كلمة سعادة الشيخ عبد المقصود محمد سعيد خوجه |
بسم الله الرحمن الرحيم، أحمدُك اللَّهم كما ينبغِي لجلالِ وجهكَ وعظيمِ سلطانِكَ، وأصلِّي وأسلِّمُ على سيدِنا وحبيبِنا وقدوتنا محمدٍ، وعلى آلِ بيتهِ الكرامِ الطاهرينْ وصحابتهِ أجمعينْ. |
معالي أخِي الأستاذ الدكتور ناصر بن عبد الله الصالحُ مديرُ جامعةِ أمِّ القرى.. |
الأستاذاتُ الفضلياتْ |
الأساتذةُ الأكارمْ |
السلامُ عليكم ورحمة الله وبركاته: |
كقصيدةٍ لم تكتملْ.. وومضةٍ في دفترِ الأدبِ.. مَضَى والدِي (رحِمه الله)، بعدَ أنْ أقامَه المغفورُ له الملكُ عبدُ العزيزِ (طيبَ اللهُ ثراه) رئيساً لتحريرِ جريدةِ ((أمِّ القرى)) ومديراً لمطبعتها الحكوميةِ، يومَ كانتِ النّاطقةَ باسمِ الدولةِ، حيثُ لا إذاعةَ ولا تلفزيونَ ولا جريدةَ غيرَها.. فبقِيَ في مَنْصبهِ حتى تُوفِّيَ في 13/4/1360هـ، وهو على رأسِ عملِه، لتُطْوَى صفحةُ حياتهِ على خير ما تُطْوى صفحاتُ الرجالِ الموفِينَ بعهدِهم، الحافظينَ لمواثيقِهم.. راحلاً في أَوجِ عُنفوانِ الشبابِ، وتفتحِ الإبداعْ. |
وقدْ عَرِفَ عنه معاصُروه حُبَّهُ للتجديدِ ومواكبةِ روحِ العصرِ، فجاءتْ كتاباتهُ مُتَشَبِّعَةً بتلكَ الروحِ المشرئبةِ لكلّ مَا هو جديد وجدير بالملاحظةِ والتحليلِ.. وفي الوقتِ الذي يصعبُ عليَّ التحدثُ عن والِدي لأمريْنِ: أَنَّني لم أعاصرْهُ لحداثةِ سِنّي عندَ وفاتِه ((رحمه الله)).. والثانِي مهما حاولتُ الموضوعيةَ فإنها شهادةٌ مشحونةٌ بالعواطفِ دونَ شَكّ.. لذا سأُجَيِّرُ الموقفَ لبعضِ رفاقِ دربه يومَ طُوِيتْ صفحةُ حياتهِ وعلى رأسِهم الأديبُ والصحفيُّ الأستاذُ الكبيرُ عبدُ الله عريف، أمينُ العاصمةِ المقدسةِ الأسبقُ، الذي كتبَ في ((صوتِ الحجازْ)) (كانَ محمدُ سعيد عبد المقصود ـ رحمه الله ـ حياةً في الحياةِ، وكانَ نسيجَ وَحْدهِ في الشبابِ، وما أريدُ بهذَا ـ واللَّهِ ـ أنْ أَذُمَّ الأحياءَ لحسابِ الأمواتِ، ولكنَّ ((محمدَ سعيد)). كَما يعرفُه كلُّ أحدٍ. كانَ أمةً وَحْدَهُ في هذِه البلادْ. |
كالبدرِ مِن حيثُ التفَتّ رأيتَه |
يهدِي إلى عَيْنَيْكَ نوراً ثَاقباً |
|
وخِلَّةٌ واحدةٌ تلمسُها واضحةً في حياتِه، تفسرُّ لكَ كلَّ حقائقِ حياتِه وأخلاقِه، تلكَ هي منطقُ الحيويةِ، القويةِ في نَفْسِه فَهِي مصدرُ كُلِّ مَا عرفَه فيهِ الناسُ، مِن توَفُّزٍ، وتوثّبٍ، وحبٍّ وكُرْهٍِ، وتَوَقُّدٍ وإخلاصٍ، ووفاءٍ ووطنيةٍ، وشَهَامةٍ، ونُبلٍ، وأستطيعُ أنْ أقولَ ـ غيرَ مَبَالِغٍ ـ إِنَّ فِي كلِّ حركةٍ مِن حركاتِه، بَلْ وفِي نأمةٍ مِنْ نَأمَاتِه، دَليلاً على منطق الحيويةِ القويةِ في نَفْسِه) أ.هـ. |
أما صديقُه الأستاذُ الشاعرُ الكبيرُ محمد عمر عرب ((رحمَه الله))، فَقَدْ كتَبَ في مجلةِ المنهلِ (كانَ رحمَه اللهُ شُعلةً متقدةً مِن الذكاءِ، ذَا عزيمةٍ جبارةٍ، وذِهْنيّةٍ لَمّاحةٍ، وليسَ هذَا مديحاً مُرْسَلاً لصفاتهِ وأخلاقهِ، ولكنّها حقيقةٌ واقعةٌ يعرفُها الخاصُ والعامُ مِن أصدقائِهِ ومعارفِه، سَعَى في بناءِ دارٍ للمطبعةِ في ساحةِ جَرْولْ بَلَغَ مِن فخامَتِها وَسَعَتِها أنْ ظَنَّها الناسُ ثُكْنَةً عسكريةً، وأرادَ أنْ يُخططَ أمامَها مدينةً للعمالِ.. ولكنَّ القدرَ عاجلَهُ قبلَ إتمامِ مشروعِ البِنايةِ، وبعَد أنْ قطعَ شوطاً واسعاً قَبْلَ البدءِ في مشروعِ المدينةِ التي أرادَها أو فَكَّر فِيها..) أ.هـ. |
