((كلمة سعادة الأستاذ عبد المقصود محمد سعيد خوجه))
|
أحمدك اللهم كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، وأصلِّي وأسلمُ على سيدنا وحبيبنا وقدوتنا محمد، وعلى آل بيته الكرام الطاهرين وصحابته أجمعين. |
الأستاذاتُ الفضلياتْ |
الأساتذةُ الأكارم |
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: |
يسعدني باسمكم جميعاً أن أرحِّب أجمل ترحيب بمعالي ضيفنا الكبير الأستاذ الدكتور عبد الله يوسف الغنيم، الذي قَدِمَ من الكويت خصيصاً ملبياً دعوتكم ليمتنعا بصحبته الماجدة، مضحياً بوقته وجهده ليسهم في مد رواق صلات المحبة التي تجمع بلدينا الشقيقين عبر تاريخهما الطويل.. فأهلاً وسهلاً ومرحباً به بين أهله ومحبيه. |
عندما ألتقي عَلماً في قيمةِ وقامةِ ضيفنا الكريم، دائماً ما أذكر أن بعض الفرسان لا ينفكُّ من صهوةٍ إلى أُخرى دون أن يركن إلى راحةٍ أو تمسَّ قدماه الثَّرى، إذ تراه يقفز من صهوةٍ إلى أُخرى، فتحسبه يجدُ راحته في تلك الجهود المتصلة والمعاناة التي تصهر الروح والوجدان في بُؤبُؤ العمل الذي تعقبه الراحة والمتعة. |
لقد أحبَّ ضيفنا الكريم عمله، فمنذ أن أوجد لنفسه مكاناً في صرح أكاديميٍّ كبير ممثلاً في جامعةِ الكويت، وهو يغرف من بحر الخبرة التي وفرّها له ذلك المناخ العلميُّ الهادئ، وشهدت أواسط سبعينيات القرن الماضي رهانه على حبه الكبير في مجال التدريس الجامعي.. ثم تدرجه في المناصب العليا إلى أن شغل حقيبتي وزارة التربية عام 1990 ـ 1991م ثم وزارة التربية والتعليم العالي خلال الفترة 1996 ـ 1998م.. وسواءً كان يمثل شريحة الوزراء التكنوقراط، أو ذوي الميول الاحترافية، فإنّه خدم بلاده في واحدة من أهم المناصب الوزارية، وقبلها في سلك التعليم الجامعي على مختلف المستويات، مما أهّله ليكون التربويَّ، والإداري الناجح الذي أسسَ بنيانه على خبرات تراكمية أسهمت دون شكٍ في تحقيق طموحاته وبرامجه التي سعى إلى تنزيلها على أرض الواقع. |
إن هذا الطموح ليس غريباً على أستاذنا الجليل، فالكويت كانت على مدى عقود طويلة منبتاً لعددٍ كبيرٍ من العلماء والشعراء والأدباء الذين أثرُوا الساحة وامتدَ عطاؤهم إلى خارج حدود ذلك البلد الصغير مساحة، الكبير قدراً وتأثيراً في مجريات كثير من الأحداث، إذ إنَّ غناهُ ليس بالنفط فقط بل بإنسانه الذي كدح وكافح ونافح ليخرج من اقتصاد تجارة اللؤلؤ إلى آفاق الاقتصاد العالمي، ويتبوأ مكانةً ربما لم تصل بعد إلى ما يصبُو إليه أبناؤه، الذين قطعُوا دون شك شوطاً لا يستهان به في ماراثون التنافس العالمي نحو شريحة أكبر واثمن في مردود تبادل المنافع الاقتصادية والعلمية والثقافية. |
وتأسيساً على ما سبق، فإنَّ تقلُّب ضيفنا الكريم من حقيبتين وزاريتين إلى رئاسة مركز بحوث ودراسات وطنيٍّ كبير، يحملُ في طياته إشاراتٍ واضحة إلى توجهاته وطروحاته التي تؤمنُ بالعلم والعمل كأساسٍ لأيِّ تجربة إنسانية ناجحة على الإطلاق.. ذلك أنَّ (اقرأ) التي حملت أُولى شعارات العلم والعمل، ظلت راكدة في نفوس بعض المسلمين مئاتِ السنين، تصاحبها صحوات في فجواتٍ من قطار التاريخ، وتعقُبُها غفوات طويلة، ودائماً ما يهيُّئ الحق سبحانه وتعالى رجالاً يسهمون في ترقيةِ الحسِّ بمتابعة البشرية في نهوضها ومعركتها الطويلة لتثبيت أركانِها في الاستحواذِ على خيرات الأرض، والخروج من نفق الاستهلاك إلى كوة تشع بنور المشاركة في تحريك عجلات الصناعة والزراعة والخدمات المصرفية وتنقية البيئة والمحافظة عليها من عاديات الحضارة المادية، وغيرها من معطيات الحياة، وبطبيعة الحال لن يتم ذلك إلا وفق آليات البحث العلميِّ التي شكلت على الدوام ثقلاً لا يخفى على كلِّ متابعٍ لمجريات الأمور في مختلف الدول المتقدمة بالإضافة إلى نمور آسيا. |
