ما أتعس أن أقضي كل حياتي في عتمة مكتب |
نفس الوجه المرمي على الطاولة السوداء |
نفس الزمن المترهل في الخل ونفس الأوراق الملساء |
نفس الحق المتسائل عن حقي |
وعلى الحائط مازال اسمك يا وطني |
يا وجهي في الخيبة والجبن |
مازال اسمك يوشك أن يفتح عيني |
يمد ذراعيه.. يقول تعال إلي |
يتدلى الموت بحرفين من السقف بحبلين من السقف |
من المصلوب بحبليه؟.. من المصلوب؟.. أجبني |
يا نجل ذراعيه.. فلقد أرهقني وجهي المرمي |
على الطاولة السوداء.. وتعبت من التوقيع |
على كذب سيذاع صباح مساء |
* * * |
ما أتعس أن أقضي كل حياتي في عتمة مكتب مصلوباً ما بين الألفيين الكوفيين وبين الحرف المتسائل عن حقي. |
كان صديق لي أهداني في يوم ما ديوان المتنبي للبرقوقي. |
حدثني عن فجر قد يأتي براقاً كالسيف وقتالاً كالسيف |
حدثني عن معنى أبعد من شكل الحرف |
صباح الخير.. القهوة تأخذها في الشرفة |
القهوة لا تنسَ مُرّة |
وأنا أكرهها مُرّة.. أكره هذا الدرب الأسود |
في قعر الفنجان وأكره حتى الحبر الأسود |
حتى الألف.. لا تكفر لن تغفر هذه الكفرة |
مُرّة أجل مُرّة، فمصاب بالسكر لا يأخذ قهوته إلا مُرّة |
كيف أصبت به؟ ومتى؟ |
لا تسأل.. لا تسأل |
وتذكرت الحي ومدرسة الحي وأستاذ الدين |
أفهمتم يا طلاب.. أسمعتم يا طلاب |
لكننا لم نسمع، لم نفهم، وكبرنا.. صرنا أكبر |
من أن نحشي الجيم المعقوفة |
وأكبر من أن يجرحنا سيف السلطة بالسين |
ورأينا كل أصابع أطفال الحي تشير إليه.. |
بوركتم يا وجه الثورة.. بوركتم يا وجه القرن العشرين |
كيف أصبت به؟.. ومتى؟ |
آه لو تعلم أن الثورة في القرن العشرين |
لا تهدي الثوار سوى السكري.. والقرحة |
والقهوة مُرّة |
وأنا كنت من الثوار.. |
وعرفت النوم على |
الإسمنت البارد كالقرن العشرين.. |
وعرفت |
السجانين الثوار.. |
وعرفت المسجونين الثوار |
وعرفت بأن الثورة قد تقلع ظفري.. |
قد تولج |
شرطياً في صدري.. |
ورأيت أنامله في عيني |
تقول ((أنت الملعون فكن طعماً للنار)). |
ثم تعمل للنار بالسكري والقرحة والقهوة مُرّة |
والثورة صارت هذين الألفين القدسيين |
وهذا الرأس المرمي على الطاولة هندسي |
لم يفهم فراشي شيء.. حياً وكما عُود حيا |
في الألفين الثورة.. في رأسي المرمي الثورة |
أحنى قامته العطشى وبلهفة سد على الباب |
على الألفين الكوفَّيين.. على اسمك يا.. وطني |
وغرقنا في صمت الغرفة |
لكن وراء الأبواب المسدودة مازال لنا وعد |
بالثورة.. |
ما زال لنا من يحلم بالثورة.. |
من يدري قد لا يشرب قهوته مُرّة |