وأشارَ صديقهُ العلاَّمةُ الأستاذُ الكبيرُ عبدُ القدوس الأنصاري ((رحمه الله))، صاحبُ المنهلِ (ومما يدلُّكَ على ذكائِه أنّنا كُنّا قَبْلَ بِضعِ سنواتٍ نقرأ ((الغِربالَ)) وصرْنَا بعدَ بُرهةٍ نقرأُ ((لأبي عبدِ المقصودِ)) وفي كلِّ نوبةٍ هذَا الكاتب يتدرجُ في معارجِ التقدمِ البيانيِّ، حتَى إذَا نهضَ ((أبو عبدِ المقصودْ)) بإخراجِ سِفْرٍ ((وَحيِ الصحراءِ)) قَدّرنَاهُ وأكبرْنَا له هِمّتَه وتضحيتَه.. هو نشاطٌ محمودٌ، وهِمّةٌ عاليةٌ، تَسْعَى للنهوضِ بِمُخْتَلِفِ أفانينِِ الحياةْ..) أ.هـ. |
أما صديقُه الشاعرُ والصحفيُّ الأستاذُ الكبيرُ فؤاد شاكر ((رحمَه الله)) فقدَ كتبَ في ((صوتِ الحجازِ)) (كانَ في سائرِ أيامِ حياتِه السّليمة مِثالاً رائعاً للنشاطِ والجِدِّ والاجتهادِ والانكبابِ على العملِ بهمةٍ لا تعرفُ الكسلَ، ولا يتطرقُ إليها المللُ، وكانَ انصرافهُ إلى حدِّ ذلك النشاطِ في إدارةِ أعمالِ وظيفتهِ، لا يعوقهُ في أداءِ واجبهِ الاجتماعيِّ نَحْوَ أصدقائِه وأخوانِه ومحبيهِ..) أ.هـ. |
كما كتبَ صديقُ دربهِ الحميمُ، المؤرخُ الثّبْتُ، والأديبُ الكبيرُ، والصحافيُّ القديرُ، الأستاذُ أحمدُ السباعي ((رحمه الله))، في مَؤلَّفِهِ الموسومِ ((أيّامِي)): (ودعَا المرحومُ محمدُ سعيد عبد المقصود إلى إبرازِ الأدبِ الحجازيِّ في مُؤَلَفٍ يُسَجِّلُ آثارَهم، فاستجابَ الشبابُ لدعوتِه في مكةَ والمدينةِ وجدةَ، وانهالتِ الرسائلُ تَحْمِلُ إنتاجَ الأدباءِ والشعراءِ فشُكِّلتْ للقُراءِ والفَحْصِ لجنةٌ كانتْ تجتمعُ يومياً حتى تمتْ لها المجموعةُ التي صدرتْ باسِم ((وَحْي الصحراءِ)) في طباعةٍ أنيقةٍ التزَم إخراجَها وأنفقَ علَيها محمدُ سعيد عبد المقصود وعاونَه على إعدادِها صديقٌ لهُ كانَ من الطلابِ يومَها هو الأستاذُ عبد الله بلخير..) أ.هـ. |
وهنا لا بُدَّ أنْ أقفَ وَقْفَة تأَمُّلٍ في وفاءٍ أصبحَ خارجَ إطارِ الزمنِ، بعدَ تلكَ القاماتِ السّامقاتِ، وهي تاريخٌ بحدِّ ذاتِها، فقدِ احتفظَ أستاذُنا السباعيُّ بصورةِ سيِّدِي الوالد بعدَ وفاتِه مُعَلَّقةً في مكتبهِ، وعندَما أقعدَهُ المرضُ احتفظَ بها في غرفةِ نومِه، وكمْ كانتْ دَهْشَتِي كبيرةً حينَ زارَني أَخَوَايَ، ابِنَاهُ الأستاذُ أسامة والدكتورُ زهير حَامِلَيْنِ تلكَ الصورةَ التي أوْصَى أنْ تُعادَ إليَّ بعدَ وفاتِه، فهلَ هناكَ وفاءٌ بعدَ ذلكَ في زمنٍ عَزّ فيهِ الوفاءُ؟ |
وأضيفُ هُنا جانِباً مما ذَكَرُه الأستاذُ الكبيرُ أحمدُ عبد الغفور عطار ((رحَمه الله)) إذْ قالَ: (كانَ رجلاً عظيماً، وكانتْ صِلَتي به قويةً جداً، فقد كانَ يُقَدِّرُ أصحابَ المواهبِ، ومِن أدبهِ وتواضعِه رَفَعَنَا إلى مكانِه العَالِي، وعلّمَنَا أنَّ الأدبَ لا يعرِفُ كبيراً ولا صغيراً في السنِ، إنما يُعرفُ الكبيرُ والصغيرُ بِقَدْرِ الإنتاج والأسلوبِ، وكانَ يشجعنا وَيُبثُّ في نَفوسِنا الثقةَ، وَيَحُثُّنَا على القراءةِ والاطلاعْ..) أ.هـ. |
ومِمّا لا شكَ فيهِ أنَّ البيئةَ الاجتماعيةَ التي أظلتْ ذلَك الرعيلَ مِن مثقفِي الوطنِ آنذاكَ كانَ لهَا أطيبُ الأثرِ في التواصلِ والتراحمِ والتعاضدِ والتكاتفِ والتكافلِ.. فنشأتْ بينَهم ألفةٌ قَلَّ نظيرُها في الوقتِ الراهنِ، وكانَ تشجيعُ الشبابِ على الدخولِ في مضمارِ العملِ الأدبيِّ مِن أبرزِ همومِهم، وأحسبُ أنَّ مَا أشارَ إليه المرحومُ أحمدُ السباعي بشأنِ مشاركةِ معالي الشيخِ عبد الله بلخير ((رحمه الله)) الذي كانَ طالباً آنذاكَ في عَملٍ بقيمةِ كتابِ ((وَحْي الصحراءِ)) لمْ تكنْ مِن فراغٍ، فالوالدُ كانَ حريصاً على زرعِ الثقةِ في النشءِ بما يعودُ عليهم وعَلى الوطنِ بالخيرِ، ويُذَكِّي فِيهم روحَ التنافسِ والاجتهادِ، فأثمرَ غَرْسُه ما شَهِدَه قادمُ الأيامِ مِن إبداعاتٍ، حتَى أطلقَ على معالِي الشيخ عبد الله بلخير شاعَر الشّبابِ. وإن اشْتُهِر بهذَا اللقبِ الشاعرُ الأستاذُ أحمدُ رامي. وكانَ الوالدُ ((رحمهُ اللَّهُ)) يُقَدِّمُ عبدَ الله بلخيرْ في الحَفَلاتِ العامة، وأمامَ جلالةِ الملكِ عبدِ العزيزِ، ((رحمه الله)) عندَ قدومِه مكةَ المكرمةِ وترحيبِ أهلِها وفَرْحَتِهم بَمَقْدَمِهِ ونائبهِ الأميرِ فيصل بن عبد العزيز آنذاكَ، مُعَبِّرينَ عَنْ فرحتِهم بكلماتِهم وقصائِدهم في تلكَ المناسباتِ العزيزةِ عليهم، مِمّا مَنَحَ أمامَ ما رواهُ معالِيه ((رحمَهُ الله)) شَفَاهَةً عندَما أَلْقَى قصيدة أمامَ طلعتِ حَرْب باشا، وكانَ رجلَ الاقتصادِ الحديثِ الأولَ في مصرَ، وكانتْ تشوبُ العلاقاتُ شائبة بينَ البلدينِ الشقيقينِ، فخاطبَ ذلكَ الفَتَى الغَضُّ طلعتْ حرَب باشا قائلاً: |
عَجَباً موقفَ الكنانةِ مِنّا |
مَا عَرَفْنَا لِسِرِّه تَعْلِيلا |
|
إلى أنْ يقولَ: |
لَوْ مشتْ مِصرُ نَحْوَ ((مكةَ)) شِبْراً |
لمشتْ ((مكةُ)) إِلى ((مصرَ)) مِيلا |
|
كما احتضنَ سيِّدِي الوالدُ أيضاً شاعرَنا الكبيرَ طاهرْ زمخشري ((رحمهما الله)) وأطلقَ عليهِ لَقَبَ الماسة السوداءْ، ونالَ بحمدِ اللَّهِ جائزةَ الدولةِ التقديريةِ كأرفعِ تكريمٍ مِن الدولةِ، وكانَ مِن الذينَ يلازمونَ سَيّدي الوالد ولا يفارقونَه ليلَ نهارْ. |
من ناحيةٍ أُخْرى فقدْ هيأ مناخُ العملِ لسيِّدِي الوالِد ((رَحِمَه الله)) فَضَاءً مُواتياًَ للانطلاق نحوَ آفاقٍ رحبةٍ للمساهمةِ في تطويرِ خطٍّ ثقافيٍّ أخذَ ينسابُ بِتُؤَدةٍ، ويُثَبِّتُ جذورَه في عُمْق التربةِ الثقافيةِ والفكريةِ والأدبيةِ، ما أحدثَ ظاهرةً ألمحتْ إليها بعضُ الكتبِ التي اهتمتْ بدراسةِ تلكَ المرحلةِ، وأجدُها فرصةً مناسبةً أنْ أدعِّمَ أقوالَ معاصريهِ من روّادِ النهضةِ الأدبيةِ بما ذكرَه بعضُ الأفاضلِ مِمّنْ غاصَ في أعمالِه وسَبَرَ عُمْقَها، لعلَّ فِي ذلكَ ما يوازِي بينَ الكفتينِ.. وفي هذَا الإطارِ كتبَ الدكتورُ محمدُ عبد الرحمن الشامخ (كانتِ الصبْغةُ الرسميةُ لجريدةِ ((أمِّ القُرى)) واضحةً في سنواتِها الأُولى ولكنَّ هذهِ الصِبْغَةَ أخذتْ تَقِلُّ في أوائلِ العقدِ الرابعِ من القرنِ العشرينِ، وبدتْ ((أُمُّ القرى)) حينئذٍ. ولا سيّما حينَ تَوَلَّى محمدُ سعيد عبد المقصود الإشرافَ على تحريرِها. كَمَا لَوْ كانتْ جريدةً غيرَ رسميةٍ، ذلكَ لأنَّ صفحاتِها قَدْ حفِلتْ بالمقالاتِ الأدبيةِ والتاريخيةِ والاجتماعيةِ التي كانَ يكتبُها محرُروها وبعضُ الأدباءِ البارزينِ مثلْ محمدُ حسن كتبي، وأحمدُ السباعي، ولقد قامتْ ((أمُّ القرى)) بدورٍ مُهِمٍّ في إنعاشِ الحركةِ الأدبيةِ..). |
كما وردَ في كتابِ ((الملكِ عبد العزيزِ في عيونِ شعراءِ صحيفة أمِّ القرَى))، الذي عُنِيتْ بِجَمْعِه وطَبْعِه دارةُ الملكِ عبدِ العزيز: (وجريدةُ ((أمِّ القرى)) أسبوعيةٌ هَدَفُها المعلنُ خدمةُ الإسلامِ والعروبةِ، وظلتِ الجريدةَ الرسميةَ الخالصةَ في سنواتها الأُولى، بحيثُ لم تهتمْ بالجوانبِ الأخرى، غيرَ أنَّ تَوَلِّي الأستاذِ المرحومْ محمد سعيد عبد المقصود الإشرافَ على تحريرِها أعطَاهَا بُعْداً أدبياً لم يكنْ لها مِن قَبْلُ، حيثُ حَفِلتْ صفحاتُها بالمقالاتِ الأدبيةِ والقصائدِ الشعريةِ، والتفَّ حولَها صفوةُ أدباءِ البلادِ، من أمثالِ الأستاذِ أحمد السباعي، ومحمد كتبي، وإذ لَمْ تَكُن الصحيفةَ الوحيدة الصادرةَ في البلادِ فإنّها الرائدةُ والموجَّهةُ، وقد أحَسّ القائمونَ عليها بهذِه الريادةِ، فمارسُوا التوجيهَ، والإرشادَ للعملِ الصحفيِّ، وبخاصةٍ ما يتعلقُ بمتُغيّرَاتِ المرحلةِ). |
وبتواضعِ الكِبارِ كتبَ العلاَّمةُ الشيخِ حمد الجاسر في ((المجلةِ العربيةِ)) (ولا أنْسَى ـ فِي مقامِ الاعترافِ بالفضلِ ـ مَا للشيخِ محمد سعيد عبد المقصود خوجه من أثرٍ بالأخذِ بيدِي، حينَ كنتُ طالباً في ((المعهدِ)) لتسديدِ اتجاهِي في مسيرِتي الأدبيةِ، وكانَ إذْ ذاكَ أَنْبَهَ الأدباءِ، وأسماهَم خُلقاً، وأرفعَهم مكانةً.. لقد كانَ يتولّى الإشرافَ على تحريرِ جريدةِ ((أمّ القرى)) وكنتُ إذْ ذاكَ أحاولُ البروزَ. كَلِدِّاتِي مِن الشبابِ. بما أقدمُه لتلكَ الجريدةِ ولـ ((صوتِ الحجازِ)) مِن كتاباتٍ فَجّةٍ مِن حقِّها أنْ تُوَأَدَ، إلاّ أنَّ سعيداً ـ رَفَع اللَّهُ في مقامِ الخُلدِ ذِكْرَهُ ـ كانَ يحاولُ ما أمكنَ تسديدَ مسيرتِي، فيستقبلُني استقبالَ المُوجِّهِ، المسرورِ الحريصِ على أنْ أستمرَ في السيرِ في ذاكَ الطريقِ.. لقَد كانَ سعيدُ رَحمَه اللَّهُ مِمّنْ يُسًرُّ بتوجيهِ الشبابِ لممارسة فَنِّ الكتابةِ، حتَى برزَ كثيرٌ منهم كالأستاذِ عبد الله عمر بلخير). |
ومما كتبَه أستاذُنا الكبيرُ محمد حسين زيدان ((رحمه الله)) عن سيدي الوالدِ في جريدةِ ((الندوةِ)) بعنوان ((رجالٌ في مكةَ المكرمةِ)) (عَرَفْتُ هذَا الكاتِبَ لا يهدأُ بالأفكارِ التي لَدَيْه، تَحَركُه صريحٌ إلى أبعدِ حَدِّ، وجَريحٌ بهذِه الصراحةِ لأبعدِ حَدِّ، كانَ حَظِيًّا في جريدةِ أمِّ القرى ومِن العجيبِ أنْ تكونَ الحظوةُ لهُ من يوسفْ ياسين ورشدي مُلحس فقدْ سَدَّ المكانَ الذي سَدّهُ حيثُ استمرتْ جريدةُ أمِّ القرى رسميةً وبهِ قَدْ كانتْ وطنيةً رسميةً وفاتَتْهُ الخطوةُ مِن الجُرأةِ والصراحةِ..) أ.هـ. |
وفي هذَا السياقِ ذكَرَ الأستاذُ الكبيرُ عزيزُ ضياء ((رحمه الله)) (فقدْ كانَ إنساناً، يملأُ علينَا حياتَنا في تلكَ الفترةِ التي عِشْنَاها قَبْلَ الحربِ العالميةِ الثانِية، وبالتحديدِ بعدَ أنْ أسسَ الملكُ عبدُ العزيز ـ يرحمُه الله ـ المملكةَ العربيةَ السعوديةَ، وكانَ محمدُ سعيد يقومُ بإصدارِِ جريدةِ أمّ القرى.. وكُلّنا يعلمُ أنّها جاءتْ في أعقابِ جريدةِ ((القِبْلةِ)) التي كانتْ تصدرُ في مكةَ، وكانَ يحرُرها الشيخُ فؤاد الخطيب، بَلْ وكانَ يحررُها كذلكَ الملكُ حسينْ بنفسِه..) أ.هـ. |
ومِمّا ذكَرَه الأستاذُ السيدُ هاشم زواوي عَنْ سيِّدِي الوالد: (عَرَفَتهُ شَاباً ذَا طاقةٍ جَبّارةٍ في العملِ والإنتاجِ، وفِي لَمِّ شَعْثِ إخوانِه الأدباءِ الذينَ كانُوا يدينونَ لهُ بالفضلِ وَرأْبِ صَدْعِهْم، وتقديمِ عطاءٍ ثَرٍّ للوطنِ والأدبِ في هذَا البلدِ الكريمِ، لقد سمعتُ مِن رئيسِ ديوانِ نائبِ جلالةِ الملكِ الشيخِ إبراهيم السليمان رحمَه الله إعجاباً بأبي عبدِ المقصود، الأستاذِ محمد سعيد، وقالَ بالحرفِ الواحدِ: كنتُ أتمنّى أنْ أكونَ مِثْلَه عطاءً وجُرأةً وصِدْقاً، فلماذَا لا يسيرُ الشباب على غِرَارهِ ومِنْوالهِ؟..) أ.هـ. |
كَما كتبَ إليَّ معالِي الأخُ الشيخُ هِشام ناظِر وزير التخطيط، وزير البترول والثروة المعدنية سابقاً، خطاباً رقيقاً بتاريخ 22/10/1422هـ ـ الموافق 6/1/2002م بمناسبة إهدائي له كتابَ ((المجموعةِ الكاملةِ لآثارِ الأديبِ السعوديِّ الراحلِ محمد سعيد عبد المقصود خوجه رحمَه الله.. جاءَ فِيه (نحنُ في زمنٍ اهتزتْ فيه الهُويةُ نحتاجُ ما نلتصقُ بهِ من الذينِ حافظُوا على هُويتِنا بفكرهِم وأقلامِهم.. وبأرواحِهم في أحايينَ كثيرةٍ.. وقد تنقلتُ بَيْنَ دَفّتَي الكتابِ عَلّني أستكشفُ شخصيةَ الراحِل الكريمِ فوجدتُه بحراً عميقاً يستحقُ الغوصَ في لُجَجِه لالتقاطِ دررِهِ. وتعجبتُ أنّه في حدودِ مجتمعِه آنذاكَ كانَ يعالجُ نَفْسَ القضَايا التي ما زِلْنا نُعاني منها اليومَ وبقيتْ دونَ حَلٍّ إنْ لمْ تكنْ تعقدتْ أكثرَ مِن ذِي قَبْل..) أ.هـ. هذا الكتابُ يَنْطِقُ عَنْ أمورٍ مَضَى عليَها خَمْسَةٌ وسبعونَ عاماً.. وليسَ غريباً أنْ يتِمَّ رصدُ أكثرَ مِن عشرينَ أولويةً لسيِّدي الوالد ((رحمه الله)) وكلُّها مُوَثّقةٌ بالمصدرِ والتاريخِ، وسأكتفِي بذكرِ النصوصِ دونَ المراجِع: |
1 ـ أَوّلُ مَن التحقَ بالحِسْبة (هيئةُِ الأمرِ بالمعروفِ والنهي عنِ المنكرِ) منِ أهلِ مكةَ المكرمةِ، وكانَ عمرُه ـ آنذاك ـ 26 سنةً. (ذكر هذا أ.د. محمدُ بن سعد بن حسين في كتابهِ: محمد سعيد عبد المقصود خوجه ـ حياتُه وآثارُه). |
2 ـ أولُ مَنْ أنشأَ مدرسةً لتعليمِ الصَّفَ والطّبعِ.. لعدمِ وجودِ عمالٍ في مطبعةِ (أمّ القرى) التي عُيّنَ مديراً لها عامَ 1345هـ، واختارَ الأستاذَ طاهرَ زمخشري مراقباً لتلكَ المدرسةِ. |
3 ـ أوّلُ من جعلَ جريدةَ (أمّ القرى) الرسميةِ. في فترةِ رئاستِه لهَا (1350 ـ 1355هـ) ميداناً أدبياً ومُتَنَفَّساً للأدباءِ، وشَجَّعَ أدباءَ الشبابِ على الكتابةِ والحوارِ الأدبيِّ الحَيّ. |
4 ـ أولُ مَنْ طالبَ بتخصصِ المُعلِّمِ في مادتِه، وتحسينِ مستواهُ العِلْمِيّ. (أم القرى) 10/11/1350هـ. |
5 ـ أوّلُ مَنْ طالبَ باستبدالِ مُفرداتِ اللغةِ العربيةِ مكانَ المفرداتِ الأجنبيةِ في مصطلحاتِ كرةِ القدمِ (أم القرى) 7/1/1351هـ. |
6 ـ من أوائلِ مَنْ نَادَوْا بتعليمِ المرأةِ. (أم القرى) 26/2/1351هـ. |
7 ـ أوَّلُ مَنْ طالبَ باتخاذِ (نوتةً) دفتراً صغيراً، يُؤَشّرُ عليهِ يومياً مِن قِبَلِ المدرسةِ، ومِن قِبَلِ أولياءِ أمورِ التلاميذِ للتعرفِ على سيرِ التلميذِ في المدرسةِ، وهو ما يُعْرَفُ الآن بـ (دفترِ الواجباتِ المنزليةِ). (أم القرى) 11/3/1351هـ. |
8 ـ أوّلُ مَنْ حَثَّ على إنشاءِ رابطةٍ أدبيةٍ، وإيجادِ غرفِ مطالعةٍ ودراسةٍ في جميعِ المدنِ، (صوت الحجاز) 21/3/1351هـ. |
9 ـ أوَّلُ مَنْ نادَى بوضعِ حدٍّ للمغالاةِ في المهورِ وتكاليفِ الزواجِ. (صوت الحجاز 11/5/1351هـ). |
10 ـ أوّلُ من نادَى بضرورةِ الكشفِ الصحي قَبْلَ الزواجِ. (صوت الحجاز) 2/6/1351هـ. |
11 ـ أوّلُ مَن دَعَّمَ فكرةَ (مشروعِ القِرْشِ) الخَيْرِيّ. (صوت الحجاز) 2/18/1352هـ. |
12 ـ أولُ مَن دَعا إلى بناءِ مناهجَ دراسيةٍ جديدةٍ تَتَمَاشَّى مَعَ متطلباتِ الحاضرِ (صوت الحجاز 25/11/1354هـ). |
13 ـ أوّلُ مَنْ نادَى بتوحيدِ الزّي كمظهرٍ ودليلٍ على وحدةِ الأمةِ. (صوت الحجاز 22/3/1356هـ). |
14 ـ أوّلُ مَنْ قامَ بإرسالِ بعثةٍ للخارجِ على حسابِ مطبعةِ الحكومةِ لدراسةِ التجليدِ وفنونِ الطباعةِ عامَ 1357هـ، ثم أعقبَها بعدَ سَنَةٍ ببعثةٍ أُخْرى لتَعلُّم فَنِّ الحَفْرِ والزنكوغرافِ، ولَمْ يكملْ أفرادها دراستِهم لظروفِ الحربِ العالميةِ الثانية. |
15 ـ أوّلُ مَن فكرَ في طباعةِ مصحفِ مكةَ المكرمةِ، وكانتْ أمنيتُه ـ رحمهُ الله ـ أنْ يَرى المصحفَ مطبوعاً في مطبعةِ أمِّ القُرى التي كانَ يرأسُ جهازَها.. وفي خِضَمِّ الاستعدادِ وتهيئةِ الإمكانياتِ الطباعيةِ اختارَه اللَّهُ إلى جوارِه بعدَ مرضٍ لازمَه أكثرَ مِن ثلاثِ سنواتٍ. وتَمّ تنفيذُ طباعةِ مصحفِ مكةَ المكرمةِ في عهدِ الملِك خالد ((رحمه الله)). |
