سامري الليل، وصوغي الوحي شعرا |
واعرضيه في مجالي الفن سحرا |
ليلُك الفضي في بهجته |
صورة أبدعها الخالق شعرا |
كلما لفَّكِ منه حلك |
لحت فيه ـ يا عروس الحسن ـ بدرا |
أرأيت السحب لفت قمرا |
فبدا يسكب فيها النور تبرا؟ |
أو رأيت الخود في جلوتها |
وجواريها بها يحففن بشرا؟ |
عمرها الله الذي زف الهوى |
في لياليها على العشاق فجرا |
كلما شاهدت فيها ليلة |
خلتها بين الليالي البيض بكرا |
قد أقامت عرسها حتى إذا |
طرب السمار خلت الأرض سكرى |
مُتع خُصَّت بها بغداد من |
قِدم ،جلَّت عن الإحصاء حصرا |
سل لياليها، فذي أخبارها |
لم تزل في هيكل التأريخ طُغرا |
وسل السُّمَّار في ناديهمُ |
أوَراء (الألف والليلة) أخرى؟ |
ليلُ بغدادَ حديثٌ خالد |
ليس تفنى متعة منه وذكرى |
كم جلت في ليلها من منظر |
ودّ لو عن مثله الصبح تفَرَّى |
ودَّ لو أبطأ في إشراقه |
خوف أن يبرز صبحا مكفهرا |
طف ببغداد مساءً علَّ تقرا |
وترى السحر بمغناها استقرا |
كل شيء يسحر القلب بها |
كل شيء يبهر الأعين بهرا |
فكأن النهر فيها خمرة |
رشفت (شيرين) منها (كليوبترا) |
وكأن الكرم فيها فتية |
شمَّرت تعصر للندمان خمرا |
وكأن الورد فيها خُرَّدٌّ |
عُربُ تفتر للقبلة ثغرا |
وكأن البدر يضفي فوقها |
سحَره (هاروت) بالفتنة أسرى |
وكأن الأفق مرآة وقد |
رُصِّعت أوساطها ماسًا ودرا |
وكأن الطل يهمي دررا |
فيذوب الدر في الأزهار عطرا |
وكأن الريح تسري رخوة |
طيفُ محبوب يزور الصب سرا |
وكأن الكهرباء انتثرت |
فوقها عقد الثريا زان نحرا |
وكأن الغيد فيها فتنة |
سرب حور من ذرى الفردوس فرا |
كلما مرت بصب أطلقت |
زغردات تملأ الأسماع بِشرا |
تتصابى والصبا شافعها |
فإذا أغرتك صدت عنك كبرا |
*** |
خلت أني قد نظمت الشهب شعرا |
وجلوت الدر والمرجان نثرا |
وأذبت القلب والروح معا |
ثم صورَّت بها بغداد سحرا |
فإذا بي سادرا في ظلة |
مثل من يطلب من ذي العسرا يسرا |
تهت في أوصاف بغداد ومن |
يا ترى قد وسع الفردوس خُبرا |
لتدم بغداد في أعراسها |
وليدم ليلك في بغداد دهرا |
لكأن الدهر فيها ليلة |
من ليالي (قيصر الروم) و(كسرى) |
*** |