((سعادة الأستاذ الدكتور عبد الكريم عوفي))
|
بسم الله الرحمن الرحيم، التطواني المجاور (حسن عبد الكريم الوراكلي): آثاره ونشاطاته العلمية: |
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وصحبه الأخيار، معالي الأستاذ عبد المقصود خوجه، السادة الأساتذة الأفاضل السيدات الفضليات، أستاذي الكريم الدكتور حسن عبد الكريم الوراكلي، الأخوة الضيوف. |
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، وبعد |
فبهذه المناسبة الطيبة أتوجَّه بخالص الشكر ووافر العرفان إلى الأستاذ عبد المقصود خوجه راعي هذا الحفل العلمي المبارك، وأدعو الله أن يجازيه عن العلم والعلماء خيراً، وأن يُيسّر له سبل استكمال إنجاز ما رسمه من أهداف علمية وتربوية لاثنينيته المتميزة. |
أما أستاذنا المحتفى به الدكتور حسن عبد الكريم الوراكلي؛ ((التطواني المجاور)) على حد تعبير محمد المنوني ـ رحمه الله ـ فأحببت أن أقف في هذه الورقة عند آثاره وبعض نشاطاته العلمية، وقد عنونتها بـ (التطواني المجاور ((حسن عبد الكريم الوراكلي)): آثاره ونشاطاته العلمية)، وذلك إكباراً ووفاء له وللعلم أمام هذا الكوكبة من العلماء ومحبي الفكر والثقافة. |
إن اسم الدكتور حسن عبد الكريم الوراكلي إذا ذُكر استدعت الذاكرة ذلك الرجل البحّاثة المنقب المحقق الأديب المبدع الفقيه المفسّر المحدّث المؤرّخ المعلم المترجم، صاحب المؤلفات والتحقيقات والدراسات والترجمات والأبحاث والأعمال الإبداعية التي تزيد على ثمانين عملاً علمياً، تنوّعت أغراضها ومضامينها ومصادرها بحسب مجالاتها المعرفية والفنية، وتعالقت بوشائج قربى أصبغها عليها الأديب الألمعي، العالم الخبير بأسرار العربية، المتحكم في آليات البحث والأداء الفني الجميل، وهي تعالج في جملتها قضايا فكرية وعلمية وأدبية وثقافية وتاريخية؛ تراثية ومعاصرة، ولعلّ في ذكر هذا المسرد البيبليوغرافي لبعضها في مجموعات مستقلة ـ على سبيل التمثيل لا الحصر ما يجلي بوضوح للقارئ ما تمتاز به من خصوصيات علمية وأدبية وفكرية. |
أولاً ـ تحقيق التراث، ومنها: |
1 ـ أحكام القرآن، لابن الفرس الغرناطي، تحقيق ودراسة. |
2 ـ المقامات اللزومية لأبي طاهر السرقسطي. |
3 ـ ديوان ابن صارة الشنتريتي. |
4 ـ زهرة الروض في تقدير الفرض، لابن باق الأموي. |
5 ـ الإعلام ببعض من لقيته من علماء الإسلام، لعبد الواحد السجلماسي. |
6 ـ كتاب في المعارف والآداب، لابن منديل العزفي السبتي. |
7 ـ نصوص أندلسية في الفقه والتاريخ والأدب (تقديم وتحقيق). |
ثانياً ـ التأليف والدراسة في أدب العدوتين (الأندلس والمغرب)، ومنها: |
1 ـ أشذاء أندلسية. |
2 ـ العلل بعد النهل. |
3 ـ وهج وأرج. |
4 ـ ياقوتة الأندلس. |
5 ـ القاضي عياض مفسراً. |
6 ـ أدب الجهاد في الأندلس (محاضرات ونصوص). |
7 ـ القرآن وعلومه في آثار الأندلسيين. |
8 ـ جهود أبي القاسم السهيلي في الدرس القرآني. |
9 ـ نصوص أندلسية ومغربية في بلاغة القرآن وإعجازه. |
10 ـ نصوص أندلسية في علوم القرآن من كتب مفقودة أو مخطوطة. |
11 ـ ابن عبد البر الأديب. |
12 ـ فن التقديم (كتب في التفسير والحديث والتاريخ والأدب). |
13 ـ بطائق أندلسية (كنائش وجادات وإفادات). |
14 ـ شيوخ العلم وكتب الدرس في سبتة. |
15 ـ إجازات تطوانية (دراسة ونصوص). |
16 ـ تراجم أندلسية مستخلصة من كتاب ((البدر السافر)) للأفودي. |
ثالثاً ـ في الأدب الحديث، ومنها: |
1 ـ المضمون الإسلامي في شعر علال الفاسي. |
2 ـ نظرات في الأدب المغربي الحديث. |
3 ـ الأندلس في ذاكرة الشاعر السعودي. |
4 ـ خطاب القيم في القصيدة المكية الحديثة. |
رابعاً ـ في الثقافة والفكر والدعوة، ومنها: |
1 ـ الإسلام والغرب (محاور التحدي وشروط المواجهة). |
2 ـ المسلمون وأسئلة الهوية. |
3 ـ كالنيازك البراقة! (خواطر في واقع الإسلام وحال المسلمين). |
4 ـ لكي نخصب اليباب (خواطر في الدين والحياة). |
5 ـ ثقافة الحوار الحضاري عند المسلمين (تأملات في سؤال المفهوم والإجراء). |
6 ـ أقباس من الكتاب والسنَّة (أحاديث إذاعية). |
خامساً ـ في تاريخ مكة العلمي والثقافي، ومنها: |
1 ـ صفحات من مساهمة علماء المغرب والأندلس في مكة العالمة. |
2 ـ الأوصاف المغربية المستطابة لحرمي مكة وطابة. |
3 ـ مع الرحالة المغاربة في البلد الأمين. |
4 ـ إجازات علماء الحرمين لعلماء المغرب والأندلس (دراسة ونصوص). |
5 ـ تراجم مغربية في مصادر مكية. |
6 ـ أحباس المغاربة في الحرمين الشريفين (مساهمة في التاريخ للأوقاف بمكة المكرمة والمدينة المنورة). |
7 ـ المجاورون الأندلسيون (مساهمتهم في تشكيل صورة مكة العالمة). |
8 ـ المجاورون المغاربة (نشاطهم العلمي وأثرهم الثقافي). |
9 ـ نقع الأوام في الرحلة إلى البلد الحرام أو (العج والثج) ((رحلة حجازية)). |
سادساً ـ في الترجمة، ومنها: |
1 ـ ابن سيده المرسي (دراسة في حياته وتراثه المعجمي) للمستعرب الإسباني الدكتور داريو كابانيلاس، مترجم عن الإسبانية. |
2 ـ التراث الأندلسي في آثار المستعربين الإسبان (دراسات مترجمة من الإسبانية). |
3 ـ ابن وضاح القرطبي مؤسس مدرسة الحديث بالأندلس. |
4 ـ طيوف إسبانية (دراسات ونصوص من الأدب الإسباني المعاصر). |
5 ـ الأشجار تموت واقفة (مسرحية أليخاندرو كاسونا)، ترجمة وتقديم. |
6 ـ الكمامة (مسرحية ألفونسو ساستري)، ترجمة وتقديم. |
7 ـ ممنوع الانتحار في الربيع (مسرحية أليخاندرو كاسونا)، ترجمة وتقديم. |
8 ـ المعتمد بن عباد (رواية كلاوديو شانتث البرنث)، ترجمة وتقديم. |
سابعاً ـ في البيبلوغرافية، ومنها: |
1 ـ أبو الفضل القاضي عياض (ثبت بيبليوغرافي). |
2 ـ لسان الدين بن الخطيب في آثار الدارسين (دراسة وبيبليوغرافية). |
3 ـ تراث المغاربة والأندلسيين في آثار الدارسين السعوديين (دراسة وبيبليوغرافية). |
ثامناً ـ في الإبداع، ومنها: |
1 ـ الريح والجذوة (قصص قصيرة). |
2 ـ كر وفر (قصص قصيرة). |
3 ـ ياجوج ماجوج (قصص قصيرة). |
4 ـ المهر (رواية). |
5 ـ الحواة (نصوص حكائية). |
6 ـ يوميات غير ذات شأن. |
7 ـ وشي وحلي (كلمات وفاء وحب في رجالات عرفتهم). |
8 ـ الإسرار والإعلان (رسائل إخوانية). |
9 ـ الغدايا والعشايا (سيرة ذاتية). |
10 ـ فيوض (رسائل من أب إلى ابنته المغتربة في طلب العلم). |
11 ـ مصابيح (رسائل من أب إلى ابنته المغتربة في طلب العلم). |
12 ـ رقاع (مراسلات بيني وبين الشيخ الفقيه المحدث الأديب أبي أويس محمد الأمين بوخبزة). |
13 ـ سؤالات وجوابات (مقابلات صحفية وتلفزيونية في الأدب والفكر والثقافة). |
وقد كانت أعماله البحثية والإبداعية مجالاً لعدد من الأبحاث العلمية الأكاديمية والدراسة النقدية لعدد من الطلبة والدارسين، أذكر منها على سبيل المثال: |
1 ـ منهج الدكتور حسن الوراكلي في دراسة التراث الأندلسي، رسالة جامعية في آداب تطوان، بإشراف الدكتور علال الغازي. |
2 ـ الهوية والأدب (قراءات في تجربة الوراكلي السردية) بأقلام نقاد من المغرب والمشرق، جمعها وقدم لها الدكتور محمد المعلمي. |
3 ـ مكتبة الفقيه محمد باغوز والدكتور حسن عبد الكريم الوراكلي (دراسة وثبت) أشرف عليها الدكتور محمد بن عبود. |
4 ـ ثنائية الأمل والألم في (قصة الصرة)، للأستاذ الفلسطيني الدكتور جودت كساب، قيد الطبع. |
5 ـ دراسة حول مجموعة (الريح والجذوة) للناقد المصري الدكتور محمد حافظ الأستاذ في جامعة الملك سعود بالرياض. |
لعلّ قراءة هذه الآثار وغيرها على اختلاف فنونها المعرفية ومضامينها يحسون معي أن الدكتور حسن عبد الكريم الوراكلي في تأليفه ليس باحثاً أكاديمياً فحسب بل هو مبدع، إذ إن ما يكتبه من أبحاث ودراسات ينزع فيها منزع المبدعين، فلغته راقية منتقاة من حيث ألفاظها وسبك تعابيرها وتجويد أسلوبها، وهي سمة تطبع جل آثاره الإبداعية وغير الإبداعية، فأنت تقرأ بحثاً علمياً تحس أنك إزاء عمل إبداعي بحت، تتوافر له صفات العمل الفني؛ شكلاً ومضموناً، وهذه سبل لا يسلكها إلا من أوتي إحاطة بأسرار العربية وبلاغتها، واستلهم علوم الأولين وفنونهم وزاوج بينها وبين علوم الآخرين. وما من شك في أن دراسته الإسبانية والقشتالية والفرنسية كانت أيضاً رافداً له في تنوّع هذا العطاء العلمي، فقد استفاد من هذا الجانب استفادة كبيرة ظهر أثرها في تلك الأعمال التي ترجمها من الإسبانية والفرنسية إلى العربية. |
إن المناهل العلمية الثرة التي نهل منها الدكتور حسن عبد الكريم الوراكلي معارفه العلمية والفنية أصيلة ومنتقاة. |
لقد كان زاده الفكري الذي ارتوى منه وشكّل شخصيته العلمية والأدبية المتميزة التراث العربي والإسلامي الذي جادت به قريحة علمائنا في الغرب الإسلامي والمشرق، فإذا كان لأقطاب العلم والفكر في الغرب الإسلامي أثر بيّن وواضح من أمثال: لسان الدين الخطيب، والسرقسطي، وابن بسام والمقري، وابن زيدون، وابن دراج، وابن الأبار، والونشريسي، وابن لب، والقاضي عياض، وابن مسدي الغرناطي، وابن صارة، وابن عبد البر، وابن سيده والسهيلي، والمقري، هذا عن الغرب الإسلامي أما إذا وليت شطرك نحو المشرق ففتشت عن منبعه هناك فإنك تجد جواره لبيت الله الحرام سنوات طويلة ومعاشرة أهل العلم هناك عرفت السر الأكبر في وهْجه وأرَجه، لذلك لا نعجب إذا قيل: إن حسن الوراكلي يعد من أقطاب الدراسات الأندلسية والمغربية والمشرقية؛ أدباً ولغة وعقيدة وتاريخاً وفقهاً وحديثاً وتفسيراً، إنه واحد من الأعلام الذين عرفهم المغرب الأقصى في خدمة التراث الأندلسي والمغربي بخاصة والعربي بعامة، فهو لا يقل علماً وعطاء عن أقرانه محمد المنوني، علال الفاسي، محمد الريسوني ـ رحمهم الله ـ، محمد بن شريفة، محمد بوخبزة وغيرهم ممن أنجبهم المغرب الأقصى في فتراته المتتالية. |
ولا بأس في التذكير أيضاً أن من أبرز المؤثرات التي كانت وراء هذه الشخصية العلمية المعطاءة العمل التدريسي والبحثي والترحال بين إسبانيا والمغرب والمملكة العربية السعودية ومصر، بل قل بين بلدان المغرب العربي ومشرقه والخليج، ودول أوروبية وإفريقية أخرى. |
لقد كان يرحل ويُلقي عصا الترحال في كل بلد تقام فيه ندوة أو يُعقد فيه ملتقى ويضرب بسهمه فيها وهو مرتاح البال، ذلك النشاط الدؤوب أمده بخبرات واسعة جعلته ينتج ما ذكر من آثار فكرية وأدبية؛ تحقيقاً ودراسة وتأليفاً وإبداعاً، أثرت المكتبة العربية، ولا نجانب الصواب إذا قلنا بأن هذا الإنتاج متميز في مادته وطريقة تناوله، كما كان أثره قوياً في خدمة اللغة العربية وآدابها وتراثها الخالد. |
وثمة نشاط علمي آخر يقوم به الدكتور حسن عبد الكريم الوراكلي لا يقل أهمية عما ذكر يحسن ذكره في هذه المناسبة الطيبة، هذا النشاط يتمثل في الندوة الأسبوعية التي يقيمها في بيته العامر في كل من العزيزية بمكة المكرمة في البلد الأمين وتطوان في المغرب، وذلك مساء كل جمعة بعد صلاة العشاء، يحضرها عدد من الأساتذة والباحثين وطلاب الدراسات العليا. |
وقد كانت البداية من مكة المكرمة مهبط الرسالة السماوية ومنطلق العلم، إذ كان مجلسه، يرتاده جم من العلماء والباحثين وطلاب العلم من مقيمي مكة ومن الوافدين لأداء مناسك العمرة والحج، ومن الموضوعات التي نوقشت في مجلس مكة وسعدت بحضورها والاستفادة منها أذكر على سبيل المثال لا الحصر: |
1 ـ ندوة يوم الجمعة فاتح صفر 1426هـ الموافق 11 مارس 2005م، التي تدارس فيها الحاضرون جملة من القضايا الفكرية والأدبية والعلمية والثقافية، وألقى فيها الدكتور عياد الثبيتي من ديوانه (سكب) قصائد شعرية ومن جديده أيضاً، وقد عقب عليه الدكتور جودت كساب ـ رحمه الله ـ برؤية نقدية متميزة أملتها اللحظة، ثم توسّع الحوار ليشمل مسائل نقدية أخرى في الأدب بعامة، وطلب الإخوان من صاحب الندوة أن يسمعهم رأيه فيما استمع إليه، ولكنه فضل قراءة مقدمة كتابه (خطاب القيم في القصيدة المكية الحديثة)، وهو قيد الطبع في تطوان، وأشار إلى أن اهتماماته في الأعوام الأخيرة بالأدب قلَّت، وقصر عنايته على الجوانب الإبداعية كلما سنحت له الظروف، وشمل الحوار شعر الدكتور عياد وقضايا فكرية أخرى. |
وممن حضر هذه الندوة: الأساتذة/عياد الثبيتي، محمود حسن زيني، الشيخ الأستاذ محمد الموجان، محمد الطاهر نوروالي (سعوديون)، جودت كساب (فلسطيني)، عبد الكريم عوفي، إسماعيل معاش، محمد السليماني، (جزائريون)، الشيخ مجد مكي وصهره (سوريان)، محمد قاسم علي سعد (لبناني)، خالد مدرك، محمد العلمي، عبد العلي الودغيري، (مغاربة)، سامي الأثري، شوقي زهرة (مصريان)، الحبيب الهيلة، محمد أبو الأجفان، عبد المجيد العبيدي، حسن البشير (تونسيون)، سليمان البيرة (ليبي)، محمد عزيز شمس (هندي). |
2 ـ ومن ندوات مكة الحافلة أيضاً تلك الندوة التي قدمت فيها قراءات لعدد من الأعمال العلمية الجديدة المتميزة، مثل: |
أ ـ (العلماء والأدباء الوراقون في مكة المكرمة) لفضيلة الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان عضو هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية. |
ب ـ (السيرة النبوية ـ منظومة طويلة) للأستاذ الدكتور حسن باجودة. قدم العمل صاحب المجلس الأستاذ الدكتور حسن عبد الكريم الوراكلي. وكان للناظم كلمة معبرة عن السيرة العطرة للرسول صلى الله عليه وسلم. |
ج ـ إلقاء قصيدة (زيارة الحبيب) لشاعر طيبة الشيح الصابوني، قرأها نيابة عنه مجد مكي. |
وقد دار نقاش وسجال علمي بين العلماء حول هذه الموضوعات استحسنه كل من حضر الندوة، لأنه أتاح فرصة الحديث للجميع للتعبير عن رؤاه الفكرية في القضايا المطروحة للنقاش. وحضر الندوة المجموعة السالفة الذكر من الأساتذة والباحثين وطلاب العلم. |
3 ـ وفي ندوة أخرى من ندوات مكة كان الحديث مطوّلاً عن تراجم ابن تيمية لدى علماء المسلمين والغربيين لفضيلة الشيخ الهندي (محمد عزيز شمس). فقد تبيّن له بعد البحث والتنقيب في آثار ابن تيمية؛ المنشورة والمخطوطة أن تراثه يحتاج إلى إعادة تحقيق وقراءة جديدة، لتخليصه مما علق به من أشياء. وقد أعقب عرضه المستفيض نقاش علمي ممتع ومفيد. |
ولأن مكة العالمة تبعث في مجاوريها وزائريها دفقات روحية حالمة تجعله لا يشعر بأنه بعيد عن أهله ووطنه مهما بعدت المسافات وطال الزمن، وإن رحل عنها بقيت في مخيلته يشده الشوق والحنين إليها، فهو لا يفارقها ويعيش أجواءها الروحية الإيمانية بخياله، هذا ما جعل أستاذنا الدكتور حسن عبد الكريم الوراكلي يرتبط بها في كل لحظة من لحظات الحياة، ففكر في صائفة 1425هـ أن يجعل