القاعة.. ذات القاعة |
بكراسيها وبصوت مناديها |
بعيون كلاب الصيد المخروزة |
في لحم أضاحيها |
نفس الياقات البيضاء |
ونفس الأحذية اللماعة |
والزمن المتخر في الساعة |
ما زال كما.. صه لا تحكي |
واللوحة ما زالت ذات اللوحة |
منذ العهد التركي |
العدل أساس الملك |
كذب.. كذب كَذِبٌ |
الملك أساس العدل |
إن تملك سكيناً تملك حقك في قتل |
صه لا تحكي.. ما أكذبهم |
ما ألعنهم.. العدل أساس الملك |
أوشك أن أضحك |
لولا أني أترسم في الضنك |
فأوشك أن أبكي |
صه.. لا تحكي.. اصمت.. اصمت.. اصمت |
صمت.. وها أَنِّي أسقط في بعدي الأول |
وجهي يغرق في وجهي |
عيني تبحث عن حي |
ها أَنِّي أتمزق بين اثنين |
رجل يصمت.. في فخر يسأل |
باسم الشعب.. باسم القانون |
سنحاكم هذا الوجه المتجهم كالأرض البور الخائبة اللعنة |
سنسمر في باب القاعة كفيه |
وسنحفر في عينيه الجنة |
إنها أكبر عدلك يا شعب |
ما أكبر ظلمك في القائل باسمك يا شعبي |
ما أوسع غيري.. فلأجلي ذلك الشعب المدفون |
ولأجلي ثاروا الشعب وثاروا القانون |
ولأجلي سيكون الكل بلا ذنب |
فأنا وحدي المقتول بقتل أبي |
والذنب وحيد مثلي |
ما اسمك؟.. لم أعرف لي اسما |
لا أذكر ما اسمي.. فلقد ماتت أمي وأنا |
لم أولد بعد بمعنى فاسمي |
ولأني لم أحمل اسماً.. لم أعرف من كانت لي أماً |
أقتلت أباك.. أقتلت أباك.. سمو القاتل |
محموداً أو أحمد.. مسعوداً أو أسعد |
سموه اسماً يدنيه من الصلب |
دم المجرم عرس الشعب |
دم المجرم عرس الشعب.. الشعب الشعب |
ماذا قلتم؟ وبماذا تفتون |
فليعدم.. يعدم.. فليعدم |
باسم العدل سيعدم.. باسم الشعب سيعدم |
باسم القانون.. لا تغسل كفيك فلن تندم |
* * * |
لا شيء سوى الدم الدم الدم |
إن خفت تسترت بجوعي عن خوفي |
وكبرت على ضعفي |
إن جعت اقتت بجوعي ومددت يدي لجياع خلفي |
وإذا جفت شفتي يبست كبحيرة صيفي |
أوسعت لها جرحاً في كفي خبأت به صمتي |
خبأت به شفتي |
وكبرت على ضعفي.. ومشيت لبلوغ الناس |
لممت خطاهم.. لممت رؤاهم.. ما يسقط منهم في رقم أو حرف |
وعلمت بأن السرّاق هم الوجه الآخر للحرّاس |
وعلمت بأني بين الناس وجهان لهذا العبد |
وذاك الخاسئ |
وعلمت بأني في الجيل الشامخ حدبة كهف |
فكبرت على ضعفي |
ما خِنْتُ ولا شِنْتُ ولا كُنْتُ |
إلا الموت الناضر في حد السيف |
والمقت المترصد في الجوع وفي الخوف |
فاعتقني يا زمن النزف |
أنزل إبليسك عن كتفي |
سأدك جبالهموا.. سادك كهوفهموا |
وسأوقظ في موتهموا.. حتفي |
صه.. لا تحكي.. لا تحكي |
لا.. لن أسكت لن أسكت.. لن |
يا أنت الحجر الساقط في الموت بلا مأساة |
كن موتي.. كن جرحاً في كفي.. كن أنت الخالد |
في الإنسان بلا موت. |
ماذا قلتم؟ وبماذا تفتون؟ |
فليعدم.. يعدم.. فليعدم |
باسم العدل سيعدم.. باسم الشعب سيعدم |
باسم القانون |
أكره أن أشنق في مفارق الطرق |
تشنق في.. ترجم في.. تحرق في مفارق الطرق |
ولن تكون ساعة لقرية أو مرتجى مدينة |
ولن تكون ملتقى دروبنا في منية |
هنا على مفارق الطرق.. غداً تصير مسرداً للريح |
والرمال والغسق.. وتنتهي.. لا جبهة |
ولا دماً ولا ثمن |
وذلك الملقى؟ |
أجل.. وذلك الملقى هوى أضاء درباً واحترق |
كذبتنا.. لا شيء غير غنيمة للصقر الجائع |
لا شيء سوى جمجمة تصفر فيها الريح |
لا شيء سواك مأتماً وميتاً ملقى على مفارق الطرق |
يا أيها الناس.. أيتها المآذن الولهى ويا أجراس |
من يوقد النار له.. أنا.. أنا.. أنا |
من يغرز المسمار في كفيه.. من |
أنا.. أنا.. أنا |
من يجمع الحجارة لنرجمه |
أنا.. أنا.. أنا |
يا أيها الناس.. يا وجهي الآخر في الإنسان |
يا وجهي الآخر في المسمار والنيران |
متى؟.. متى تدرك أن من أتى بوجهك الحي يظل حياً؟ |
يبعث من مسمارك الغارز في راحته نبياً |
تكذب يا مجنون.. تكذب.. فالمسمار درب المطرقا |
جرفت يا ملعون |
يا وجهي الآخر في الإنسان إلى متى |
تصير لي في مرة سنبلة وألف ألف مرة |
تصير للموتى وحبل المشنقة؟ |