في طنجةٍ طابَ حديث الهوى |
وطابت الأحلام والذكرياتْ |
البحرُ زخَّار بشطآنها |
والشُرع تختال على الساريات |
كأنها بشُرعها غابةٌ |
الدُّر والمرجان فيها نبات |
وزرقة المياه تحكي لنا |
عيون غرناطيَّةٍ ناعسات |
والبحر يلقي لك أصدافه |
كأنها فرائد غاليات |
كلُّ ضفاف البحر مزروعة |
بالحبِ والعشاق والعاشقات |
أحسُّ أني غصت في عشقها |
هل تمنح العاشقَ طوق النجاة؟ |
(طنجة) دنيا فرح غامر |
مثل مياه الأبحر الزاخرات |
نشوانة الضفافِ أنسامها |
كأنها حدائقٌ عاطرات |
تحمل في همْساتها نغمةً |
رقيقة آهاتها حالمات |
تهامَسُ الحور بجنَّاتها |
كأنما في همْسها أغنيات |
في كلِّ قلب وتر نابض |
يحكي تقاسيم مقام البيات
(1)
|
على الضفافِ انتشرت كوكبات |
من مترفي العيشِ ومن بائسات |
فسائح كلُّ أمانِيِّهِ |
أن يعرفَ التاريخ والمنجزات |
وطائش أغربَ في طيشهِ |
يُطربه تماجن الغانيات |
وعامل من (فاسَ) لم يحظَ في |
موطنهِ بلقمة أو فُتات |
وعاطل يبحث عن مهجرٍ |
يجتذب العمال والعاملات |
يلتمسُ اللقمة من جُهده |
ليُشبع الزغْبَ الجياع العراة |
جزيرة (الخضراء)
(2)
تمتصه |
و(جبل الفتح)
(3)
ودنيا الشتات |
يُعصَر كالليمون حتى إذا |
جفَّ رُميْ في سلة المهملات |
*** |
(طنجة) من بعد القرون التي |
مرت بها أغلى وأحلى فتاة |
تبدو من البحر وقد أزهرت |
أن النجوم انتشرت مشرقات |
روائع الزخرف في طنجة |
مشاهد تنبض بالمبدعات |
ملابس تحكي قرونا مضت |
ترفل بالوشي وبالنمنمات |
وقبعات الخوص تضفي على |
حرائر الريف بديع الصفات |
ومنشآت كم تبارى بها |
مهندسون احترفوا المعجزات |
*** |
تحدثي (طنجة) عن أمسنا |
فكم لنا بالأمس من مكرمات |
هنا خيول الفتح لما يزل |
صهيلها يعزفُ كالأغنيات |
أوقفها (الأطلسُ) عن زحفها |
كمْ لك يا بحر لدينا ترات؟ |
منْ أنزل الفارس عن سرجه |
وأغمد السيف ودقَّ القناة؟ |
تساءلتْ كالصقر عيناه هل |
وراء هذا البحرِ مستوطنات؟ |
*** |
حديثُك الرائع يا (طنجة) |
عن ذكرياتِ الفتح فيه عظات |
خواطر الفارس في أوجِها |
وروحه أقوى من العاديات |
قد طوَّع الأقدارَ في زحفهِ |
ووطَّد المصاعب العاتيات |
عايش في (الأطلس) عقبانه |
واستوطن السهل وأحيا الموات |
سلاحه الصبر وإيمانه |
تُلوى به أعناقُ أعتى العتاة |
(أعمدة الهرقل)
(4)
لم تَثنه |
عن الطموحاتِ أو الأمنيات |
حتى إذا هلَّ بها (طارق) |
تطامنَ البحر وطار البزاة |
قد أحرقَ الأسطولَ من خلفه |
فاحتضنت نيرانَه العاصفات |
وقال نحيا هاهنا قادةً |
أو أن نضحي شهداءً أباة |
فأرخصَ الفرسان أرواحهم |
وحققوا أهدافه الغاليات |
وأدركتْ (أندلسٌ) رشدها |
فاحتضنتهم أصدقاءً سَراتْ |
من علَّم الفرسان أن يفتحوا |
بالحبَّ والعدل دروب الحياة |
*** |
(طنجة) هل للبحر من خبرة |
بما لدى الفرسانِ من حافزات |
أو يعرف الفرسان في زحفهم |
ما يكتم القادة من خاطرات |
هذي (بحار الظلمات)
(5)
التي |
لم تُكتشَف أرجاؤها الغامضات |
من أجلها أطلق فتياننا |
طموحهم في سفنٍ رائدات |
يزعم قوم أنهم غُرِّروا |
هل غُرَّ مَن للكشف كان النواة |
إن الذي راموه من سؤدد |
تهون فيه أعظمُ التضحيات |
تصوروا عوالمًا دونهم |
حيث تغيب الشمس في الأمسيات |
فواصلوا الرحلة لم ينثنوا |
ولم يعد ذكرٌ لهم أو رُفات |
*** |
تحدثي (طنجة) عن عالم |
زَخرَفه الخيالُ بالمغريات |
عن رحلةٍ قام (ابن بَطُّوطة) |
بها إلى عوالم نائيات |
عايش فيها أممًا لم تكن |
معروفة في أمم أخريات |
وارتسمت في ذهنهِ صورة |
أغرب مما في خيال الرواة |
تندمج الجغرافيا عنده |
بالقصص الروائع الممتعات |
قد كنتِ يا (طنجة) في أفقنا |
منارَ علم مشرق المعطيات |
وكنتِ في مغربنا زهرةً |
نشمُّ منها كلَّ حين شذاة |
وكنتِ في افريقيا نجمةً |
تشعُّ في ليل كئيب السمات |
*** |
فقدتُ رشدي فيك يا (طنجة) |
وانتزع الاعجاب مني الأناة |
ما كنتُ يومًا مرحًا هكذا |
ولم أكن أحفل بالملهيات |
نسيتُ في بحرك شيخوختي |
وصرتُ فيه من صغار الهواة |
خوَّضتُ في بحرك من نشوتي |
بين صبيٍّ عابث أو فتاة |
من علَّم الساحر في (بابلٍ) |
أنَّ بشاطيْ طنجة ساحرات |
أحسُّ بالمياه زخَّارةً |
كأن في أمواجها زغردات |
وأحسبُ الجليد في مائها |
صيفًا، ودفء النار في الشاتيات |
رسمتُ في ذهني لها صورةً |
أروعَ مما تبدع اللاقطات |
يكاد يجري حبُّها في دمي |
كأنما ينسابُ فيه (الفرات) |
أشعر أني كنتُ في موطني |
ما أروع اللقاء بعد الشتات |
*** |
(طنجة) يا أحلى فراديسنا |
كم في ضميري أدمعٌ حائرات |
بالأمس قد كانت لنا دولة |
واحدةٌ أركانها راسيات |
حدودها (الصين) و(بيزنطة) |
وساحل (الأطلس) و (الخالدات) |
فكيف صرنا دولاً ما لها |
من صفةِ الدولة غير الجبُاة |
خرائطُ العالم وضاءة |
ونحنُ فيها نقط باهتات |
*** |
نسيتُ قلبي فيك يا (طنجة) |
فاحتفظي بهِ مع الذكريات |
أو فادفنيهِ في شواطي الهوى |
لتزهر الشطآن بالزنبقات |
لو عشتُ عمري فيك لم يخترم |
وطال عمري وشبابي مئات |
لو كانَ (تطوان) بلا قمة |
لكنتِ فيه قممًا شامخات |
تهدي ذرى تطوان أعنابه |
وتمنحينا الدررَ النادرات |
*** |