ذاكَ يومٌ جمعتُ فيه شبابي |
وتخلَّيت عن أعزِّ صحابي |
وهجرتُ الكتاب وهو صديقي |
ورفيقيْ في رحلتي وإيابي |
وقرأت الحياة سفرًا مضيئًا |
كل شيء منسق بحساب |
سُمِّرتْ في التلال عيني، وفي العشـ |
ـب وفي البحرِ والسما والسحاب |
في جنانٍ تلتفُّ حول جنان |
وورود وشَّت ربيع الروابي |
ومياهٍ تصب فوق مياه |
وضياءٍ يمر عبر ضباب |
وربيعٍ مورِّد كل شيء |
كان ينمو فيه نموَّ الشباب |
سَحرت عينيَ المناظرُ حتى |
غرقت في مساقطِ الإعجاب |
عجز العقل أنْ يصدقَّ أن الـ |
ـعين عافت ملاعب الأهداب |
وجرتْ خلف عالم عبقريٍّ |
ألِقٍ بالفنون سمح الجناب |
ومنَ المعجزات أن يحلم الفكـ |
ـر (بفرنا) في عرسها الخلاَّب |
*** |
قد نسيتُ الخمسين عامًا كأن لم |
تكُ مرت كعاصف وثَّاب |
كل ما قد وعيته من علوم |
كل ما قد عرفتُ من آداب |
كل ما كان مرَّ بي في حياتي |
صار ذكرى شفيفةً كالسراب |
*** |
وإذا ما الصباح هلَّ فإن الـ |
ـشمس تبدو شفيفة كالرباب |
تتوارى خلف السحائب حينًا |
كالعذارى في حضرة الخُطاب |
ثم تعلو فتملأ الغاب نورا |
ألقًا كالصفاء في شهر آب |
وتبثُّ الحياة في كل شيء |
وتعيد النشاطَ للإخصاب |
*** |
يا بلاجًا يمتد في سفح (فَرْنَا) |
كامتداد الآمال والأحقاب |
أنتَ قد صرت مسرحًا للصبايا |
عبقًا بالنسيم والأطياب |
شهد البحر أن شطك قد صا |
ر خليطًا من عسجد وملاب |
ثم سالت من فوقه قطراتٌ |
نثرتها ذوائب الأتراب |
كل عضو منها يفوح عبيرًا |
مستطابًا كدهن مسك مذاب |
وانتشى الشط بالصبايا كأن ال |
ـبحرَ قد فاض باللآلي الرطاب |
تترامى في مائهِ سابحاتٍ |
مرحاتٍ كالشهب بين السحاب |
صور جمة المفاتنِ لم يحـ |
ـلم بها غير شاعرٍ مطراب |
*** |