شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
على ذمة الظاهري..
الموت بشهقة حب غير ممكن
العشق مراتب وأحلاه وصل بعد حرمان
في إطار الأنشطة الثقافية التي تنظمها الرئاسة العامة لرعاية الشباب بالتعاون مع سفارة المملكة العربية السعودية في بريطانيا، أقيمت ندوة في الملحقية الثقافية السعودية في لندن. ألقى فيها الشيخ أبو عبد الرحمن بن عقيل الظاهري محاضرة تحت عنوان (كيف يموت العشاق؟).
افتتح الندوة الملحق الثقافي السعودي عبد الله الناصر، شاكراً رعاية الشباب وجمعية الفنون والثقافة على تنظيم مثل هذا النشاط. وقال: إن الشيخ المحاضر هو ظاهرة علمية متميزة ومتفردة، ضرب في آفاق كثيرة، يتحدث ويكتب في شؤون الدين والشريعة والفقه، ملم بالشعر والأدب قديمه وحديثه، وعلوم كثيرة أخرى.
ثم تحدث سفير المملكة العربية السعودية في بريطانيا الدكتور غازي القصيبي، فرحب بالشيخ الظاهري في مدينة الضباب، فكراً أبعد ما يكون عن الضباب.
وقال: درج الناس على الحديث عن الثقافة الموسوعية، في وقت يكثر فيه التخصص الآن وتضيق مجالاته، لكن الشيخ الظاهري من المدرسة القديمة التي تعرّف المثقف بأنه الذي يأخذ من كل شيء بطرف. فله برنامج اسمه (تفسير التفاسير) يحرص عليه الكثيرون، وله بحوث لغوية ونقدية وأدبية وشعرية، وكان له ديوان من الشعر ما لبث أن تنصل منه، لكن ذلك لا يعني تنصل الديوان من الشاعر. كما أن له مباحث في الفقه، وهو الذي أحيا العلم بالمذهب الظاهري، وهو المذهب الذي كان ثورة تعود إلى الأصول، في إطار مشروعه الحضاري المتكامل عن ابن حزم.
علل القبول و الرفض :
بعد ذلك تحدث الشيخ المحاضر، فذكر أن محاضرته هي مختصر لكتاب له تحت الطبع الآن بالعنوان نفسه (كيف يموت العشاق؟). وقال: إن لهذا الحديث متعتين: الأولى دينية إخبارية عن العشاق وموتهم، والأخرى تتعلق بالتعليل العلمي لكل ما يقال من مجانية حول موت العشاق.
وذكر أنه انطلق في هذا البحث مما سمعه حول موت العشاق عن طريق العباد، منذ عهد الصبا، وهي أقاصيص تذكر في المجالس الرمضانية نقلاً عن ابن الجوزي وابن عبيد وغيرهما، لم يرتح لقبولها كلها، فهذا عابد يسمع آية فيشهق ويموت، وآخر يسمع آية فيختلج ويضطرب.
وقال: إن هذه الحكايات، وإن قبلها تراث المسلمين، ينبغي أن تناقش وتحلل على ثلاثة محامل:
الأول: محمل التوثيق التاريخي الذي ينفي أكثر هذه الحكايات.
والثاني: المحمل الذي يقبل القليل منها ويصححها ثبوتاً لكنه ينفي التعليل الذي ادعى.
والثالث: المحمل الذي يكون فيه السماع جزءاً من السبب.
وأضاف: إن شيخ الإسلام ابن تيمية لاحظ أن لسماع الذكر الحكيم، إذا سمع سماعاً مشروعاً، أثراً في النفس بلا ريب، لكن الكمَّل من الأنبياء والرسل والصحابة لم يتجاوز انفعالهم ما ذكر في القرآن الكريم من البكاء والخشوع واقشعرار الجلد.
انشغالات الشغف:
وتطرق إلى الأحوال التي وجدت عند جيل التابعين، خصوصاً أهل البصرة، وهي الاضطراب والهيام والجنون والموت بشهقة، ثم انتقلت العدوى من نساك العباد إلى ذوي التصوف الفكري.
وفي الجانب التوثيقي حول ذلك، قال: إن كثيراً مما يروى في مجالس الراعي صالح الوردي وآخرين لا يثبت ولا يصح، ولكن صحت وقائع قليلة عن بعض العباد كالعامري.
واستعرض الشيخ الظاهري، بعض العوامل التي تشي بموت العباد، وهي عوامل التطبيع والتربية، على معرفة الآخرة من الجانب اليائس، ففي مجلس صالح الوردي الذي استمر 40 عاماً، كان لا يتلو إلا آيات العذاب. وفي حالة محيي الدين بن عربي، ذكر ما توصل إليه الباحثون من أنه كان معه وسيط مستحوذ عليه، وقال: إن هذه الأحوال حصلت في ظرف حصل فيه سماع، وليس بسبب السماع نفسه.
وانتقل الشيخ الظاهري من ذلك إلى مسألة العشاق، وقال: إن ابن حزم من الرواد الذين كتبوا في مسألة الحب في كتابه (طوق الحمامة) و(مداواة النفوس)، وسبر مصير العشاق الذي سببه العشق، وقيلت حكايات عن موت بعض العشاق.
وأضاف: إن العشق هو مرادف الكلف، والكلف والعشق آخر مرحلة قبل المرحلة النهائية التي تسمى الشغف. وابن حزم، لما تكلم عن الحب، ذكر أن الحب أول ما يبدأ بالاستحسان والبهجة والسرور الذي يحدث في القلب والنفس، كمقر للمعيار الجملي، ثم يلي ذلك درجة الإعجاب، وهو أول مراحل الرغبة، ثم تأتي مرحلة الكلف. قال أبو محمد إن الأدباء والشعراء يسمونه مرحلة العشق، وهو أن ينشغل العاشق بمحبوبه، ثم تأتي مرحلة الشغف وعرَّفها بأعراضها: السهر، النحيب، الضنى، الهيام، الجنون، الموت جلداً على عظم.
وتابع: أن يوجد مصير للعشاق بموت فجائي فهذا لا يصح أبداً.
وعن حكايات العشاق ذكر أن أوسع من استعرضها هو إبراهيم بن عمر البقاعي في كتاب له لا يزال مخطوطاً، جمع فيه ثلاث موسوعات في الحب: كتاب ابن السراج (مصارع العشاق) وكتاب ابن طي وكتاب شهاب الدين محمود عن المحبين.
وقال: إن الموت بشهقة من أول نظرة غير ممكن لأن العشق يأتي قبل المرحلة النهائية، قبل فقد القدرتين: البدنية والعقلية.. فمحال أن يموت بشهقة من لم يصل إلى درجة العشق.
كما أن ابن حزم أنكر أن يكون شخص ما يعشق اثنين معاً. لأن العشق لا يتحقق إلا بفراغ القلب من كل العلائق. إنما إذا حصل الموت عند درجة الشغف فلا يعلل أنه موت بشهقة، بل إنه موت بأعباء من الضنى والنحول والسهر والنحيب واليأس، بمقدار المدة الزمنية التي تحول فيها الإنسان من الحب إلى الشغف، وما بين الحب والشغف مراحل تنقطع دونها أعناق الإبل (!).
أطماع الحب ونكساته :
وقال الظاهري: إن أمام العشاق بديلين من زوال إحدى القدرتين العقلية والبدنية، هما: الوصل والسلو.
فإذا حصل الوصل فهو من النهايات السعيدة للعشاق، وقد تغنّى ابن حزم بنعمة الوصل. جرَّب شرب الماء البارد، وجرَّب لذة الرئاسة والسلطة، وجرَّب لذة بعد الصيت، ويقول: ما وجدت ألذ وأحلى من نعمة الوصل بعد طول حرمان، إلا أن نعمة الوصل لا يسعد بها إلا من انتهى إلى درجة العشق. لكن من وصل إلى درجة الشغف لا يستفيد من نعمة الوصل، باعتبار أنه فقد إحدى القدرتين.
أما البديل الآخر، السلو، وهو بلغة البلاغيين لا يكون إلا بتخلية وتحلية. فلما عالج شيخ الإسلام ابن تيمية قضية السلو بيَّن ذلك بأن العشق لا يوجد إلا في النفوس التي نصفها برهافة الحس. ويصفها ابن تيمية بالنفوس الصافية الرياضية، التي عندها قابلية لانجذاب للمعشوق.
وتابع الظاهري أن للعشق طعمين: الأول هو الاتصال الجنسي، وهو لا يوجد في نوعين من أنواع العشاق، هما ((العذريون)) في تراثنا العربي، والرومانتيكيون في التراث الغربي. فهؤلاء ليس غاية العشق عندهم الوصل الجنسي، وإنما يسعون إلى القربى والزلفى والحظوة عند معشوقيهم. لكن الرومانتيكيين زادوا على العذريين بإضفاء قدسية تجرِّح عقيدة المسلم.
إذن فالحالة الأولى للسلو، تكون بالتخلية، أي التخلي من تكوين عادة العشق، ثم بالانجذاب إلى الله سبحانه وتعالى. وأعلى درجات الحب هي محبة الله.
وقال: إن هناك أوجهاً من السلو ليست من التطبيب الشرعي، لكنها تلقائية كهجر المحبوب، ونفاره، وأن يستحضر العاشق عيوب معشوقته.
وقال: إن أعراض العشق، من الضنى والنحول والجنون، لا تأتي في وقت قصير، ولكن بعد أعباء كثيرة من اليأس، ثم يأتي بعد ذلك الموت، أي بعد علل كثيرة، أو بصدمة خبر مفاجئ، لكنه لا يكون تعليل الموت هذا، بعلة الحب، كافياً.
وبعد إلقائه للمحاضرة الشيقة.. أجاب شيخنا على العديد من الأسئلة والاستفسارات ممن حضروا تلك الأمسية..
 
طباعة

تعليق

 القراءات :888  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 112 من 155
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج