شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
كلمة الدكتور غازي القصيبي
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
أصحاب السعادة، أيها الإخوة والأخوات ((السلام عليكم ورحمة الله وبركاته)).
ربما نختفي في أهداب الشعر من أنياب السياسة ونستظل بغيمة الشعر من شمس النثر، ونهرب على جناح الشعر من لحظات اليأس ويأس اللحظات. والشعر العربي هو الحجون والصفا، وهو وادي العقيق، وهو صدى نجد، وهو عيون المها بين الرصافة والجسر، وهو ليلة جميلة في العراق، وهو دار الندامى وأنشودة المطر، هو العراق الذي نعرف، العراق الذي نعشق، العراق الشعر، فقد كان الأسبوع الماضي بالنسبة إلي مليئاً بالأحداث، فقد قدمت أوراق اعتمادي في لندن وقدمت أوراق اعتمادي في دبلن، وسمعت من إذاعة ما أنني انتقلت إلى رحمة الله. وإني إلى رحمة الله لمحتاج في الدنيا وفي الآخرة. وإني لأرجو من رحمته أن يكون خير أيامي يوم ألقاه. وقد قرأت في صحيفة أخرى أني اشتبكت في معركة عنيفة بالأيدي، وقرأت في صحيفة ثالثة أن حوتاً التهمني وأنا أقرض الشعر في أعماق بحيرة المتوكل (ضحك) والله المستعان على ما يصفون.
على أن هذه الأحداث ما صح منها وما لم يصح تهم السفير لكنها لا تهم الشاعر، أما الشاعر فأهم ما قام به منذ أن وصل إلى لندن، هو أن يحظى الليلة بصحبة عملاق من عمالقة الشعر العربي، وكل ما أتمنى ألا أقرأ في الصباح أني اشتبكت معه في معركة. (ضحك) وكل ما أرجوه أن يكون أخونا الملحق الإعلامي قد قضى على حيتان المركز قبل وصولي (ضحك).
ولد شاعرنا في سنة حاسمة من تاريخ الشعر العربي؛ فقد ولد معه في السنة نفسها الشاعران السياب والبياتي، ويشاء قدر الشعر العربي أن يتولى هؤلاء الثلاثة قيادة ملحمة التجديد في الأربعينيات. وقد كان هذا التجديد هو تجديد الميلاد لا تجديد الموت؛ التجديد الأمانة لا التجديد الخيانة؛ التجديد البناء لا التجديد الهدم؛ التجديد الذي ظل صادقاً مع التراث، صدقه مع معاناة الأمس وتطلعات الغد. وكان شاعرنا في مقدمة هذه الملحمة ولا يزال بعد أربعين سنة في مقدمة هذه الملحمة، شاب القلب شاب الكلمة، فتى الروح، فتى التعبير، مقيماً على عهد الأصالة، أصيلاً مع قدر التجديد، فكأنما نقرأ في أسماء دواوينه تاريخ هذه المنطقة الدامي عبر هذه السنين الدامية، مع خفقة الطين كانت حنايا المنطقة تخفق بشوق إلى غد أجمل وكانت أغاني المدينة عن الحب والحرية والسلام والعدالة، كانت تطمع في أن تقول لأبنائها المنتصرين: جئتم مع الفجر إلا أن الخطى لم تنطلق إلى النصر. أصبحت خطوات في الغربة، ورحلة الحروف كانت رحلة مع المعاناة. وجاءت مأساة بيروت، وجاء معها إلى بيروت مع تحياتي، وكأنما كان شاعرنا العظيم يتنبأ بالنفق المظلم الأسود الراهن، عندما سمى آخر دواوينه ((أبواب إلى البيت الأبيض ـ أبواب إلى البيت الضيق)). وما أروع أن يجيء هذا الشاعر العربي العظيم من عائلة كردية، كما تحدَّر صلاح الدين العظيم من الجبل الأشم نفسه، كما جاء البخاري العظيم من بخارى، كما جاء الخالدون من كل ركن من أركان الحضارة الإسلامية، قبل أن نأخذ من الغرب أسوأ ما فيه، العنصرية التي تقدس العرق باسم الإنسانية، ونهجر من تاريخنا أروع ما فيه، التسامح الذي يسع الدنيا بأسرها، هذا التسامح الذي عبرت عنه كلمة رائعة للخليفة الشاعر الراشد علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) عندما قال: والناس إما لك أخ في الدين أو شريك لك في الخلق.
لا نلتقي الليلة بشاعر عادي، بل نلتقي بقطعة نابغة مجيدة من الشعر العربي، كلنا في هذه القاعة الصغيرة، كل واحد منا، يجب أن يقول لأبنائه ولأبنائهم: إنه كان من محاسن قدرنا أن نجتمع ذات ليلة في الغربة بعيداً من الحجون والصفا، كان من قدرنا أن نلتقي ذات ليلة في لندن بلند الحيدري وشكراً (تصفيق).
 
طباعة

تعليق

 القراءات :580  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 89 من 155
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعد عبد العزيز مصلوح

أحد علماء الأسلوب الإحصائي اللغوي ، وأحد أعلام الدراسات اللسانية، وأحد أعمدة الترجمة في المنطقة العربية، وأحد الأكاديميين، الذين زاوجوا بين الشعر، والبحث، واللغة، له أكثر من 30 مؤلفا في اللسانيات والترجمة، والنقد الأدبي، واللغة، قادم خصيصا من الكويت الشقيق.