(أحمدُ ملائكة، التاريخ ـ أمانة، جريدة الندوة، 27/7/1402هـ). |
16 ـ أوّلُ مَنْ (سعَى في بناءِ دار لمطبعةِ الحكومةِ في ساحةِ جرولٍ بَلَغَ مِن ضَخَامَتِها وسِعَتِها أن ظنَّها الناسُ ثُكْنَةً عسكريةً، وأرادَ أنْ يخططَ أمامَها مدينةً للعمالِ، ولكنّ القدرَ عاجَله قَبْل إتمامِ مشروعِ البِناية..). |
17 ـ أولُ مَنْ أقامَ (حفلَ التعارفِ) بِمِنىً، يدعُو إليَها كبارَ شخصياتِ الحُجّاجِ من علماءَ وأدباءَ وسياسيينَ، ووجهاءِ البلادِ السعوديةِ، وكانَ يَطْبَعُ لهذهِ الحفلاتِ بطاقاتٍ تُسَلّمُ لكبارِ الشخصياتِ، ويتولّى افتتاحَها بخطبةٍ أدبيةٍ بليغةٍ فيها ترحيبٌ بالحاضرينَ والوافدينَ. |
(أ.د. محمد بن سعد بن حسين، محمد سعيد عبد المقصود: حياته وآثاره، ص 7). |
18 ـ انطلقتِ الإرهاصاتُ الأُولى لفكرةِ كتابٍ (وحي الصحراء) مِن مجلِسه، سواءٌ عُقِدَ في المنزلِ أو المطبعةِ. |
19 ـ يُعْتَبَرُ بحثُه (الأدبُ الحجازيُّ والتاريخُ) الذي نُشِرَ على حلقاتٍ في جريدةِ (أمّ القرى) أوّلَ محاولةٍ لتتبعِ الأدبِ فِي الحجازِ منذُ العصرِ الجاهليِّ حتَى العصرِ الحاضرِ.. (أم القرى)، عام (1355هـ). |
20 ـ أوّلُ مَنْ نادَى بمحاربةِ العاداتِ الاجتماعيةِ الباليةِ، وجنَّدَ قَلَمهُ ليكتبَ مقالاتٍ عديدةً في جريدةِ (أمّ القرى)، يناقشُ ويعالجُ فيهَا القضَايا الاجتماعيةَ، تحتَ توقيعِ (الغِرْبال). |
21 ـ في فترةِ إدارتهِ لمطبعةِ الحكومةِ صُمّمتْ أَوّلُ (شِهادةِ ميلادِ) وكانتِ الشهادةَ التي تحملُ رقم (1) باسمِ ابنهِ (عبد المقصود). |
22 ـ صدرَ في عهدِ إدارتهِ للمطبعةِ تقويمُ (أمّ القرى) الذي بينَ أيدينا اليومْ. |
إنّ الأعمالَ الأدبيةَ التي خَلفها سيدي الوالدُ ((رحمه الله)). ومثلَها أعمال عدد مِن أبناءِ جِيلهِ. أصبحتْ إرثاً في ذمةِ التاريخِ، فإمّا أنْ نُهِيلَ عليها ترابَ النسيانِ بينَ أرشيفِ الصحفِ، أو ننهضَ بواجِبنا تجاهَ حِفْظِها وصيانتِها وَلَمِّ شَمْلِها ونفضِ غُبارِ الزمنِ عَنْها.. وهوَ مَا حرصتُ عليه ضمنَ مشروعٍ أسْعَى من خلالهِ لنشرِ الأعمالِ الكاملةِ لجميعِ الأساتذةِ الروّادِ الأفاضلِ الذينَ تركُوا بَصَمَاتٍ واضحةً في مستهلِ نهضتِنا الأدبيةِ المعاصرةِ، وتبلورِ جزءٍ من نتاجِهم الأدبيِّ في كتابِ ((وَحْي الصحراء)) الذي جمَع مادتَه محمدُ سعيد عبد المقصود، وعبدُ الله عمر بلخير وقَدّم لهُ الكاتبُ الكبيرُ الدكتورُ محمد حسين هيكل بك ((رحمَهم الله))، ونُشرتْ طبعتهُ الأولى عامَ 1355هـ وصدرتْ طبعتُه الثانيةُ عَنْ ((تِهَامَة)) عامَ 1403هـ ـ 1983م. وفي صددِ طبعةٍ ثالثةٍ قريباً إنْ شاءَ اللَّهُ.. الجديرُ بالذكرِ أنَّ هذَا الكتابَ ضمَّ نماذجَ لأعمال اثنينِ وعشرينَ أديباً، هُم بحسب ترتيبِهم في الكتابِ المذكور الأساتذةُ: |
أحمد إبراهيم الغزاوي ـ أحمد السباعي ـ أحمد العربي ـ أمين بن عقيل ـ أحمد قنديل ـ حسين خزندار ـ حسين سرحان ـ حسين سراج ـ عبد الوهاب آشي ـ عبد القدوس الأنصاري ـ عبد الحق النقشبندي ـ عبد الله عمر بلخير ـ علي حافظ ـ عمر صيرفي ـ عزيز ضياء ـ عبد السلام عمر ـ عمر عرب ـ عبد الحميد عنبر ـ محمد سرور الصبان ـ محمد سعيد العامودي ـ محمد حسن فقي ـ محمد حسن كتبي (رحِمَهم الله وأَمَدَّ في عُمُرِ أستاذَيْنَا حسين باشا سراج، والسيد محمد حسن كتبي)، وقد شرفتُ بنشرِ بعض أعمالِ مَنْ ذكرتُ أسماءَهم آنفاً. |
وقد كان لأستاذِنا الدكتور محمد بن سعد بن حسين، أستاذِ الدراساتِ العُليا في جامعةِ الإمامِ محمدٍ بنِ سعودٍ الإسلاميةِ بالرياضِ، قَصَبُ السبْقِ في نَشْرِ جانبٍ مِن مقالاتِ والِدي (رحمَه الله) في كتابهِ الموسومِ ((محمد سعيد عبد المقصود خوجه ـ حياتُه وآثارهُ)) من منشوراتِ تِهَامَةَ، ضِمْنَ سلسلةِ الكتاب العربيِّ السعوديِّ 1404هـ ـ 1984م.. كَمَا كَتَبَ في مجلةِ اليمامةِ (إنَّ محمدَ سعيد عبد المقصود خوجه رائدٌ مُقَدّمٌ فِي تاريخِ نهضتِنا الفكريةِ بعامةٍ، وفي المجالاتِ الاجتماعيةِ منها بخاصةٍ، وهو ميدانٌ تميزتْ فيهِ جهودُه تَمَيّزاً لَمْ يكنْ لغيرهِ مِن مزامِينهِ، إلى مَا لَهُ مِن سَهْمٍ في جميعِ الميادينِ الفكريةِ التي طرقَها أدباءُ زمانِه، واهتمامُ محمد سعيد خوجه بالقضايَا الاجتماعيةِ لم يكنْ نظرياً فحسبْ، بل إنَّ للتطبيقِ العمليِّ مِن جهودِه نصيباً كبيراً يتجلَّى في ندوةِ الحجِّ، وعملِه في المطابعِ، وانخراطهِ في هيئةِ الأمرِ بالمعروفِ والنهِي عنِ المنكرِ، وما إلى ذلكَ كدعوتهِ إلى مشروعِ القرشِ مثلاً..) أ.هـ. |
ثم أعقبَهُ كتابُ ((الغِربالِ ـ قراءةٌ في حياةِ وآثارِ الأديبِ السعوديِّ الراحلِ محمد سعيد عبد المقصود ـ الطبعةُ الأولى 1420هـ ـ 1999م للأستاذِ حسين عاتق الغريبي، الذي ضَمّ جانباً مِن مقالاتِ سيّدي الوالد.. ثم تبعته طباعةُ كتابِ ((الأعمالِ الكاملةِ للأديبِ السعوديِّ محمد سعيد عبد المقصود خوجه)) للأستاذِ الغريبي أيضاً ـ الطبعةُ الأولى 1422هـ ـ 2001م. |
واضِعاً في اعتبَاري مشروعاً لنشرِ المجموعاتِ الكاملةِ لروّادِ ((وَحْي الصّحْرَاء)) فجاءتْ باكورَتُه ((الأعمالُ الشعريةُ الكاملةُ للأستاذِ أحمد بنِ إبراهيم الغزاوي)) (رحمه الله) في ستةِ أجزاءٍ، والذي شرفتُ بتحقيقِه وتصحيحِه.. وقد أصدرتْ ((مجلةُ المنهلِ)) الغراءِ الجانبَ النثريَّ في طَبْعَةٍ تحتَ مُسمى ((شذراتِ الذهبِ)).. ثم شرفتُ بنشرِ الأعمالِ الكاملةِ للروّادِ الأساتذةِ أحمد العربي في جزءٍ واحدٍ. أحمد قنديل في ستةِ أجزاء ـ حسين سراج في عشرةِ أجزاءِ ـ عبد الوهاب آشي في جزءٍ واحدٍ ـ عبد الحق النقشبندي في جزءٍ واحدٍ ـ وعبد الله عمر بلخير في عَمَلَيْنِ أولهما ((عبد الله بلخير شاعرُ الأصالةِ والملاحمِ العربيةِ والإسلاميةِ)) للأستاذِ محمود رداوي في ثلاثِ طَبَعَاتٍ، والآخر ((عبد الله بلخير يتذكّر)) من إعدادِ الدكتورِ خالد باطرفي ـ عزيز ضياء في خمسةِ أجزاء ـ محمد عمر عرب في جزءٍ واحدٍ ـ عبد الحميد عنبر في جزءٍ واحدٍ ـ محمد حسن فقي الجزءُ التاسعُ من دواوينِه (التي نشرتْ أجزاءها الثمانيةَ الدارُ العربيةُ للنشرِ والتوزيعِ في جدة) وكتابُ ((ترجمةِ حياةٍ)).. وهناكَ كتبٌ أخرى لروّادٍ وغيرهم بلغَ مجموعُها تسعةً وستينَ عنواناً في مائةٍ وخمسةٍ وعشرينَ مجلداً، وهي في غيرِ موضوعِ هذَا السياقِ.. ومنهم روّادٌ خارجَ إطارِ ((وحي الصحراء)) كالأستاذَيْنِ محمد حسين زيدان، وإبراهيم أمين فودة ((رحمَهما الله)). |
والجديرُ بالذكرِ أنَّ بعضَ هؤلاءِ الروّادِ قد تَمّ نشرُ أعمالِهم، جُلِّها أو بعضِها، بطريقةٍ أو أخرى. |
أما الأساتذةُ الأكارمُ: أمين بن عقيل ـ حسين خزندار ـ عمر صيرفي ـ عبد السلام عمر ـ فَلَمْ يَتَسَنَّ إصدارُ أعمالِهم الكاملةِ لعدمِ الحصول عليها في الوقتِ الراهنِ، راجياًَ مِن كُلِّ مَنْ لديهِ شيءٌ من نتاجِهم، أو يعرفُ جهةً تحتفظُ ببعضِ إبداعاتِهم أنْ يتفضلَ مشكوراً بالاتصالِ بسكرتاريةِ ((الاثنينيةِ)) للتنسيقِ بهذَا الشأنِ إسهاماً مقدراً في إكمالِ مَا بدأناهُ بإذنِ اللهِ.. وسننشرُ إعلاناً في الصحفِ حول هذَا الموضوعِ. |
وقد عملتُ ما في وسعي مع الإخوانِ الذينَ آزرُوني مشكورينَ بغرضْ جمعْ وتصنيفْ وتبويبِ أعمالِ الروّادِ الذينَ لَمْ تُنْشَرْ أعمالهُم، أو نُشِر منها البعضُ، ولاَ شَكّ أنَّ هذَا الجهدَ احتاجَ مِنّا إلى ((ببلوجَرافيا))، ومسحٍ شاملٍ لجميعِ الصحفِ والمجلاتِ التي نُشِرتْ فيها بعضُ الأعمالِ التي وَرَدَ فيها طَرَفٌ من كتاباتِ أولئكَ الروّادِ الأفاضلِ، بالإضافةِ إلى مَنْ لَمْ يَرِدْ ذكرُهم في كتابِ ((وحي الصحراء)) وأذكرُ مِنهم على سبيلِ المثالِ الأساتذةَ: حسن نظيف الذي كان له شعرٌ فكاهيٌّ وزجليٌّ، وإخوانياتٌ نُشِرتْ في بعضِ الصحفِ، ومعالي الشيخ محمد رضا زينل، بالإضافةِ إلى أعمالِ فَنّانِ الكاريكاتيرِ الأولِ في تاريخِ الصحافةِ السعوديةِ الأستاذِ محمد راسم التي نُشرتْ في مجلةٍ قريش، وغيرِهم.. رحمَهم اللَّهُ رحمةَ الأبرارِ، وجعلَ ما قدّمُوه في ميزانِ حسناتِهم. |
سعيداً باغتنامِ هذِه المناسبةِ لأحيي النهجَ الحضاريَّ الذي اختطّه معالي أخي الأستاذُ الدكتور ناصر بن عبد الله الصالح، مديرُ جامعةِ أمِّ القرى، لتكريمِ روّادِ هذَا الوطنِ مما يؤكدُ تواصلَ الأجيالِ مع القاماتِ السامقاتِ لرجالاتِ أدّوْا أماناتِهم، وأوْفَوْا بعهودِهم، واحتلُّوا مكانتهَم من الريادةِ بما قدمُوه مِن واجبٍ لوطنِهم ومواطنِيهم استحقُّوا بهِ هذَا التكريمَ الذي هُم أهلُه، ومعالي الأستاذِ الدكتور ناصر الصالح بهِ جديرٌ، فسوفَ يُسَجَّلُ لَه هَذَا العملُ الجليلُ في صفحاتهِ الناصعةِ، عملاً ريادياً، إذ لا يقدرُ الرجالَ إلا الرجالُ، ولا يعرفُ الوفاءَ إلا أهلُ الوفاءِ، حَفِيًّا بهم، وَفِيًّا لوطنهِ ومواطنِيه. |
والشكرُ موصولاً لجميعِ مَن سَاهَم وسانَدَ هذَا العملَ الجليلَ الرائدَ، وكُلِّي ثقةٌ أنْ يمتدَ ليشملَ كلَّ مَنْ قَدَّمَ لوطنهِ ما يستحقُ ليكونَ موضعَ تكريمٍ وتقدير. |
وفي الختام أوَّدُ أن أقول إنني ورثت إرثاً كبيراً وثروة هائلةً لا أستطيع أن أقدرها بثمن لقد كان كل رجالات مكة المكرمة حين كنت يتيماً كان كل منهم أباً لي وموجهاً وأخص بالذكر أخي وزميلي ورفيق الدرب السيد أمين عقيل عطاس. كان والده السيد عقيل عطاس يجبرني وأخي في كل يوم جمعة بما يسمى بتمشية الأسبوع فيأخذ بيدي وأخي ويؤثرني ويؤثر أخي عن ابنيه فله صديق لا أذكر اسمه الآن الكامل ربما يذكره الأستاذ السيد أمين عطاس هو الذي يمسك بيد ابنيه السيد أمين وأخيه أخي السيد عبد الله هكذا كان الوفاء وهكذا أهل الوفاء وهكذا كان التعاضد والمحبة تسود هذا البلد وتسود وحدة هذا الكيان محبة صادقة لوجه الله الكل أب والكل ابن والكل صديق والأخوة تربطنا جميعاً محبة وأخوّة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. |
عريف الحفل الأستاذ الدكتور محمود حسن زيني: شكراً لله على هذه الليلة المباركة الخيِّرة التي نعمنا فيها بهذا اللقاء الودي الذي عشنا فيه هذه الدقائق مع الابن البار الذي ترجم لنا عن سيرة والده العطرة وهي ثمرات هذا الوفاء من الابن البار الذي كان والده أيضاً باراً بوالده العالم الجليل، ومهما قلنا من كلمات فإن ما قدمه الابن البار (سر أبيه) من كلمات لتسطر في التاريخ بأحرف من نور لتشيد بالأوائل، وهكذا.. تسير المسيرة فالذين عرفوا المحتفى به يعدون على الأصابع ممن كتب وألّف وبحث وسهر الليالي ليسطّر تاريخاً أدبياً نقدياً عن المحتفى به الأستاذ محمد سعيد عبد المقصود، ويأتي في مقدمتهم الأستاذ الدكتور منصور الحازمي.. |
|