شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
النشيد الثالث
أبطال النشيد:
1 ـ نعمان: غواص في البحر.
2 ـ زاهي: زوجة نعمان.
3 ـ أحمد: تاجر لؤلؤ، الزوج الثاني لخديجة.
4 ـ فالح: تاجر لؤلؤ.
1
وتهامستْ في عزلةِ الأكواخِ أشباحٌ نحيله
شدَّت على البطنِ الحزامَ وما لها بالجوعِ حيله
وفراشهم خرَق يمزقها البلى بيدٍ أثيمه
لمْ ينجُ من نزواتِها حتَّى قماطاتُ الفطيمه
وأسرَّ (نعمانٌ) (لزاهي) عبر إيحاء الخواطرْ
(الغوصُ) موسمه أطلَّ على الشواطىء بالبشائر (1)
لكنني ما زلتُ أرزحُ تحت أعباء الديونْ
عامانِ أكدحُ في البحار وما حصدت سوى الشجون
(تسقامُ) أعوامٍ سلفنَ عليَّ دين مرهق (2)
ودواء بنتك والإدامُ وثوبها المتخرق
وغدًا سأذهبُ تحت عبء الدَّينِ لا أدري مصيري
أأعود بالفقرِ المهينِ وغصة القلبِ الكسيرِ؟
أم يملؤ الكسب الوفيرُ غدي مسراتٍ وبِشرا؟
أم تحفر الأقدارُ لي في اللجة الزرقاء قبرا؟
فتنهدتْ (زاهي) وقالت: باركتكَ يدُ السماء
صبرًا فلن يبقى الشقاء وما خلقنا للشقاء
أنظل نقتاتُ الأسى أبدًا ونرتشفُ الدموعْ؟
ونسيرُ من خلف القطيعِ ولا نُعدُّ من القطيع
لا بدَّ من يومٍ يضيء صباحه دنيا أسانا
والفلُّ والنسرينُ يعبَق أينما وقعت خُطانا
2
وطوى شجونَ الكوخ صمتٌ دونه صمتُ المقابر
وتتابعت في قلب كلٍ منهما آهاتُ عاثر
حتى تلاشت من جفونهما المعذَّبة الصور
وأطلَّ يمسح ما تبقَّى من ملامحها القمر
وتثائبت زاهي لتمسحَ من محاجرها حلم
وانثالَ من قِمم المآذن حولها حلو النغم
فسعت إلى محرابها والقلب بالإيمان عامر
وفؤادها يزجي الصلاة كأنها نفح المجامر
وأفاق نعمانٌ على صلواتها ودعائها
والشمس توقظُ نورها وتطل من عليائها
ومشى لدنياه الكئيبة لا يحس له صدى
ألِف الحفا مذ كان طفلاً ثم ما برَح الحفا
وثيابهُ تروي حكاية فقرهِ للناظرين
وشحوبه يحكي صراخ الجوع والداء الدفين
3
وبساحةِ المقهى تلاقى الناعمون المترفونْ
الوارثون المال لم تطرفْ لهم فيه عيون
كانت تطوفُ عليهمُ الولدان بالأقداح تِبرا
وصدى (الأراكيل) الشفيفةِ يَغمر الأسماعَ سِحرا
في ذلك المقهى الذي اعتادوا به صيدَ الرجال
وشراءها بالمال حين يَعُوز عزتها السؤال
كانت تُعَد لموسم الغوص الجديد لوازمُه
وتُنظَّم الصفقاتُ فيه، وتستزاد مغانمه
فالتبغُ، والزادُ اليسيرُ, و (ميرة) الأهل الزهيده
دَين على الغواص يرهن في مقابله جهوده
لا يستطيع تحرُّرًا منه بغيرِ سَداده
ويظل إمَّا مات غلاًّ في يدي أولاده
4
وأطلَّ نعمانٌ على المقهى بوجهٍ كالحِ
وأكبَّ يلثم كفَّ سيِّدهِ المرفه (فالح)
ورجاه قرضًا يشتري منه لأسرتهِ الصغيره
زادًا يكون لها خلال غيابه في البحر ميره (3)
فأشاحَ عنه بلفتةٍ فيها ازدراءٌ واحتقارْ
ومضى يصبُّ عليه من فحش السباب سياط نار
فرمى به الغضبُ الجريحُ إلى متاهاتِ الألمْ
ومحتْ معالمَ دربه من عينه دفقات دمْ
جنَّت كرامتهُ، وأجهشت الخواطرُ في ضميره
ورمى السماءَ بنظرةٍ خرساءَ تُفصِح عن شعوره
رباه إن نصبْر نمتْ بالجوعِ ميتة نافق
وإذا اختلسنا القرصَ جُوزينا جزاءَ السارقِ
رحماك ربيِّ هل أظلُّ له مدى الأعوام عبدا؟
ما كنتُ أحسبُ أن يكونَ الدَينُ للإنسانِ قيدًا
5
وطوى على الجرحِ النزيف جناح نسرٍ موثق
ومضى يخبُّ على الطريق بكبرياء المحنق
وأطلَّ من بين الزحام عليه (أحمد) بابتسام
الحبُّ يورق في مُحيَّاه ويَخْضَلُّ السلام
وأشارَ يستدنيه منه ويبتديه بالسؤال
ويضمدُ الجرحَ العميقَ بكلِّ لطفٍ واحتفال
يصغي لأدمعه ويفتح صدره لشكاته
ويظلُّ يوغل في مجاهل نفسه وحياته
فأحسَّ أشواكَ المآسي أنشبت فيه المخالبْ
واستنفدت طاقاتِه فتبلدت فيه المواهب
وكما تهزُّ الأريحية قلب إنسانٍ حنون
فيغوصُ في التَّيار ينتشل الغريق من المنون
أحنى عليه يهزُّ في أعماقه روح الكفاح
وانصاع يبذر في موات صعيدها حب الطَّماح
وأسَّره: ستنال عندي الحبَّ والكسبَ الوفير
فأعد إلى شفتيك بسمتها، وللنفس الحبور
***
 
طباعة

تعليق

 القراءات :289  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 235 من 271
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور محمد خير البقاعي

رفد المكتبة العربية بخمسة عشر مؤلفاً في النقد والفكر والترجمة.