ومع زحمة العمل الأكاديميِّ والإداري الذي يستأثر بمعظم وقت ضيفنا الكبير، إلا أنّ ذلك لم يصرفه بالكلية عن حب الأدب والشعر، فنجده صنّف كتاباً ممتعاً بعنوان (كتاب اللؤلؤ) جمع فيه معظم ما كتب عن مادة الكتاب، وترجم لبعض من ألف حول اللؤلؤ والأحجار الكريمة، ومن أجمل ما فيه طائفة أبيات الشعر التي ألهمَ اللؤلؤ شعراءَها بكثيرٍ من الأوصاف غير المسبوقة، كما يترجم باختصارٍ غير مخلٍّ لأولئك الشعراء، فجمع كتابه بين طرافةِ الأدب، وحذقِ العلم وصرامته. |
كما أثرى فارس أمسيتنا المكتبة العربية بكثيرٍ من المؤلفات التي أثارَ أحدُها لديَّ شجناً كامناً، وهو بحثُ وتحقيق كتاب (جغرافية مصر) من كتاب (الممالك والمسالك) لأبي عبيد البكري.. فقد كان لديَّ مشروع طموح لترجمة اثني عشر كتاباً من كتب الرحالة المسلمين في عالم القرون الوسطى، بالتعاون مع السيدة الدكتورة سلمى الخضراء الجيّوسي، إلا أنها للأسف أجهضت المشروع بعد أربع سنوات من بدئه دون أن تحقق منه ترجمة كتابٍ واحد.. وقد كان الغرضُ منه التأكيد للغرب أنَّ العالم الإسلامي كانت له الريادة في استكشاف كثير من مجاهل العالم آنذاك، وبدأت المشروع قبل أحداث سبتمبر 2001م، إلا أنَّ تأخر تنفيذه وما طرأَ على العالم من تغييرات سياسية جعلته قليلَ الجَدْوى في الوقت الراهن، ولو كتب له النجاح حسب البرنامج الزمنيِّ المحدد لكان له أثرٌ مميَّز.. وقد كان الكتابُ الذي تناول ضيفُنا الكريم جانباً منه من أهمِّ الكتب التي عنينا بترجمتها.. آملاً أن يأتي يوم ترى فيه هذه الأعمال الجادة النور عبر الترجمة إلى أكثر من لغة حية كخير شاهدٍ على عظمة أمّة أرادَها الحق سبحانه وتعالى أن تكونَ خيرَ أمةٍ أُخرجت للناس. |
إنّ إسهامات ضيفنا الكريم أكثر من أن تحيط بها هذه العجالة، متمنياً أن نسمع منه المزيد عن أفكاره وتوجيهاته المستقبلية، والدور الذي يتوخاه من مركز البحوث والدراسات الكويتية، كمؤسسةٍ علمية بحثية لها أهميتُها الكبرى في منظومة مراكز البحوث التي يشرئب العالم العربيُّ ليرى المزيدَ منها حول المدن الجامعية والصناعية، فهي أداةٌ اثبتَ العالم أنّه لا غِنىً عنها لأيِّ نهضةٍ تنموية. |
ويسعدني أن أنقل لاقط الصوت لأخي، زميل العمر الكبير قدراً، معالي الأستاذ الدكتور محمود بن محمد سفر، وزير الحجِّ الأسبق ليرعى بجميل فضله هذه الأمسية، امتداداً لنهج ((الاثنينية)) في رعاية أمسياتها بعلم ممن شرفت دائماً بمعاضدتهم وصادق تعهدهم لفعالياتها بالعناية والاهتمام، فله الشكر على كريم فضله. |
كما يسرني أنْ نلتقي الأسبوع القادم بمشيئة الله للاحتفاء بسعادة الدبلوماسيِّ والأديب المعروف سعادة الأستاذ الكبير عبد الهادي التازي، الذي سوف يحضر من المملكة المغربية تلبيةً لدعوتكم ويسعدنا بالتواصل الذي ظللنا ننعم به في إطار التوأمة التي تجمع اثنينيتكم مع منتدى الجراري، وبمباركة من العاهل المغربيِّ الملك محمد السادس.. فإلى لقاءٍ يتجدد وأنتم بخير. |
والسلام عليكم ورحمة الله. |
|