شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((كلمة الدكتور عدنان بن علي رضا النحوي))
بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: إن الحمد لله نستغفره ونستعينه ونستهديه، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ على سيدنا محمد وسلِّم تسليماً كثيراً وعلى صحبه ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أيها الأخوة الأحبة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أتقدم بهذه المناسبة بالتحية الطيبة والدعاء الكريم لسعادة الأخ الكريم الأستاذ الشيخ عبد المقصود خوجه ـ حفظه الله ـ ولا أستطيع أن أوفي حقه بالتحية والدعاء، وقد عرفت كثيراً من مساعيه وأفضاله أدعو الله أن يبارك له في كل جهد بذله، وأتوجه بالشكر إلى الأخوة الكرام الحضور الذين أغنوا هذا الحفل بحضورهم، وأُحييّ هذه "الاثنينية" التي أتاحت لي الفرصة لأقدم كلمتي ولألتقي معكم في هذا الجو الندي وأقدم التحية للأخوين الكريمين على ما قدماه وشعرت أنني قد لا أستحق كثيراً أو بعضاً مما قيل في هذا السياق.
لقد سلخت من السنين قرابة واحد وثمانين عاماً، وزهير بن أبي سلمى يقول:
سئمت تكاليف الحياة ومن يعش
ثمانين حولاً لا أبالك يسْأمِ
ولكني ـ يعلم الله ـ ما سئمت ولا مللت، وإنما أمضي في هذه الحياة الدنيا إلى أجل حق مسمى، أرجو معه مغفرة من الله ورحمة واسعة، فتكاليف الحياة هي تكاليف من عند الله سبحانه وتعالى على سُنن لله ثابتة ماضية على قضاء نافذ وقَدَر غالب وحكمة بالغة.
لقد وقفت مع هذه التكاليف في مسيرة حياتي، وما زلت أقف معها متأملاً متدبراً، في صحبة منهاج الله ـ قرآناً وسنَّة ولغة عربية، وسؤال يُلح عليّ، وأظن أن كثيرين غيري يسألون السؤال نفسه جهراً أو سراً، لماذا خلقنا الله سبحانه وتعالى في هذه الحياة الدنيا؟ وسبحانه وتعالى يقول: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (المؤمنون: 115) في جميع الميادين التي خضتها كان هذا السؤال يُلح عليّ في ميدان التربية والتعليم، والهندسة ومشاريعها، والأدب، في ميدان الدعوة الإسلامية وما فيها من فكر وسياسة وأحداث، في معترك الحياة وما يلقى الإنسان فيها من مشكلات وعقبات، وأفراح وأحزان.
ولقد تيقنت أن الله سبحانه وتعالى خلق عباده في هذه الحياة الدنيا ليوفوا بمهمة محددة بيّنها لهم وفصّلها من ناحية، وأوجزها كذلك من ناحية أخرى بأربعة مصطلحات تصور هذه المهمة من جوانبها الأربعة. هذه المصطلحات هي: العبادة، والأمانة، والخلافة، وعمارة الأرض بحضارة الإيمان. وكل واحدة من هذه حولها آيات كثيرة في كتاب الله وأحاديث شريفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأن العباد سيحاسبون يوم القيامة عن مدى وفائهم بهذه المهمة، بعد أن أخذ الله عليهم عهداً موثقاً من كل إنسان: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ . أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ، (الأعراف: 172 ـ 174) وأخذ الله هذا العهد نفسه من كل نبي ورسول وممن آمن معهم واتَّبعهم، ومن كل شعب وأمة، ومن محمد صلى الله عليه وسلم ومن أمته: وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ (آل عمران: 81).
وتتوالى الآيات في كتاب الله وتتوالى أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لتؤكد هذا العهد والميثاق، ولتبين حقيقة المهمة التي يريد الله من عباده أن يوفوا بها، وكذلك فإن الله سبحانه وتعالى وفّر لعباده جميع الإمكانات ليوفوا بهذه المهمة: فقد جعل الإيمان والتوحيد مغروساً في فطرة كل إنسان ما دامت فطرته سليمة لم تنحرف عن الفطرة التي فطر الله عباده عليها. وجعل آياته بينات في الكون كله، وبعث في كل أمة رسولاً يبلغ ويتعهد. وأنعم على عباده نعماً لا تُعدُّ ولا تحصى، ليضعوها كلها في طاعة الله وفي الوفاء بهذه المهمة التي يريدها الله أن تتحقق في الحياة الدنيا في هذه الأرض، فقد قال سبحانه وتعالى: أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى (القيامة: 36)، كلا إن الله سبحانه وتعالى لم يتركنا سدى، وتمضي سنن الله سبحانه وتعالى على عباده ليوفوا بهذه المهمة من خلال هذا العهد والميثاق، ومن خلال ابتلاء وتمحيص.
هذه المهمة التي كلَّف الله عباده بها هي أن يعملوا ويجاهدوا حتى تكون كلمة الله هي العليا في الأرض، وشرعه هو الأعلى ودينه الحق هو الذي يعلو ويحكم ويسود، ومن خلال ذلك يصبح الهدف الأكبر والأسمى للمؤمن في هذه الحياة الدنيا الدار الآخرة والجنة ورضوان الله، من أجل ذلك أصبح واجباً على العبد المؤمن أن يعي رسالة ربه ودينه، وأن ينهض ليبلغها إلى الناس كافة كما أُنزلت على محمد صلى الله عليه وسلم ويتعهدهم عليها، كل قَدْر وسعه الصادق الذي وهبه الله له والذي سيحاسب عليه يوم القيامة وَلَا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (المؤمنون: 62) ومن هنا تتضح لنا خطورة وأهمية المسؤولية الفردية، مسؤولية كل إنسان وما تحمل من واجبات وما لها من حقوق بصورة متوازنة في شرع الله. وفي مسيرة حياتي، وقد وضحت لي هذه القضية، أخذت أتزود بالزاد الحق، وما زلت تلميذاً في هذه الحياة أتلمّس العلم وأتزوّد به لأوفي بهذه المهمة والأمانة ما استطعت.
ومضيت أدعو إلى الله ورسوله في كل ميدان أخوضه، ففي ميدان عملي الهندسي في وزارة الإعلام في سوريا وفي المملكة، مشرفاً ومسؤولاً عن المشاريع الإذاعية ومحطات الإرسال، واجهت تحديات كثيرة، أنجاني الله منها، فحفظت للأمة حقوقها الفنية والمالية والقانونية، ومن خلال ذلك دعوت ما استطعت أن أدعوه من مهندسي الشركات وخبرائها إلى الإسلام دعوة صريحة بأسلوب مناسب يقتضيه الموقف، وبالقول البيّن والموقف الحق والسلوك الملتزم، حتى قال لي رئيس وفدي المفاوض لإحدى الشركات: "إننا نحترم المبادئ التي حاربتنا بها، واعتبر شركتنا مفتوحة لك في أي وقت.." إلى آخر ما قال. فأجبته: "أنا لم أحاربكم ولكنني نصحتُ لكم وعدلت معكم ودعوتكم إلى الحق".
في موقف آخر، دعوت مهندساً شيوعياً ملتزماً جامعياً تشيكياً إلى الإسلام دعوة صريحة واضحة، وهو دعاني إلى الشيوعية ودار الحوار، فدار حوار بيننا ثم قال ذات مرة: "أنت تغلبني بالحوار، لأن لغتك الإنجليزية أقوى من لغتي، ولو تحاورنا بالفرنسية لاختلف الأمر" قلت له: الأمر ليس كذلك، فأنا أعرف الإسلام وأعرف الشيوعية كما تعرفها أنت، وأنت لا تعرف إلا الشيوعية، فلو درست الإسلام لاستقام الحوار. فقال: كيف أدرسه؟ فقدمت له ترجمة لمعاني القرآن الكريم بالفرنسية، فدرسه دراسة جادة وقال لي قبل أن نفترق: لا أقول لك إنني آمنت ولكنني ما زلت أفكر، ولكن أقول "إن هذا الكتاب هو أعظم كتاب قرأته في حياتي" وقد قرأه مترجماً إلى الفرنسية، فكيف لو عرف العربية ودرسه بها.
