شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((كلمة سعادة الأستاذ الدكتور حلمي القاعود))
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه أجمعين وبعد..
الحقيقة أجد أن لساني ينعقد فلا يستطيع الإفصاح ولا الإبانة عن فضل مؤسس "الاثنينية" وكرمه، الذي طوَّقني به حين دعاني إلى هذا اللقاء وحين تكلم عن شخصي المتواضع الذي يعدّ نفسه مجرد طالب علم وليس أستاذاً، وأظنه سيبقى إلى يوم يلقى الله، وهو يطلب العلم ويسعى إليه، ويراجع الرأي ويمحصه ويناقشه ويعود إلى الصواب إذا رأى أن العودة حق ويبقى على موقفه إذا لم يجد من المسوغات ما يدعوه إلى التخلي عن موقفه، أنا مدين لهذا الرجل الكريم بهذا التقدير وبهذه الحفاوة، لا أكتمكم ونحن بشر أن المرء يأسى حين يرى مثلاً بعض المؤسسات تحتفي وتقدِّر بعض الناس وتتجاهل بعضهم الآخر لسبب هنا ولسبب هناك، ولذلك فأنا أرى ومعذرة عن استخدام ضمير المتكلم، أرى أن هذه الحفاوة وهذا التقدير وهذا التكريم يتميز بثلاث مميزات: الميزة الأولى: أنه يأتي من جهة غير رسمية هي جهة شعبية وطنية عربية إسلامية لا تبغي مصلحة ولا تبغي نفعاً وإنما هي تهدف إلى خدمة الأمة وتبحث عمن يسهم في هذا المجال، فتحييه وتحتفي به، وهذا في حد ذاته عنوان كبير على النزاهة والإخلاص.
الميزة الثانية التي تجعل لهذا التكريم مذاقاً خاصاً هي أنها تأتي في سياق ينتظم وجوهاً ثقافية وفكرية وأدبية، تمتد على أرض المعمورة لا تتوقف عند بلدنا الأول كما تفضل سعادته وهو المملكة العربية السعودية ولكنها تمتد إلى المعمورة كلها، فنجد كثيراً من الفضلاء يقدرون ويُحتفى بهم في هذه "الاثنينية" المباركة.
الميزة الثالثة: هذا التكريم يأتي وأنا أطوي سن الستين، وهذه السنوات الستون التي قضيتها أشعر أنها تمهد لما ينبغي أن يكون، ولما ينبغي أن أتطلع إليه وهو أن أقرأ من جديد، أو أبدأ مرحلة جديدة في القراءة، تحقق لي ما أريده لا ما يُفرض عليّ، لقد كنت فيما مضى مضطراً لقراءة ما يُفرض عليّ أما ما سوف يأتي فهو بالتأكيد إن شاء الله سيكون معظمه على الأقل من اختياري ومما أحب أن أقرأ وأيضاً لعلّي أتحرر قليلاً في الكتابة لأعود إلى ما بدأت به قبل أكثر من أربعين عاماً، وهو الكتابة الإبداعية أن أكتب القصة وأكتب الرواية، هذه ميزات ثلاث لهذه الحفاوة ولهذا التقدير ولهذا التكريم، وأرى أن هذا التكريم يأتي في مناسبة قد يراها البعض صادمة أو مزعجة ولكني أراها دليل عافية لهذه الأمة، فقد تحركت الأمة على المستوى الشعبي لتدافع عن محمد صلى الله عليه وسلم ولتثبت للدنيا كلها أن الأمة من أقصاها إلى أدناها هي أمة واحدة هي تصدق ما ورد في القرآن الكريم: إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً (الأنبياء: 92) وقد شُغلت بمحمد صلى الله عليه وسلم منذ بداياتي، حباً وعلماً ودراسة ووعياً وكتابة وقد كتبت بحثي للدكتوراه عن محمد صلى الله عليه وسلم في الشعر العربي الحديث، فاستغرقني ولولا أنني وأنا أكتب كنت أحاول لملمة الموضوع لكتبت العديد من المجلدات عن محمد صلى الله عليه وسلم في الشعر العربي الحديث، هذه مناسبة من المناسبات التي تثبت أن أمتنا حية لا تموت رغم ما يدبر لها ومع ما ينزل بها، فهي مستمرة في الحياة، ومستمرة في المقاومة، ومستمرة في الإبداع، وهذا الإبداع الشعبي الذي رأيناه في مواضع وأماكن لم نكن نحلم أن يكون فيها، أصارحكم القول ونحن نشاهد مباريات كأس الأمم الإفريقية تزعم البعض أن يرفع شعارات حضارية بعيدة عن روح الأمة فإذا بنا نفاجأ في الملاعب باللاعبين والمشاهدين وهم جمهور جديد كما يوصف كله يهتز ونقول نحن فداك يا رسول الله، كيف هذا؟ كيف يحدث هذا؟ والبعض يتصور أن الأمة تخلت عن كل شيء، وسلّمت بكل شيء واستكانت لكل شيء، الأمة ما زالت بعافية والحمد لله.
الحقيقة عندما أتحدث عن تجربتي الإنسانية فهي تجربة بسيطة، تجربة إنسان بسيط ولد في القرية وعاش فيها وما زال يعيش فيها حتى اليوم لم تجذبه أضواء المدينة، ظل بها يتعامل منها ويتصل بالعالم من خلالها وقد يكون ذلك أمراً عجباً في السياق الذي نعيش فيه في مصر، ولكنني أصررت عليه ولعلّي تأثرت في ذلك بصديقي الأديب الكبير ـ شفاه الله وعافاه ـ الأستاذ الدكتور عبد السلام العجيلي الروائي الأول في سوريا الشقيقة الذي لم يُفارق مدينته الصغيرة أو قريته سابقاً التي تسمى "الرّقّة" ويعرفها الأخوة السوريون الذين يجلسون معنا فالرجل مع أنه عُيّن وزيراً ونائباً في مجلس النوّاب في عام 47 و 48 كان يذهب إلى دمشق ثم يعود إلى قريته ويمارس مهنة الطب كمحترف ومهنة الأدب كهاوٍ ويظل فيها حتى يومنا هذا وقد تجاوز التسعين بارك الله في عمره وشفاه وعافاه.
عشت في قريتي وقريتي واحدة من أربع آلاف قرية مصرية ولكنها تتميز بأنها تعيش على نهر، على نهر النيل، والنهر له في حياتي قصص وحكايات والنهر مصدر فرح ومصدر سرور ومصدر غضب أيضاً، النهر ربطني وارتبطت به، والقرية ربطتني وارتبطت بها، ثم كانت تجربتي مع العمل في أن أكون معلماً يبدأ المرحلة من أول السلّم كما يقولون، درّست في المرحلة الابتدائية وفي المرحلة الإعدادية وفي المرحلة الثانوية حتى وصلت إلى المرحلة الجامعية والدراسات العليا وهذا كله كان يتم في بساطة شديدة وسلاسة شديدة لشخص عاش بسيطاً وارتضى البساطة في حياته وتعامل مع مجتمع بسيط لا يعرف التعقيد ولا يعرف "البروتوكولات" أو "الإتيكيت" أو غير ذلك من مصطلحات المجتمع المتمدن، ولكن هذا كله لم يمنعني من أن أدخل إلى الدائرة الصعبة أو الدخول في دائرة الأدب أو حرفة الأدب، فأدركتني حرفة الأدب، وما أدراك ما الأدب وحرفة الأدب؟ هي مسألة تقتضي منا مزيجاً من التفاعلات ومن الأحوال، ولكن الفتى الريفي صمم أن يبقى هو كما هو يذهب إلى القاهرة وإلى منتدياتها يرقب ويلحظ ولكنه لا يفرط في داخله لا يفرط في مكنونه.. لا يندمج.. لا يتفاعل بالطريقة التي تلغي تميزه أو تلغي خصائصه، ولذلك كانت التجربة الأدبية في بدايتها إبداعاً، أكتب القصة القصيرة، وأكتب الرواية وأنشر في الأديب والآداب في بيروت وقبل الأديب والآداب أنشر في "الرسالة" والثقافة الإصدار الثاني وبعد أن