شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
النشيد الرابع عشر
أبطال النشيد:
1 ـ علي.
2 ـ لولو صديقة سلمى.
3 ـ سلمى حبيبة علي.
1
وتوالت الأيام تشبه بعضَها نوعًا وجنسا
في موطنٍ ركدت به الأحداثُ حتى كاد ينسى
ما زالَ يجترُّ المواسمَ باحثًا عن ذاته
ويرى التقاليدَ العريقة مِن صميم حياته
ولعلَّ أروعَ موسمٍ أغنى (عليًّا) بالصورْ
هوَ موسم الشطِّ المنوَّر بالصبايا في (صفَر)
كانت ظلال النخل في الشطآن تزدادُ امتدادا
والشمسُ تغمُر ضفة الأفق احمرارًا واتقادا
والبحرُ يدفع مدُّه موجًا رفيقًا لينا
ويدغدغ الشاطيْ كما جسَّ النسيمُ السوسنا
وكأنما انزاحت عن الفردوس في الشاطي ستور
وتناثرت من حوله أسراب ولدان وحورْ
وتموَّجت ضحكاتهم عبرَ النسيم هوىً معطَّرْ
كصداح قيثار، ونفحة أرغن، ورنين مزهر
وتشابكتْ نظراتهم، وتألَّقت سود العيون
وتوهَّجت بالسحر واكتحلت محاجرها فتون
في كلِّ ناحية (كيوبيد) يَريشُ سهامه
وجمالُ (فينوسٍ) يثيرُ فتونَه، وغرامَه
كان الصبايا ينتقمن من (التخبي) بالتبرجْ (1)
والزهرُ يضحكُ للنسائم اذ تعابثه، ويأرَج
ويراوغ الفتيانُ أغلالَ التقاليدِ القديمه
والكبتُ يصرخ في محاجرهم وقد أورى جحيمه
2
بينا (عليٍّ) يرقبُ الشاطي بنظرةِ شاعرِ
ويلملم الصوَر الأنيقة في إطارٍ ساحر
ويصوغ كالموشور من أطيافها دنيا جميله
ويعيشُ طول العام يستوحي روائعها الخضيله
هبَّت عليه سحائبٌ نشوى تَدَفَّق بالعبيرْ
وتمزقُ الحلم اللذيذ بواقع خصبٍ مثير
فتوهَّجت في عينهِ النظراتُ واخضلَّ المدى
وغشي مشاعره ذهولٌ غامرٌ حلو الرؤى
حورا تفيضُ السحر مقلتها وتسفحه شعاع
ويرفُّ بالتفاح خدَّاها متى انحسَر القناع
ويرقصُ النهدان أهداب القلائد والضفائرْ
وكأنما الأبنوس رصِّع بالنضار وبالجواهر
وكأنما الأغصان أجنحة السلام على يَديها
وضفائر الفقاح أفراخ الحمام بمفرقيها (2)
حتى إذا حاذته واختلجتْ أساورُها الأنيقه
همست لجارتِها بصوتٍ كالزغاريد الرشيقه
(لولو) انظري هذا الفتى المجدول من ألق الصباح
عبثت به فتيات (بابل) أمْ ترشَّف دَنَّ راح؟!
أم غازلته عرائسُ البحر المنضَّرة الشباب؟!
أم إن جَنَّة عبقر خطفته مِن بين الصحاب؟!
ما لي أراهُ كنخلة مغروسة في فدفد؟
أو نجمة مهجورة في جنح ليل مربد؟
يا ليتني كأسًا تُرشِّفه الرحيق المعجبا!
أو نغمة تنساب في أذنيه حتى يطربا!
أو باقة مِن سوسن تُهدي له أزكى الأريج!
أو لمحة مِن كوكب فأحيل دنياه وهيج!
وتلاقت النظرات فانقدحتْ لحاظهما شررْ
وتوَهَّج القلبان حبًّا مثلما انبثق القمر
3
وتعانق الروحان، واستعرت عيونهما قبل
وتوشَّحا بُردَ الخلود، وشفَّ حبُّهما ثمل
وشَّى الهوى دنياهما، واخضلَّ حولهما الحجرْ
وطفا الخليج لآلئًا، وتفتَّق الوادي زهر
تحنو الظلالُ عليهما وكأنها سُجُفُ الحرير
وتُباركُ الأنسامُ حبَّهما، وتنضحه عبيرْ
نثر الغرامُ كنوزهُ لهما لكي يتخيران
وسقاهما (باخوسُ) أحلى ما تعتَّق في الدنان
وطغى على (لولو) وجومٌ بالمشاعر مفعمْ
خوفُ الفضيحة والحنانُ وموقفٌ يتأزَّم
فدنت تربِّت تِربها (سلمى)، وتوقظ روحها
وتهزُّ أطيافَ الهوى عن جفنها لتزيحها
وتقولُ: هيَّا، فالغروب يلُمُّ أطرافَ الشفق
والليل ينشر في الضفاف الخضر أجنحة الغسق
فمشت تجرّ ُوراءها الأطياف باهتة الظلالْ
وترف أجنحة العبير على خطاها في كلال
تركت على الشطآن أحلاما ً تساقط كالهشيم
وتأمَّلَت في مشيها روحًا تمزِّقه الكُلوم
غامت بعينيها الدنى، وتكدرت كل النجوم
وكأنما الفردوس يلفظها الى درك الجحيم
4
وتسمرت قدما (عليٍّ) بين طاقات العبيرْ
كفراشة القز الحبيسة في شرانقها الحرير
وصدى اسمها في سمعه كصداح مزمار بعيد
وحروفه في ثغره أنشودةٌ تروي الخلود
(سلمى)، وما (سلمى) بعينيه سوى شلال نورْ
ما زال يغمره بأطيافٍ كألوان الزهور
حتى اذا نفضَ الذهولَ عن المحاجر والجفونْ
ألفى الفراغ يلفُّه بسحائب ربداء جونْ
فجثا يناجي البحر في صوت يقطِّعه الزفيرْ
ويكادُ يخنُقه ارتطام الموج من فوق الصخور
يا بحُر، هل لك أن تحسَّ بما تألَّقَ في ضميريْ
وطفا على عيني كما يطفو الشعاع على البدور
يا بحرُ، هل في لجك الفضي درٌ مثل حبي
إن كنت قدْ أودعته الصدفات فهو هنا بقلبي
يا بحرُ، هل للحب والأشواق مثلك شاطئان؟
يا بحرُ، هلْ عند الأحبَّة ما لديكَ من الحنان؟
يا ليتني يا بحرُ لؤلؤة تألق بالضياء!
لأحسَّ في صدر الحبيبة بالسعادة والهناء
وألفَّ، مغتبطًا، بساعدي المذهب جيدها
وأداعبَ النهدين إن هزَّ الترنُّح عودَها
يا بحرُ، قلْ لي هل سأقطف في غد أزهار حبي؟
أم تملؤ الأشواك بالآلام والآهات قلبي؟
5
ومشى بلا وعي يقودُ خطاه حب عاصف
ومشاعرٌ حساسة، وهواجسٌ، وعواطف
كان الذهولُ يلفه وكأنه سرٌّ قديم
نسيت ملامحه المغاني وهوَ كوكبها الوسيم
***
 
طباعة

تعليق

 القراءات :228  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 246 من 271
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور عبد الكريم محمود الخطيب

له أكثر من ثلاثين مؤلفاً، في التاريخ والأدب والقصة.