والنتيجة التي خرجت بها هي أن منهاج الله ـ قرآناً وسنَّة ولغة عربية ـ هو النور الذي يهدي، والله هو الذي ينقذ وينجي، وأن على كل مسلم أن يدرس منهاج الله ـ قرآناً وسنّة ولغة عربية ـ كما أمره الله، وكما أمر رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن يمارس إيمانه وعلمه في كل موقف في هذه الحياة الدنيا، وأن الإنسان محاسب على ذلك، كما جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: طلب العلم فريضة على كل مسلم.
أما في ميدان الدعوة الإسلامية ميدان الفكر والإيمان والعلم والسياسة فقد امتدت تجربتي أكثر من خمسين عاماً، كانت خلاصة تجربتي فيها: أن هنالك خللاً حقيقياً في واقع المسلمين يحتاج إلى دراسة من خلال منهاج الله وردّ الأمور إليه، ويحتاج إلى معالجة منهجية، فقدمت نصحي في كل موقف من منطلق المسؤولية، دراسة وبحثاً، ومشافهة، مع البيّنة والحجة من الكتاب والسنَّة، مما زاد يقيني في كل موقف بأن منهاج الله منهاج حياة متكامل يصلح لكل زمان ومكان، ولكل واقع ومشكلة، فيه حلول لكل ما نلقاه في حياتنا، أفراداً وشعوباً، وأنَّ كل عجز أو نقص يظهر لنا فهو في مستوى الإيمان والعلم والموهبة في الإنسان نفسه، وليس في منهاج الله أبداً، فمنهاج الله الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً (المائدة: 3) وأكثر ما راعني في واقع المسلمين هو ما نعاني من فرقة وتمزّق كان السبب الأول فيما أصابنا من هوان وهزائم، فهذه الفرقة في ميزان الله هي معصية لله حيث يقول: وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (آل عمران: 105) وآيات أخرى كثيرة، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن الفرقة فتحت نوافذ وأبواباً يتسلل منها أعداء الله ليزيدوا المسلمين فرقة وتمزقاً وفتناً، فيزداد بذلك غضب الله وعذابه، يقول فوكوياما في كتابه "نهاية التاريخ والرجل الأخير" "The End of History and The Last Man" يقول: إنه لا يوجد لدى البشرية أي مذهب أو مبدأ يستطيع أن يقف في وجه الديمقراطية الغربية إلا الإسلام، ولكن لا خوف من ذلك لأن المسلمين ممزقون تمزيقاً لا يُرجى معه لقاء لهم" فأقول كذب فوكوياما لأن الله سيجمع هذه الأمة أمة واحدة وصفاً واحداً رغم كل من يعاند ذلك، ولعلاج هذه المشكلات كان لا بد من الدعوة إلى جمع القلوب، وحتى تلتقي فلا بد من توفير منهج علمي إيماني نابع من الكتاب والسنَّة ومدرسة محمد صلى الله عليه وسلم، منهج يصلح أن يكون قاعدة ربانية يجتمع عليها المؤمنون، ليتعاونوا جميعهم في متابعة المسيرة ومعالجة العلل والأمراض، بحسب القاعدة التي أنصح بها: "يجب أن نتعاون في كل ما أمر الله أن نتعاون فيه ويعذر بعضنا بعضاً فيما أذن الله لنا أن نختلف فيه"، فهنالك خلاف يرضى به الله، وهنالك خلاف لا يقبله الله، ولقد حصرت دراساتي في هذا الاتجاه لأقدم نهجاً كما ذكر سعادة الأخ الأستاذ عبد المقصود خوجه: نظرية عامة للدعوة الإسلامية، ومناهج تطبيقية، ونماذج عملية، وأهدافاً ربانية محددة، ونظاماً إدارياً، تلتقي كلها فيما أسميه "مدرسة لقاء المؤمنين، لبناء الأجيال المؤمنة" التي تحمل الخصائص الربانية المفصلة في الكتاب والسنَّة، عسى الله أن ينزل نصره ورحمته، مع دراسات مفصَّلة لقضايا العالم الإسلامي وفواجعه نثراً وشعراً.
والميدان الثالث ميدان الأدب بعامة والأدب الإسلامي بخاصة، وهو ميدان مرتبط بالميادين الأخرى، كنت من المؤسسين لرابطة الأدب الإسلامي، وقدّمت دراسات عن الأدب الإسلامي والمذاهب الأدبية الغربية البنيوية والتفكيكية والحداثة إلى غير ذلك، وأوجز ما خرجت به من نتائج في نقاط سريعة: يجب إبراز الخصائص الإيمانية والفنية المتميزة في الأدب الملتزم بالإسلام من خلال النظرية ومن خلال النص، ثانياً: يجب أن يكون الأدب سلاحاً من أسلحة الإسلام، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي يرويه أنس رضي الله عنه: جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم.
وأهم نتيجة خرجت بها من هذا الميدان هي أن منهاج الله بيّن لنا أهمية الفطرة التي فطر الناس عليها، وغرس فيها الإيمان والتوحيد، وغرس فيها مختلف القوى والمواهب والغرائز والميول، لتُروى كلها من نبع الإيمان والتوحيد، حيث تتفاعل هذه القوى على سنن ربانية في داخل الإنسان، فتدفع عطاءه شعلة من أدب أو فكر أو علم، على قدر الموهبة والتفاعل، وكذلك وجدتُ أن منهاج الله يعرض نظرية متكاملة للأدب ودوره في الحياة، في صورة متميزة من نظريات الغرب ومتفوقة عليها، ولقد فصلت ذلك في دراساتي.
والميدان الرابع هو ميدان قضية فلسطين التي تحتاج إلى ندوات وندوات لتغطيتها، ولكنني أوجز بعض لمحات سريعة: إن الظاهرة الأولى البارزة هو مسلسل التنازلات التي مرت بها القضية، فقد بدأت من العشرينات من القرن الماضي قضيةً إسلامية، قام علماء المسلمين في فلسطين بمحاولات جادة لنقلها إلى العالم الإسلامي ليتحمل المسلمون كلهم مسؤولياتهم، وعُقِدت مؤتمرات عدة في القدس والهند وغيرها، ودار نشاط واسع من أجل ذلك، إلا أنه أُجهض، وما أتت سنة 1948م حتى أصبحت القضية قضية عربية، وخاض العرب معركة مع اليهود هُزِم فيها العرب وقامت دولة اليهود وخرج أبناء فلسطين من ديارهم شُرّدوا، ومع الستينات من القرن الماضي تحولت القضية إلى قضية فلسطينية يحمل الفلسطينيون المشتتون همها بحسب مسؤوليتها، حدد ذلك بيان جمال عبد الناصر لصحيفة "ليبرتي" الجزائرية سنة 1964م، ثم تحولت من قضية فلسطينية ينادي العاملون فيها بتحرير فلسطين كلها وإعادتها حيناً إلى الإسلام، وحيناً إلى العروبة، وحيناً إلى الفلسطينيين، وحيناً إلى العلمانية، على اختلاف الشعارات والطروحات، تحولت بعد ذلك إلى المناداة بدولة فلسطينية على جزء من فلسطين لا تتوافر فيه أي مقومات للدولة، فالماء إلى قطاع غزة يأتي من دولة اليهود، والكهرباء إلى قطاع غزة يأتي من دولة اليهود، وعائلات كثيرة تأخذ رزقها من العمل في دولة اليهود، ويستطيع اليهود إغلاق أو فتح المنافذ، أو الإغارة والقتل، والدخول إلى أي جزء، والإحاطة بالقطاع من البر والبحر والسماء، لتظل الدولة تحت رحمة اليهود والدول الغربية، ثم أصبحت القضية عملياً بغض النظر عن الشعارات هي قضية قطاع غزة والضفة، إن اليهود استطاعوا منذ قرار التقسيم سنة 1947م حتى اليوم أن يحصلوا على مساحات أوسع بكثير مما أُعطي لهم بقرار التقسيم، وكانوا مع كل جولة ينالون مساحة جديدة بدلاً من أن تُستَرجَع مساحات منهم.
والنقطة الأخرى هي أن فلسطين كلها أرض إسلامية ملك للأمة المسلمة كلها منذ عهد إبراهيم عليه السلام أو قبل ذلك، حيث كانت أرضاً مباركة بنص القرآن الكريم، وكما سماها كتاب الله، وما يدّعيه اليهود من أن الله منحهم هذه الأرض هو إدعاء باطل نابع مما حرّفوا به التوراة، فالحق أن الله سبحانه وتعالى كان يخاطب بني إسرائيل ويعد المؤمنين المسلمين منهم التابعون لدين الله الواحد دين الإسلام، دين جميع الأنبياء والرسل دين موسى وعيسى وغيرهم، بما يعد المؤمنين المسلمين على مدار الزمن. فالله وعد أن هذه الأرض هي ملك للمسلمين وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (المؤمنون: 52).
وكذلك فإن المناداة بدولة حدودها حدود الأرض المحتلة تعطي شيئاً من الاعتراف بأن القسم الآخر ليس محتلاً، والنقطة الأخرى هي أننا لا نستطيع أن نفصل قضية فلسطين عن سائر قضايا العالم الإسلامي، مما يفرض علينا سؤالاً: لماذا زرع الغرب دولة اليهود وسط العالم الإسلامي؟! وهل هذا جزء رئيسي من خطة شاملة نحو العالم الإسلامي؟
نحن لا نجابه اليهود وحدهم في قضية فلسطين وغيرها، ولكننا نجابه صفاً متراصاً من دولة اليهود والغرب وروسيا والصين وغيرهم، كلهم متفقون على أمر يبدون منه ويخفون، فلا يُعقل أن يجابه هذا الصف المتراص صف ممزق متناثر، فلا بد من صف متراص كذلك، كما أمر الله سبحانه وتعالى حتى ينزل نصره، فالنصر من عند الله وحده.
إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (غافر: 51) وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (النور: 55) وأخيراً أوجز رأيي ببيت من الشعر من قصيدة بعنوان "رسالة المسجد الأقصى إلى المسلمين" أحد الأبيات فيها:
إذا لم تَقُمْ في الأرضِ أمةُ أحمدِ
فكلُّ الذي يجري على السَاحِ ضائعُ
إن هذا الدين العظيم يحتاج إلى أمة عظيمة تحمله، فتعيه وتؤمن به، وتدعو إليه، فينصرها الله: كُنْتُم خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأمُرُون بِالمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَتُؤْمنُونَ باللهِ (آل عمران: 110) والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الدكتور جميل مغربي: البرنامج بالنسبة إلينا الآن هناك أسئلة تُطرح ويجاب عنها من قِِبَل سعادتكم ثم نختم الحفل في الساعة الحادية عشرة والنصف، لكننا نحن نتوق إلى سماع شيء وأعتقد أخال الجمهور يشاطرني الرأي في الاستماع إلى بعض النماذج الشعرية لسعادة الدكتور عدنان النحوي ما رأيكم؟.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :729  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 172 من 252
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج