شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
جهود الرواد
هو أحد الفنون الإسلامية، إن لم يكن أهمها. يعتبر ذا وظيفة معينة تتضح في النماذج الخطية التي أثبتت براعة الفنان المسلم وحريته في التعبير والربط بين الوحدات الخطية والزخرفية. ومن المؤكد أن يد الفنان المسلم كانت امتداداً شعورياً لعقيدته. فلم يتجه إلى الصور والشخوص وإنما للحروف التي قام بتطويعها فحملت صفات الحركة والإيقاع والتجريد. والخط العربي أنواع كثيرة منها الكوفي، أصل الخطوط العربية جميعاً، وقد سماه بعضهم ((بخط الجزم)) وفسروا كلمة الجزم بأن الخط الكوفي مقتطع من الخط الحميري أو الخط المسند وآخرون قالوا: إن هذه التسمية تعود إلى بداية نشأته بمدينة الكوفة. ويتميز الخط الكوفي عن غيره من الخطوط العربية بما يتمتع به من زخرفة مضلعة وشدة استقامته تقوم على الزوايا والاستعمال الماهر للخطوط الهندسية. ومن الغريب أن تلك الزوايا الهندسية التي دخلت بثقلها في تنفيذ هذا الخط لم تكن تمثل عقبة في ذاتها، بل على العكس سهلت وأعطت تأكيداً لشخصية الفنان وعطائه الذاتي ويتضح ذلك في الخط الكوفي الهندسي بأنواعه المختلفة: المثلث، المسدس، المثمن، المستدير، الكوفي المورق، وفيه كانت تستعمل الزخرفة المستوحاة من الطبيعة. فنجد الحروف القائمة والمستلقية على شكل سيقان تحمل وريقات نباتية مختلفة. وتعتبر النقوش الموجودة على الجامع الحاكمي أشهر الأفاريز المورقة في مصر. ومنها انتقلت إلى فارس.
ومن الكوفي أيضاً، الخط ذو الأرضية النباتية. وفيه تملأ الزخارف النباتية اللولبية الفراغات الموجودة حول الحروف. وأحسن الأمثلة عليها نوع الكتابة الموجودة في مدرسة السلطان حسن بالقاهرة.
أما الكوفي المضفر فتتداخل فيه حروف الكلمة الواحدة فيما بينها أو تتداخل في الكلمتين المختلفتين خاصة المتباعدتين لتكوِّن منها إطاراً جميلاً. ويوجد هذا النوع من الخط بكثرة في ((جامع القيروان)) وأضرحة الخلفاء العباسيين ومدخل مسجد الناصر محمد بن قلاوون بالقلعة.
وإذا كان لا بد من أن نفرق بين الكتابة العربية والرسم كفن، فالخط الكوفي بأنواعه يمكن أن يعتبر أقرب إلى الرسم من أي من الأنواع الأخرى للكتابة. فهذا النوع من الخط الهندسي مليء بالسحر الخلاب. ولقد شهد القرن التاسع تطور الخط الكوفي في الشرق أو في شمال أفريقيا، وكان كل منها يختلف عن الآخر في شكله. ومن هنا اتخذت التسميات المختلفة فهناك الكوفي الفارسي والبغدادي والمغربي والأخيران أكثر حيوية وزخرفة من الكوفي الأصلي.
ولكن لا يلبث خط النسخ أن يحل محل الكوفي في كتابة المخطوطات بالأشكال المدورة والأقل عمودية بحيث تتماشى مع حركة اليد الطبيعية. ولقد كثر استعماله في الفترة ما بين القرنين 12 و 13 خصوصاً في كتابة نصوص القرآن الكريم في حين احتفظ بالخط الكوفي لكتابة عناوين السور. أما أنواع الخطوط المنشقة من النسخ فأهمها: ((الثلث)) وكان يستعمل أساساً في كتابة النصوص القرآنية إلى جانب الدواوين. وأقلامه عديدة ومرجعها إلى أصلين: التقوير والبسط والمقور، وهو المعبر عنه الآن باللية وتكون عرقاته وما في معناها منخسفة منحطة إلى أسفل كالثلث والرقاع وغيرها؛ والمبسوط المعروف حالياً باليابس وهو ما لا انخساف أو انحطاط فيه كالمحقق.
وظهر في إيران خلال القرن 13 خط التعليق على يد الخطاط الفارسي ((مير علي)) كما قدم خطاً آخر بين التعليق والنسخ مسمى بخط ((النستعليق)) واستعمل بالذات في كتابات الشاهنامة وأشعار ((نظامي)) وغيره من شعراء الفرس المشهورين. وبالرغم من أنه خط مدوّر يتميز ((النستعليق)) بالوضوح والثبات. ولذلك ساد أسلوبه معظم المخطوطات الفارسيات الصغيرة.
كان ((ابن مقلة)) (866 ـ 940م) من الشخصيات الفنية التي أدت دوراً كبيراً في تطوير الخط العربي. أرسى دعائمه على أساسيات ثابتة وتبنى خصائص هذه الأساسيات الهندسية في الخط العربي بصفة عامة، وبالرغم من معاناته في حياته الخاصة فإنه اهتم بالكتابة العربية؛ إذ كان الخط العربي المنمق طريقاً إلى المناصب الحكومية ويدفع صاحبه للمجد الوظيفي. فشغل ابن مقلة منصب الوزير (ثلاث مرات) في عهد العباسيين ببغداد. كما ابتدع الخط النسخ والأساليب الأخرى الستة في فن الكتابة العربية بجانب ما أدخله على الحروف من تقنيات قياسية ومؤثرات رياضية.
وجاء بعد ذلك ((ابن البواب))، فأسس أيضاً مدرسة في الخط العربي واستمر أثرها لمدة طويلة ونسب إليه ابتكار خط المحقق والريحاني. وكانت له تحقيقات رئيسية في وضع وتوسيع أساسيات النظام الخطي الذي سبقه إليه ابن مقلة بل زاد عليها في أناقة الخط وتناغم الحروف.
ثالث الرواد هو ((ياقوت المستعصمي)) في القرن 13 الذي تبنى نظامي ابن مقلة الهندسي وابن البواب الرياضي. وأبدع في تطويع الخط العربي ولا سيما النصوص الكريمة والأحاديث الشريفة.
وكان تلاميذ هؤلاء النجوم يتكسبون من أعمال أخرى. فلم تكن حرفة الكتابة العربية مصدر رزقهم الوحيد إلا في حالات نادرة مثل من كانوا يقومون بعملية نسخ الكتب ويعملون في الرواقة نتيجة لحركة التأليف والترجمة التي ظهرت في أوائل العصر العباسي. كما أدّى الخطاطون العرب دوراً كبيراً في الفنون الإسلامية الأخرى فلم يكن فنهم منعكساً فقط في المواد الكتابية التقليدية كالمخطوطات والبردي والورق، بل انعكس فن الكتابة العربية أيضاً على الأماكن المرئية للعيان في ترحال الناس وغدوهم. وكانت بيوت الله التي يؤمها المسلمون للصلاة أهمها. فقد أضفت الفنون الكتابية العربية المنقوشة على المساجد روعة وأناقة. وبرع الفنان المسلم في إظهار قدراته حيث نالت الكتابة الدينية المنقوشة عليها إعجاب الذين يؤمونها للصلاة.
ومن رواد الخط العربي المعاصر في مصر الخطاط ((محمد سعد إبراهيم الحداد)) ويحدثنا عن رحلة الخط العربي، فيقول: لا بد أولاً من إطلالة تاريخية على هذا التراث لوضع النقط فوق الحروف. فأول الخطوط العربية ((الحجازي)) غير المنقوط الذي كتبت به المصاحف وسمي بالخط الكوفي تيمناً بمدينة الكوفة. وقد أخذ عن الخط الحيري أو الأنباري والمستنبط من الخط النبطي خط أنباط العراق وجاء ((أبو الأسود الدؤلي)) ثم ((نصر بن عاصم)) و((يحيى بن يعمر العدواني)) ووضعوا النقط. وذلك عند اختلاط العرب بالعجم وامتداد الفتوحات الإسلامية. وباتساع رقعة الإسلام كثر بالتالي الخلط واللبس في الكلمات فكان لا بد من تحديد الشكل بالنقط وهذه قام بها أبو الأسود الدؤلي حيث كانوا يضعون الفتحة نقطة فوق الحرف. والكسرة نقطة من تحت الحرف وتتكرر نقطتان في التنوين. وكان هذا من المداد نفسه. ثم أعقب ذلك تمييز الإبهام في الحروف بوضع نقط للحروف المتشابهة مثل الباء والتاء والثاء والدال والذال والطاء والظاء والصاد والضاد. وهذه قام بها نصر بن عاصم وكان على الكاتب أن يستعمل نوعين من المداد، الأسود للنقط والأحمر للشكل.
وقد بدأ ابن مقلة في تحديد الشكل بأن وضع ألف نائمة فوق الحرف للفتح وتحت الحرف للكسر ووضع واواً عند الضم وواوين عند التنوين على الحرف الأخير من الكلمة.
وكان القرآن الكريم السبب في تجويد الخط والزخارف الإسلامية. وفيه رأى العرب فناً يبعدهم عن الوثنية والتماثيل والصور. فاستلهموا من النباتات وفروعها وأوراقها هذه الأنماط الجميلة التي امتازت بالتدني والدوران والإيقاع الموسيقي والترديد والتوافق النغمي وكذلك الوحدات الهندسية الرائعة. ولا شك في أن الفنان العربي اتفق على وضع قواعد ومعايير حسية ومقاييس جمالية ولكن بعد الدراسة الأكاديمية المستفيضة أصبح كل واحد منهم يضفي عليها من روحه وأحاسيسه ما يؤكد به شخصيته. فإذا جنح الفنان إلى التطور أتم ذلك دون مروق أو اشتطاط أو نبذ للأصول واقتلاع للجذور بل استلهاماً من الموروث الحضاري القديم.
وقد قيل: إن الخط الهندسي روحانية ظهرت بآلة جسمانية، تضعف بالترك وتقوى بالإدمان فإن جودت قلمك جودت خطك، وإن أهملت قلمك أهملت خطك!
والخط للأمير جمال، وللغني كمال، وللفقير مال. والفنان الناجح هو الذي يعرف كيف يستعمل الحروف ويجعلها في تكوين انسيابي ويعرف أيضاً كيف يتعامل مع الفراغات والمساحات البيضاء مثلما يتعامل تماماً مع المساحات والكتل السوداء وذلك عند التقاء الحروف وتكوينها وتداخلها وترابطها. وتأتي الكلمات في التكوين كأنه بنيان مرصوص الهيكل وتصميم أساسي، بنية متكاملة، إذا سقط جزء منه تداعت بقية الأجزاء والحروف.
والحروف في التكوين هي الدعامة والركيزة للبنيان. والبناء الهيكلي المعماري هو السمة التي أضافها الفنان المصري. وهي اللمسة المتميزة التي أضفاها على الخط العربي.
ويكمل الفنان محمد سعد الحداد حديثه فيقول: ومنذ أن أنشئت مدرسة تحسين الخطوط الملكية سنة 1923 كان لمصر القدم العليا والنصيب الأوفى في تجويد هذا التراث. وتفجرت مواهب فذة تفاعلت مع جميع أنماط ذاك الفن. وكان هذا العهد مصدراً للإشعاع الفني. فيه تفوق كثير من الفنانين على أنفسهم. فأضافوا إلى الخط الثلث التلوينات المعمارية. وإلى الخط الكوفي التشكيلات الهندسية والزخرفية وفن التذهيب. وأخذت مصر عن العجم الخط المعروف بالنستعليق. وتأثر فنانوها بما كتبه عماد الحسني. وقد تلقى الخطاطون الأتراك هذا النوع من الخط ولكن ما كتبوه كان بعيداً عن الحس الفني للخطاط الفارسي. كما أخذته دولة الباكستان التي تتعامل لغتها مع الحروف العربية فحافظت على روحه وملامحه وجوهره.
أما الخطاط المصري فكان له قصب السبق في هذا المضمار ومنهم الأساتذة محمد حسني، سيد إبراهيم، نجيب هواويني، وغيرهم كما أنجبت مصر أيضاً في خط الرقعة الفنان الراحل محمد رضوان الذي تفوق بدوره على الأستاذ محمد عزت في خطي الثلث والرقعة ومحمد عبد القادر الفنان الموهوب.
ومن الرواد الأوائل للخط العربي في مصر محمد مؤنس أفندي الذي تتلمذ عليه مشاهير الخطاطين في عصره ومحمد جعفر بك ومحمد إبراهيم الأفندي والشيخ علي بدوي وسيد إبراهيم الذي لم يدركه لكنه درس آثاره في مدرسة دار العلوم، وكانت دار محمد مؤنس المدرسة الأولى لتعليم الخط في مصر يؤمها كثير من محبي هذا الفن. وفي الوقت نفسه كان تلاميذه يقومون بتدريس الخط في الأزهر ودار العلوم ومدارس التوفيقية والشيخ صالح وخليل آغا
 
طباعة

تعليق

 القراءات :589  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 119 من 155
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

محمد عبد الصمد فدا

[سابق عصره: 2007]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج