((كلمة سعادة الشيخ عبد المقصود محمد سعيد خوجه))
|
بسم الله الرحمن الرحيم، أحمدك اللهم كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، وأصلّي وأسلّم على سيدنا وحبيبنا وقدوتنا محمد، وعلى آل بيته الكرام الطاهرين وصحابته أجمعين. |
الأستاذات الفضليات.. |
الأساتذة الأكارم.. |
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: |
بكل الود نلتقي الليلة بالأستاذ الجليل والتربوي القدير الأستاذ الدكتور حلمي محمد القاعود، الأديب والناقد الكبير الذي أثرى المكتبة العربية بأكثر من ثلاثين مؤلفاً في مجالات الأدب والإبداع والنقد والقضايا الإسلامية، كما يقوم بدوره التربوي والتعليمي أستاذاً للغة العربية وآدابها في كلية التربية للبنات بحفر الباطن. |
وقبل أن أسترسل.. أقف بغُصَّة مترحماً معكم على فقيدنا الأديب المطبوع والصحفي اللامع، والكاتب المعروف الأستاذ عبد الله بن حمد القرعاوي، ـ رحمه الله ـ الذي انتقل إلى دار البقاء، بعد حياة حافلة بالعطاء الخيّر، وقد احتفلت به اثنينيتكم بتاريخ 19/7/1416 الموافق 11/12/1995، ومع الأسف الشديد رزئنا بفقد أحد رواد الصحافة في بلادنا بل أستطيع أن أقول على امتداد ساحة الضاد الأستاذ السيد هشام علي حافظ، والذي شرفت اثنينيتكم بتكريمه مع أخيه السيد محمد علي حافظ متعه الله بالصحة والعافية بتاريخ 16/6/1417هـ الموافق 28/10/1996م، أحسن الله إليهما بقدر ما قدّما لوطنهما ومواطنيهما، وجعل الجنة مثواهما، وألهم أهلهما وذويهما الصبر وحُسنَ العزاء. |
إن المتتبع لمسيرة ضيفنا الكريم يجد أنه من طبقة الأساتذة الذين طُبِعوا على حبّ العلم، فهو لم يغادر مقاعد الدرس إلا ليقف مجدداً في قاعات المحاضرات مدرساً ومربياً في مختلف الجامعات والكليات بمصر الشقيقة، أو بلده المملكة العربية السعودية، ولا أقول الثاني لأنه حقيقة بين إخوانه وتلامذته ومحبيه وعارفي فضله. |
إن الهمَّ الأكاديمي لم يُشغل ضيفنا الكريم عن ملاحقة الشأن الثقافي بمعناه الواسع، فخاض معترك الكلمة وسط تيارات تعجُّ بكثير من المسائل التي نتفق أو نختلف معه فيها لكننا لا نملك إلا أن نحترمه لأنه ينطلق من أرضية الصراحة والموضوعية، فهو يقول عن نفسه: (تعودت أن أُدقق وأُحلل، وأُراجع وأقارن، ثم أكوّن الرأي الذي أقتنع به عن يقين، وأؤمن به عن وعي)، هذا الوضوح جعله يركب المركب الخشن، وأعني الصراحة التامة حيث ينعدم لديه اللون "الرمادي" فهو يسمّي الأشياء بأسمائها، ويقرن القول بالعمل، ويدافع عن آرائه وأفكاره بكثير من الجرأة، حتى إن كتابه الشهير الموسوم "الورد والهالوك" والذي اعتبَرَه الناقد الكبير الأستاذ الدكتور مصطفى هدارة ـ رحمه الله ـ كتاب العام في مصر عن سنة 1993م، قد قسّم شعراء مصر في سبعينيات القرن الماضي إلى معسكرين: أحدهما للأصالة التي رمز إليها بـ "الورد" والآخر لـ "الهالوك" وهي النباتات الطفيلية التي تتغذى على غيرها وتتسلقها لتنال حظها من الضوء، ولم يتوار خلف مسميات وهمية أو تعمية دبلوماسية في الطرح، بل ذكر أصحاب كل فئة بالاسم الواضح الصريح، وقال كلمته التي أيدها بحصافة الناقد العلمي المتمرس، والأكاديمي الذي يمتلك أدواته ويستخدمها بكثير من الحنكة، فكان أن وجد الكتاب رواجاً كبيراً وصدرت منه طبعة ثانية لتغطية الطلب المتزايد عليه، في وقت نرى ما للكتاب من كساد وبوار في سوق الفضائيات. |
إن هذه الروح التصادمية التي يتصف بها ضيفنا الكريم كانت دافعاً قوياً ومصدر طاقة مرشدة ليقف مدافعاً ومنافحاً عن كثير من القيم الإسلامية، ومفنداً بعض المواقف التي لا تتسق مع مرئياته وأفكاره النابعة من أصالة وحضارة الأمة الإسلامية، وبالتالي لكم أن تتخيلوا مقدار الضغوط التي وقعت عليه من فئة تتحكم لوقت طويل في ناصية الإعلام بكل أنواعه وقنواته، وبالرغم من عدم تكافؤ الكفتين إلا أن الحق الذي يدافع عنه ضيفنا الكريم مدعوماً بقيمنا الرفيعة، والأخلاق السامية، والصدق والصراحة، جعلته يقف على أرضية صُلبة وينجز الكثير من المؤلفات القيمة التي وجدت قبولاً لدى المتلقي، بالإضافة إلى مشاركاته في العديد من الندوات والمحاضرات العامة والمؤتمرات مما كان له أطيب الأثر في وصول صوته ـ رغم الجلبة ـ إلى آفاق بعيدة، وأسهمت في أن يقتعد مقعده بيننا اليوم مكرماً مُعززاً على طريق الكلمة الذي يجمعنا على الحق وبه. |
وأشير بكثير من التقدير إلى قاموس ضيفنا الكبير الذي تفرد بأسلوب مباشر وكلمات وتعابير ينتقيها بحرص وعناية، فتُغني عن فضول الحديث، بل تجده لا يكرر نفسه، أو يتكئُ على أفكار غريبة فيترجمها من مصطلحات الفكر الغربي ويُسقِطها على أعماله، فتراه دائماً يُعمل رأيه ويمحِّص قبل أن يُدلي بِدَلوه في تيارات مفرطة الحساسية، كثيرة النتوءات، شديدة المنحنيات، مما يستدعي الحذر في التعامل معها بما يحفظ الخط الفاصل بين صرامة الناقد المحترف وعدم الدخول في مهاترات لا تعود بخير على أحد. |
لقد امتاز ضيفنا الكريم بمنهج وسطي معتدل في تناول القضايا الإسلامية والنقدية التي ناقشها بكثير من الهدوء والعقلانية، فكان الناتج بطبيعة الحال عملاً مُتقبَّلاً لدى مُختلف ألوان الطيف الثقافي، فهو وإن كان صريحاً حد السيف، إلا أنه لا يجرح أحداً، ولا يسيء إلى شخص بعينه، وإنما يركز جهوده على المبادئ والمناهج والأُطر التي تحكم الرؤى والأفكار، بعيداً عن تصفية الحسابات، أو النظرة الضيقة للانتماءات المذهبية والدينية. |
إن الحديث عن ضيفنا الكريم لا بد أن يقودني إلى تقديم الشكر لصديق الطرفين الأستاذ الكبير وديع فلسطين، إذ له الفضل في تقريب المسافة بيننا وبين هذا العلم الذي نحتفي به الليلة، سعيداً أن نحييه من على البُعد، متمنين له دوام الصحة والعافية والسعادة، فهو معنا بروحه وفكره وأدبه، وإنْ حالت المسافات دون التشرف باحتضانه في هذه الأمسية بالذات، وأرجو أن يكون القادم أحلى إن شاء الله. |
ويطيب لي أن أنقل الميكرفون لراعي هذه الأمسية الأخ الأستاذ الدكتور جميل مغربي، أستاذ اللغة العربية وآدابها في كلية الآداب، جامعة الملك عبد العزيز بجدة، على أن يستمر إن شاء الله هذا النهج الذي سارت عليه "الاثنينية" منذ بدء هذه السنة مؤخراً بأن يرعى الأمسية علماً من الأعلام سواء كنت موجوداً أو غير موجود، وأن تحجب كلمات الترحيب التي وجدنا في خلال الأعوام التي مضت أنها لم تضف شيئاً كثيراً على هذه الأمسيات لنترك لضيف الأمسية أن يبحر بنا عبر كلماته ومحطات قوافل حياته مما يكون أكثر توثيقاً وأكثر فائدة للجميع، راجياً أن نلتقي الأسبوع القادم بمشيئة الله للاحتفاء بسعادة الأستاذ الكبير عبد الله طنطاوي الكاتب المعروف رئيس رابطة الوعي الإسلامي ورئيس تحرير مجلة "فراس" الذي نُشر له أكثر من سبعين كتاباً في القصة، والرواية، والنقد الأدبي، والتراجم، والتحقيق، بالإضافة إلى نشاطاته الإعلامية المختلفة، والذي سوف يحضر من عمّان خصيصاً ليسعدنا بكريم أدبه وعلمه، وسابغ فضله، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بكم جميعاً. |
قبل أن أختتم كلمتي أود أن أقول إن "الاثنينية" تسعى لا أقول لتكتشف ولكن تسعى وراء أهل الفضل ولا أقول لتلقي الضوء عليهم، ولكن لتقدمهم بما لهم من فضل من مواقف تُشكر فتُقدّر وما نحن إلا لسبب، فأنا لا أسعى وراء أسماء لامعة، الأسماء اللامعة مطروحة على الجميع ولا يعني أنه عندما أقول أسماء لامعة أنها لامعة بما نعرفه من اصطلاح لغوي، ولكن بما أعني أنها لمعت بما لها انتشار عبر القنوات الفضائية أو عبر الكتب، هناك كثير من أهل الفضل أنا لا أفاضل ولست في موقف ناقد ولا مقارن ولكن لمعت بأسباب، وأما التقييم فهو ليس لأمثالي، وإنما وضعت نصب عيني أنني أوازن بين الأسماء اللامعة بعطائها وقد يكون غير معروف عند الكثيرين وأما المقارنة فليست لي كما أسلفت وبعض الأسماء التي ربما يجهلها الكثيرون، لعلّي بهذا أضيف لاثنينيتكم شيئاً يُضاف فيُذكَر فيُقَدّر من قِبَلِكم وهذا واجبنا تجاه كل رجالات العلم بما نستطيع والله الموفق. |
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. |
|