا للنُّبوغ فيه جذور |
هي دنيا تعيش فيها الأماني |
ويمرُّ السلام والتدمير |
*** |
يا بحارًا عاشت قرونًا طوالاً |
لم يحدد آمادها التفكير |
أنت دنيا تضم لغزًا كبيرًا |
مثلما تخزن الأماني الصدور |
هل تودين أن تُسِريِّ إلينا |
بعض ما سرَّه إليك الدهور |
أنت كالأمس، عشتما في مناخ |
واحدٍ تُستسرُّ فيه الأمور |
قيل عنكن مثلما قيل عنا |
خبرٌ صادقٌ وآخرُ زور |
عُتّمت حولنا أمورٌ كثيرا |
تٌ، ولم ينقدح لعيْنَيَّ نور |
قيل خيرٌ، وقيل شرٌّ، وما بيـ |
ـنهما يفقد الصوابَ الخبير |
أيُّ فكرٍ يُصاغ بين شكوكٍ |
كالدواليب ما تزال تدور؟ |
ما لها أول فيبُدأ منه |
أو أخير يهفو إليه جَسور |
*** |
يا بحارًا أحِنُّ دومًا إليها |
عندها متعتي وفيها الُحبور |
أنا أهوى بك الجزائرَ نشوى |
حوَّمت حول شاطئيها الطيور |
وأهل الربيع فيها؛ فللخضـ |
ـرة لون محبَّب مسحور |
تنتشي الروح في ذراها ويأتي الـ |
ـوحيُ من حيث يَستَهلُّ الضمير |
ويرِقُّ الشعور فيها كأن الـ |
ـنفس فيها عواطف وشعور |
تورقُ العينُ عندها فهي جنا |
ت حسان، وخضرة، وزهور |
وهي خمر مقدس عتَّقَته |
في دنان من المحبَّة حور |
ترتوي بالسنا، وتحلم بالعشـ |
ـق ويجري على الجفون العبير |
صورة أبدعت ملامحها ريـ |
ـشةُ فنٍّ سما به التعبير |
نسَّقتها الألوان فهي تراث |
تتهاداه ـ منذُ كان ـ العصور |
أملي لو أعيش في جزر الأحـ |
ـلام عمرًا يطول فيه السرور |
إن عمرًا قضَيته في سواها |
لهو عمر جدْبُ الخيال قصير |
لم أحقق به وإن طال حلمًا |
إن عمرًا بدون حلم فقير |
*** |