| بدأ التنافس بين تجار اللآلي الأثرياء |
| هذا يسومُ، وذا يزيدُ، وهذا يبادرُ بالشراء |
| والسعرُ يعلو بالمئات وبالألوف ويشطح |
| والكلُّ يطمع في المزيد من الثراء ويطمح |
| وابتاع (أحمد) منه ما وسعته ثروته الكبيره |
| وتوسَّم الكسب الوفير به وأرباحًا كثيره |
| وأعد للسفر البعيد الصحب والزاد الوفير ْ |
| والمال، ينفق من ما يُرضي المروءة والضمير |
| لا الشحُّ يقبض كفه حتى يخال المال مجده |
| كلا ولا الإسراف يهدر كدَّه ويضيع جهده |
| وجرت بهم فوق الخضم زوارقٌ مثل الشعاعْ |
| تَحْدُو بها الأمواج عجلى أو يطير بها الشراع |
| حتى استقرت عند باخرةٍ أطلت كالعُقابْ |
| أرست على الأمواجِ جؤجأها وناطحت السحاب |
| فتفرقوا في سطحها والكلُّ يشعر بالسعاده |
| وكأنما في (الهند) دنياه التي سحرت فؤاده |
| وأحسَّ (نعمان) بسيده يناجي الموج سرا |
| ويعودُ يهمسُ للضفاف ويرسل الآهات حَرّى |
| فدنا لسيده يسائله بقلبٍ خافق |
| فأجابه: هذي الضفاف تشدني بعلائق |
| فيها ولدت وفي مجاليها نما عقلي وجسمي |
| ونهلت من متع الحياة وذقت منها كل طعم |
| وعرفت فيها الحبَّ أعذب ما تجودُ به الحياة |
| وغرست فيها كل غالٍ من بنينٍ أو بنات |
| سيظل يملأ حبها قلبي وأفكاريْ وروحيْ |
| ولسوف يصحبني هواها بعد موتي في ضريحي |
| إني لأفرح إذ أراها من قريبٍ أو بعيدْ |
| فأرى الصبا والحبَّ يبعثُ في رباها من جديد |
| لكنني أشجى لها ويثور وجداني ويغليْ |
| إما رأيت الأجنبي يعيث في وطني وأهلي |
| بالأمس كنا سادة فوق الضفاف وفي البحارْ |
| نبني الحياة على الشواطئ والجزائر كالمنار |
| منذ اخترعنا للسفين شراعها مثل الجناح |
| تختال في عرض البحار لدى الغدُوِّ وفي الرواح |
| تجري الرياح بأمره فيقرب البلد البعيد |
| ويحقق الوعد القديم ويمنحُ الأملَ الجديد |
| كانت شواطئ (دجلةٍ) و(الهند) و(الصين) العظيمه |
| وضفاف (إفريقيةٍ) مرسى سفائننا القديمه |
| كنا نروح لها ونغدو بالمعارفِ والتجاره |
| الندُّ والمرجان والدر المنضد والعطاره |
| والساج والخزف الملون والتوابل والحريرْ |
| والعاج والأصداف والذهب المرصع والتمورْ |
| كنا وما زلنا كذاك رباط عالمنا القديم |
| عبر الزمان بنا كما قد كان يعبرُ بالنجوم |
| ما زالَ يقبسُ من حضارتنا ويرفعها مناره |
| حتى غزانا الأجنبيُّ مقوضًا تلك الحضاره |
| هذي شواطئنا تكاد تكون أطلالاً وقفرا |
| عبثَ الغريبُ بها وعوَّضها عن الثرواتِ فقرا |
| ونكادُ نَشعر أننا في أرضنا غرباء عنها |
| نَضبت مواردُها ولولا حبها لرحلت منها |
| لم يبقَ فيها غيرُ لؤلؤها وليسَ به غناء |
| ويكاد يأفلُ نجمه ويصد عنه الأثرياء |