أُغلِقت بفعل فاعل لم تكن إلا بيروت، ثم تكون التجربة الأدبية في أتون الانصهار وأنا مجند بعد هزيمة 67 وأدخل إلى القوات المسلحة لأبقى ست سنوات طوال مليئة بالأسى والشجن وبالأعاصير النفسية والفكرية، فأنا أعيش مرحلة الهزيمة المريرة التي عبَّرت عنها في مجموعتي القصصية "رائحة الحبيب" وفي روايتي "الحب يأتي مصادفة" وكانت هذه المرحلة من أشق الفترات على النفس البشرية المصرية خصوصاً، وعلى نفس البشرية العربية عموماً، فإن تُفاجأ بين يوم وليلة وقد ضاعت منك أرضك وقدسك وكل فلسطين وجزء كبير من سوريا، وجزء من لبنان، وجزء من الأردن، وتجد العدو يفصل بينك وبينه ممر مائي وهو يغايظك ويكايدك في الصباح والمساء وأنت لا تستطيع أن تفعل شيئاً وثلاث محافظات هُجّرت إلى الداخل رجالاً ونساءً وأطفالاً، مع ما تبع من ذلك من مضاعفات وآلام كل ذلك اختزنته وتأثرت به وانفعلت به وتألمت منه وتألمت له، وعبَّرت عن بعضه وما زلت أختزن معظمه لعل يوماً ما يأتي فأحاول أن أعبِّر عنه.
لكنني بعد انتصار رمضان وهو يشبه المعجزة بكل المقاييس في ظل عدم تكافؤ القوى وفي ظل الفارق الشاسع والبون الشاسع بيننا وبين العدو اتجهت إلى النقد الأدبي، والنقد الأدبي في تلك المرحلة كان منطقة وما زالت منطقة مزعجة، النقد الأدبي مزعج لصاحبه وللمنقودين على السواء، ونادراً ما يبقي لك صديقاً، لأن صاحب العمل أو صاحب النص الإبداعي وزملاؤنا النقاد يعرفون هذه المسألة يريدون تقريظاً وثناءً ومدحاً، وإذا فعلت غير ذلك فأنت متهم وفي الحالين لا يصبر في هذا الميدان ولا يصمد فيه إلا أولو العزم، ولا أُعد نفسي منهم، على كل حال لعلها سذاجة ريفية أن أستمر في هذا المجال وأن أشق طريقاً مختلفاً عن الطرق التي كانت سائدة في ذلك الحين، فقد عشنا فترة راج فيها ما يُسمى "الأدب الاشتراكي" و "النقد الواقعي" ورأينا من ينتقص ويذم في التوجه الرومانسي أو التوجه الكلاسيكي، كانت هناك مفارقات وكانت المنابر الأدبية والثقافية في ذلك تتأثر بالقائمين عليها، وأنت إذا أردت أن تكتب يجب أن تُساير هؤلاء، وفي الحقيقة فكما قلت لكم قبل قليل فإن السذاجة الريفية دفعتني لأن أتمسك بمنهجي الذي أعده في تواضع شديد أقرب إلى المنهج التكاملي الذي يركز على النص تحليلاً وفهماً ووعياً وبناء إلى آخر هذه الخطوات المعروفة.
ولكنني في منتصف السبعينيات بدأت أتساءل وكانت قد بدأت هنالك درجة من الانفراج الفكري والسماحة التعبيرية ـ إذا صح التعبير ـ أتساءل عن وجود أدب يعبِّر عن التصور الإسلامي، فكتبت في "الأهرام" مقالاً قصيراً بهذا الخصوص واشتغلت الساحة الأدبية بين رافض لما أقول وبين مؤيد، وبين فريق يرى أن ما أطلبه أو ما أبحث عنه هو الأدب الذي يسجل التاريخ الإسلامي، وأذكر أن الأستاذ الناقد الكبير في ذلك الوقت الأستاذ عباس خضر ـ رحمه الله تعالى ـ كتب في "الأهرام" رداً على هذا المقال، وكتب "بل هو أدب موجود"، أو "بل هذا الأدب موجود"، لا أذكر العنوان بالضبط ولكنه تكلم في سياق الحديث عن الروايات التي كتبها جورجي زيدان في تاريخ الإسلام ونحوها، ولكني كنت أبحث عن شيء آخر عَبرَتْ أو بلورته رابطة الأدب الإسلامي بعد عشر سنوات تقريباً في رابطتها المعروفة بهذا والتي تبناها أبو الحسن الندوي ـ رحمه الله تعالى ـ.
البعض يفهم أن الأدب الإسلامي هو الوعظ وهو الإرشاد وهو الكلام الذي يحمل توجيهات مباشرة للجمهور ولكنني كنت أتكلم عن شيء آخر، "التصور" التصور هو الذي يُبرز فكرة الكاتب ويبرز رؤيته للعمل من منظور إسلامي، سواء في الشعر أو في النثر، ومع ذلك فقد اكتشفت أن الروايات التي تُكتَب أو الأدب القصصي بصفة عامة الذي يُكتب من منظور إسلامي محدود للغاية فكانت الدعوة إلى كتابة الرواية الإسلامية أو من منظور إسلامي وكتابة القصة من منظور إسلامي وهو ما استجابت له الرابطة عندما أعلنت عن مسابقات لكتابة الرواية الإسلامية واكتشفنا عدداً من المواهب الجيدة التي رشحتُ بعضها لأن يكون نجيب محفوظ الرواية الإسلامية لو استمر في طريقه وفي منهجه، وهو كاتب في مغربه اسمه "سلام أحمد إدريسُهُ" على كل حال يحضرني الآن أن أذكر لكم طرفة من الطرائف حول الرواية وحول القصة بصفة عامة، كنت في إحدى الكليات معي بعض الزملاء ونقابل بعض الطلاب المرشحين للإعادة، يعني مرشحين للعمل معيدين في الكلية التي أعمل بها، فسألتُ أحدهم هل قرأت رواية، فنظر إليّ وسكتْ فكررت السؤال مرة ثانية فنظر إليّ وسكتْ، فقلت: ألم يُدرّس لك فلان وفلان، فقال: نعم، قلت: ماذا درّسوا لك، قال: درّسوا لي علي أحمد باكثير، ونجيب محفوظ، ومحمد عبد الحليم عبد الله، وعبد الحميد جودة السحار، إذاً لماذا لا ترد عليّ؟ فقال: لقد سُئل أحد المشايخ فسكتْ، يعني سُئل عن القصة وعن الرواية فسكتْ، يعني لم يقل هي حلال ولم يقل هي حرام، فضحكت وقلت له إننا لو لم نُدرّس الرواية لن نأكل عيشاً وضحكتُ وانتهت المسألة، لكنني خرجت من هذه الطرفة أو هذه الواقعة البسيطة أن هناك من ينظر إلى الرواية على أنها كذب، وإلى أن القصة كذب، وأشياء من هذه التأويلات التي تدخل بنا في متاهات لم تعد صالحة لندخل فيها في هذا العصر وفي هذه الأيام. على كل حال اهتمامي بالرواية الإسلامية وبالرواية التاريخية وبالأعمال السردية بصفة عامة كان يصب في توجيه الأدب الإسلامي إلى هذا المجال الذي يبدو ضحلاً ويبدو محدود القيمة سواء من ناحية الكم أو من ناحية الكيف.
كان هناك مجال آخر توازى مع الاهتمامات الأدبية والنقدية بصفة عامة وهو المجال الإعلامي، كانت هناك بعض الظواهر الإعلامية كنت أتابعها وأظن أنني أول من كتب عن الصحافة المهاجرة التي تركت العالم العربي وذهبت إلى لندن وباريس وروما وقبرص لتصدر من هناك بعض المجلات وبعض الصحف، وأيضاً بعض الكتب فيما بعد، على كل حال هذه الظاهرة كانت ظاهرة أملت عليّ أن أؤلف فيها كتاباً يكشف عن بعض أبعادها الغائمة ويأتي بعض الزملاء ليكملوا المسيرة من المتخصصين في كليات الإعلام وأعتقد أنني لم أتوسع في هذا المجال لأن الصحافة الإسلامية استغرقتني، والحقيقة الصحافة الإسلامية كان لها في أوائل السبعينيات منهج تقليدي يقوم على معالجة القضايا المكررة والنظر إلى بعض الأمور التي لا تعني الجمهور فبحمد الله تعالى أعتقد أن إسهامي في هذا المجال كان لمناقشة القضايا اليومية التي يعيشها الناس، والقضايا المطروحة على الساحة وعلى رأسها قضية تطبيق الشريعة الإسلامية، وكانت الشريعة في ذهن بعض النخب الثقافية في ذلك الوقت وربما إلى الآن مرتبطة بالحدود، وطبعاً هذه مسألة في غاية الخطورة أن يفهم الناس أن الإسلام هو قطع أيدٍ وهو رجم للرجال والنساء وهو قتل ولا شيء غير ذلك، فحاولت مع مجموعة من الكتّاب الفضلاء أن نُقدم الصورة السمحاء للإسلام ونبرز أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بُعث وأرسل رحمة للعالمين وأن الشريعة الإسلامية ليست هي الحدود، وليست هي القِصاص، ولكنها منهج حياة يقوم على الرحمة وعلى المودة وعلى التكافل وعلى التعاون، وعلى المساواة وقبل ذلك وبعده على الحرية، لأنك عندما تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فإنك تحرر من كل شيء آخر.
أعتقد أنني أسهمت بجهد متواضع في بعض المؤسسات الأدبية والثقافية فقد كنت عضواً مؤسساً في اتحاد الكتّاب في مصر الذي صار حقيقة واقعة سنة 76 وأيضاً كنت عضواً مؤسساً لرابطة الأدب الإسلامي واتحاد الكتّاب مع هزال دوره حتى اليوم إلا أنه ما زال يجمع معظم كتّاب مصر وفيهم بعض كتّاب العرب أيضاً ويحاول أن يسعى أن يرقى بدور الكتّاب ويجمعهم على بعض القضايا، وأعتقد أن الوقت سيتيح له مستقبلاً بإذن الله أن يكون اتحاداً فاعلاً وخصوصاً مع بقية الاتحادات العربية.
أما رابطة الأدب الإسلامي فيكفي أنها ترفع الاسم وتناضل في حدود إمكانياتها وقدراتها البسيطة لتواجه الهجمة الشرسة التي تحاول تغريب الكلمة العربية المسلمة لتخدم الآخر، ونحن في حاجة إلى أن نَعُد الأدب الإسلامي نوعاً من التجديد في الأدب العربي، لأن الأدب العربي ظل على مدى ثلاثة عشر قرناً من الزمان أدباً إسلامياً في روحه وفي مضمونه باستثناء بعض النصوص التي لا تؤثر فيه، ولكن بعد الهجمة الاستعمارية الوحشية والتي بدأت بعد وصول نابليون إلى مصر والشام بدأت تتكون نخب تخجل من الإسلام وتخجل من العروبة وتخجل من كل ما يمت إلى تراث هذه الأمة، وبالمناسبة أذكر أن هذا الأمر طرح قضية الحداثة وطبعاً نحن كبشر أو بصفتنا بشراً لا نرفض أن نتقدم أو ننطلق إلى الأمام أو نتجدّد أو نتحدّث من "التحديث" لكن البعض طرح قضية "الحداثة" بالمفهوم الغربي، والمفهوم الغربي لا يتوقف عند حدود التجديد في الأدب وإنما يطرح مذهباً فكرياً هذا المذهب الفكري كان عنوانه كما يقول بعض الباحثين "البارود والغزو" هذه الحداثة انطلقت لتغزونا على وجه الخصوص ولتضربنا بالذات، وهي بداية عصر الاستعمار الحديث، على كل حال كثير من المتحدثين في الحداثة لم ينظروا إلى المفهوم الغربي الذي يتعامل به أهلها مع أن الحداثة وما بعد الحداثة انتهى ودخلنا في العولمة ودخلنا في أشياء أخرى، واليوم "فوكوياما" كتب مقالاً في "الشرق الأوسط" يبدو فيه يتراجع عن القصة التي أطلقها "نهاية التاريخ" ويقول إن أمريكا تقود العالم بمنطق الإمبراطورية الكبرى إلى آخر الكلام الذي قاله بعض العرب في السنوات الماضية تعليقاً على كتابه "نهاية التاريخ" على كل حال الحداثة تعني عند الأوروبيين أو عند من رفعوها هناك تعني الانقطاع، والانقطاع هذا يعني أن تتخلى عن كل ما سبق وتُنْشِئ عالماً جديداً وفق مرئياتك وتصوراتك البشرية، فهو بهذا يُلغي الوحي ويلغي الأديان بصفة عامة، ولكن الحداثة كما تعلمون كلمة مراوغة، والمراوغة أنها عندنا بمفهوم الحداثة بمعنى الشباب، والحداثة ضد القِدم وهذا يعني أننا محتاجون إلى استخدام المصطلح استخداماً، لبساً ولا غموضاً.
نحن في حاجة إلى التحديث وهذا أمر لا مفر منه لأنه سنَّة الله في خلقه، أن تتجدد الحياة في كل النواحي وفي كل الأحوال وليس معقولاً أن أسافر إلى حفر الباطن وأنا أركب جملاً هذا طبعاً كلام غير منطقي وغير صحيح، ولكن أستفيد من التحديث المادي أما ما يتعلق بالروح وما يتعلق بالقيم وما يتعلق بالهوية فهذا أمر له حسابات أخرى.
الحقيقة هناك قضايا أخرى كثيرة عالجتها ودخلت إلى معمعتها وثبت بحمد الله في كثير منها أنني كنت على صواب وهذا ما أحمد الله عليه، أما ما كان خطأً فأسأل الله أن يعفو عني ويغفر لي ويبدو أنني تكلمت أكثر مما كنت أتوقع ولهذا سأكتفي بهذا القدر لأعيد التأكيد على امتناني وتقديري وعرفاني لهذا الرجل ولدوره العظيم في إثراء الواقع الثقافي وفي إقامة هذه اللقاءات التي تثير كثيرا ًمن القضايا وكثيراً من الفكر وكله إن شاء الله سيصبُّ لمصلحة الأمة ولمصلحة الأوطان العربية الإسلامية، إني أشكره مرة ثالثة وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقه إلى المزيد وينفع به وينفع بكم جميعاً، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ عبد المقصود خوجه: قبل أن أنقل الميكرفون لعريف الحفل الزميل الكريم، أود من الأعماق أن أشكر سعادة السفير الأستاذ الأخ الكريم عفيفي عبد الوهاب قنصل جمهورية مصر في جدة الذي يتفضل مشكوراً دائماً بإسعادنا بحضوره والذي أفضل في هذه الليلة ليكون هو الراعي الأول فدائماً لم يسمع أننا نكرّم مصرياً إلا ويبادر بالحضور وهذا ما كنت أتمناه على كثير من سعادة السفراء الذين يكرمون من بلادهم أعلاماً ولا نسمع منهم حتى الاعتذار، فكم أنا مُقدر وشاكر لسعادته هذا التفضل الذي أرجو أن يكون نبراساً وقدوة يحتذى به، وأقل تحية لابن من أبناء أوطانهم نعتز ونفتخر بالاحتفاء بهم وشكراً جزيلاً لك يا أستاذ عفيفي عبد الوهاب وأرجو أن تكون القدوة الكريمة وأرجو أن يسمعني الزملاء الكرام سعادة القناصل الذين يضنون علينا حتى بالتواصل لإعطائنا أسماء من نحتفي بهم. ولكن شكراً لهم في كل الأحوال.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :811  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 97 من 252
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج