أول من وضع الخط.. |
نفر من طيئ وتعلمه منهم شيبة بن ربيعة في مكة المكرمة |
ذكر أبو المنذر هشام بن محمد بن السائب الكلبي عن أبيه قال: أول من وضع الخط نفر من طيئ وهم مرامر بن مرة وأسلم بن سدرة وعامر بن جدرة فساروا إلى مكة المكرمة فتعلمه منهم شيبة بن ربيعة وأبو الحارث بن سفيان بن عبد سفيان بن الحارث المطلب وهشام بن المغيرة المخزومي ثم أتوا الأنبار فتعلم نفر منهم ثم أتوا الحيرة وعلموه جماعة منهم سفيان بن مجاشع وولده، يسمون بالكوفة بني الكاتب. |
ثم أتوا الشام فعلموه جماعة فانتهت الكتابة إلى رجلين من أهل لشام يقال لهما الضحاك وإسحاق بن حماد وكانا يخطان الجليل، فأخذ إبراهيم بن السنجري الخط الجليل عن إسحاق بن حماد واخترع منه خطاً أخف منه فسماه الثلثين، وكان أخط أهل دهره بقلم الثلثين ثم اخترع قلماً أخف منه وسماه الثلث. |
وكان يوسف بن المغيس إذ أخذ عن إسحاق الخط الجليل اخترع منه قلماً آخر من الجليل، وهو القلم الذي أمر الفضل بن سهل حركات الكتابة والتحرير به وسماه الرئاسي. ثم أخذ ابن الأحول عن ابن السنجري الثلثين والثلث واخترع منهما قلماً سماه النصف وقلماً آخر سماه خفيف النصف وقلماً أخف من الثلث وسماه خفيف الثلث وقلماً سماه المسلسل متصل الحروف لا ينفصل بعضها من بعض وسماه غبار الحلبة، وقلماً سماه خط المؤتمرات وقلماً سماه المدمج وقلماً سماه الطوماري. |
وكان محمد بن عبد الملك الزيات يعجب بخطه ولا يكتب بين يديه غيره وكان حيوان أخو الأحول أخط من الأحول فأمر ابن الزيات ألا تكون الكتب إلا بخطه فاحتضره الموت حدثاً. وكان أهل الأنبار يكتبون المشق وهو خط فيه خفة والعرب تقول مشقة الرمح إذ طعنه طعناً خفيفاً متتابعاً. قال ذو الرمة يصف ثوراً وكلاباً: |
فكر يمشق طعناً في جواشنها |
كأنه الأجر في الإقبال يحتسب |
|
ولأهل الحيرة خط الجزم وهو خط المصاحف فتعلم منهم أهل الكوفة وخط أهل الشام الجليل يكتبون به المصاحف والسجلات. |
يذكر القيرواني أن بعض الكتّاب سأل عن الخط ومتى يمكن أن يوصف بالجودة. فقيل له: إذا اعتدلت أقسامه، وطالت ألفه ولامه، واستقامت سطوره: وضاهى صعوده حدوره، وتفتحت عيونه، ولم تشتبه راؤه ونونه، وأشرق قرطاسه. وأظلمت أنفاسه. ولم تختلف أجناسه. وأسرع إلى العيون تصوره. وإلى العقول تثمره. وقدرت فصوله. واندمجت أصوله، وتناسب دقيقه وجليله، وخرج من نمط الوراقين. وبعد عن تصنع المحتبرين. وقام لصاحبه مقام النسبة والحيلة. |
هناك قصيدة طويلة لابن البواب في وصف صناعة الخط يقول فيها: |
يا من يريد إجادة التحرير |
ويروم حسن الخط والتصوير |
إن كان عزمك في الكتابة صادقاً |
فارغب إلى مولاك في التيسير |
أعدد من الأقلام كل مثقف |
صلب يصوغ صياغة التحبير |
وإذا عمدت لبريه فتوخه |
عند القياس بأوسط التقدير |
انظر إلى طرفيه اجعل بريه |
من جانب التدقيق والتحضير |
واجعل لجلفته قواماً عادلاً |
يخلو عن التطويل والتقصير |
والشق وسطه ليبقى بريه |
من جانبيه مشاكل التقدير |
حتى إذا أتقنت ذلك كله |
اتقان طب بالمراد خبير |
فاصرف لرأي الخط عزمك كله |
فالخط فيه جملة التدبير |
لا تطمعن في أن أبوح بسره |
إني أضن بسره المستور |
لكن جملة ما أقول بأنه |
ما بين تحريف إلى تدوير |
وألف دواتك بالدخان مدبراً |
بالخل أو بالحصرم المعصور |
وأضف إليه مغرة قد صولت |
مع أصفر الزرنيخ والكافور |
لا تخجلن من الردىء تخطه |
في أول التمثيل والتسطير |
|
ومن الخط نصل إلى الدواة أو المحبرة. وتقول العرب لصوفة الدواة قبل أن تبل بالمداد البوهة والموارة. |
أما إذا بلت فهي الليقة وجمعها ليق. وفي اللغة يقال: لقت الدوة أي أنها مليقة، وألقتها أي أنها مُلاقة. وقد يقال لها ليقة قبل أن تبل بالمداد فتسمى بما تؤول إليه كما يقال للكبش: ذبح وذبيحة قبل أن تذبح وللصيد رمية قبل أن ترمى. والعرب تقول: بئس الرمية الأرنب، وقال الله تعالى في كتابه العزيز: وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (الصافات: 107). فإذا عظمت الصوفة فهي الهرشفة. فإذا كانت قطنة فهي العطبة والكرسفة والقطن كله يُقال له العطب والكرسف. |
ويقال من الكرسفة: كرسفت الدواة كرسفة وكرسفا والمداد يذكر ويؤنث فيقال هو المُداد وهي المداد ويقال له نِِقس بكسر النون فأما النَقس بفتح النون فمصدر نقست الدواة، إذا جعلت فيها نقساً. وقد حكى ابن قتيبة في كتاب ((آلات الكتاب)) إنه يقال للمداد نقس ونقس بالكسر وبالفتح. قال والكسر أفصح وأعرب. ويقال مددت الدواة أمدها مداً إذا جعلت فيها مداداً. وإذا أمرت أن يأخذ بالقلم من المداد قلت استمددته، إذا سألته أن يمدك، وحكى الخليل مدَّني وامدني أي أعطني من مداد دواتك وكل شيء زاد فهو مداد له. قال الأخطل: |
رأوا بارقات بالأكف كأنها |
مصابيح سرجٌ أوقدت بمداد |
|
يعني الزيت والحبر من المداد مكسور لا غير. |
فأما العالم فيقال له: حبر وحبر. وقال بعض النحويين سمي المداد حبراً باسم العالم كأنهم أرادوا مداد حبر فحذفوا المضاف، ولو قاله صحيحاً لقالوا للمداد حبر بالفتح أيضاً والأشبه أن يكون سمي بذلك لأنه يحسن الكتاب من قولهم حبرت الشيء إذا أحسنته. ويقال للجمال حبر وسِبر. وفي الحديث ((يخرج من النار رجل قد ذهب حبره وسبره)) فإذا قيل مداد حبر فكأنه قيل مداد زينة وجمال ويجوز أن يكون مشتقاً من الحبر والحبار وهو الأثر. سمي بذلك لتأثيره في الكتاب. |
قال الشاعر: |
لقد اشمتت بي أهل فيد وغادرت |
بجسمي حبراً بنتُ مصان باديا |
|
ويقال: أمّهت الدواة وموّهتها إذا جعلت فيها ماء فإذا أمرت من ذلك قلت: أمّهْ دواتك وموّهْ: |
ووصف بعضهم المحبرة شعراً بديعاً بقوله: |
ولقد مضيت إلى المتحدث آنفاً |
وإذا بحضرته ظباء رتعُ |
وإذا ظباء الإنس تكتب كل ما |
يملي وتحفظ ما يقول وتسمع |
يتجاذبون الحبر من ملومة |
بيضاء تحملها علائق أربع |
من خالص البلور غيّر لونها |
فكأنها سيجٌ يلوح ويلمع |
إن نكّسوها لم تسل ومليكها |
فيما حوته عاجلاً لا يطمع |
ومتى أمالوها لرشف رضابها |
أداه فوها وهي لا تتمنع |
وكأنها قلبي يضن بسره |
أبدأ ويكتم كل ما يستودع |
|