مجلسه المكي يستمر في الانعقاد كل جمعة مساء خارج مكة، إذ نقله إلى تطوان المحروسة، وهناك في دارة فدان الورد في منزله العامر بظاهر تطوان يجدد اللقاء باستقبال كوكبة من رجال العلم والأدب وطلاب العلم، وقد حدثني الدكتور حسن أن صائفة هذه السنة 1426هـ لم يتعطل فيها مجلسه البتة، إذ حرص على استمرار جلساته رغبة في خدمة العلم وإعادة بعث تلك المجالس التي كانت تقام في الديار المغربية في سالف الأعصر. |
ولا بأس في أن نشير إلى بعض الندوات التي أقيمت في تطوان وما تم بحثه وتدارسه من قضايا فكرية وأدبية وعلمية ومن غشّاها من العلماء ومحبي الثقافة. |
1 ـ ندوة الجمعة 27 جمادى الأولى 1425هـ: تدارس الملتقون فيها قضايا جامعية، وندوة مكة عاصمة الثقافة الإسلامية وإمكانية المساهمة فيها بأبحاث علمية نظراً للروابط الثقافية التي كانت تربط علماء المغرب المجاورين والرحالة بالحرمين الشريفين عبر الأزمنة المتعاقبة. |
وقد عرض فيها الدكتور محمد الحافظ الروسي الأسئلة التي طرحت على طلاب الآداب حول مجموعة قصص (الريح والجذوة) لصاحب الندوة، كما استمع الحاضرون إلى الدراسة التي أعدها بشأنها الناقد المصري الدكتور محمد حافظ الأستاذ في جامعة الملك سعود بالرياض. |
وممن حضر الندوة الأساتذة الدكاترة: عبد الإله الشعيري، عبد السلام بلدريس، محمد الدراق، عبد الهادي الخميسي، محمد الحافظ الروسي، قطب الريسوني. |
2 ـ توالت جلسات الندوة خلال شهري جمادى الأولى والآخرة من العام نفسه بفدان الورد لتبقى الصلة المباركة بمكة متواصلة، ومن تلك الندوات ندوة الجمعة 19 جمادى الآخرة 1425هـ، التي تذاكر فيها المجتمعون في شؤون علمية واجتماعية تخلَّل المذاكرة عرضاً من الدكتور الغلبزوري عن كتابه (المدرسة الظاهرية بالأندلس والمغرب) تلته تعقيبات عن الظاهرية والحزمية والدولة الموحدية، من الأساتذة: عبد الهادي الحسيسن، إدريس خليفة، إسماعيل الخطيب، جمال البختي، قطب الريسوني، عبد الخالق عطار، حسن الوراكلي. |
وقد حضرها إلى جانب من تقدّم ذكرهم الدكاترة: موسى بدر (ليبيا)، عبد القادر الشرقاوي، زكريا الريسوني، مصطفى الوراكلي، الوجيه الباشا بوزان سابقاً الشريف عبد السلام بن حمان الريسوني. |
3 ـ ومن جلسات الندوة أيضاً في جمادى الآخرة 1425هـ، الجلسة العلمية التي ألقى فيها صاحب الندوة كلمة مرتجلة عن تراث سبتة السليبة في مجالات العلم الشرعي واللغوي والتاريخي، نوَّه فيها بالقيمة العلمية لتراث سبتة، والمسؤوليات الملقاة على عاتق الباحثين تجاه هذا التراث وإحيائه وتفعيله مع حاضر الأمة، وذكَّر أيضاً بالجهود التي تبذلها جمعية البعث الإسلامي التي كان له الفضل في افتتاح نشاطها بدراسته (شيوخ العلم وكتب الدرس في سبتة)، ثم دراسة العلاّمة محمد المنتصر الريسوني (التجيبي السبتي بين الرواية والدراية)، مذكّراً بأسبقية الدكتور إسماعيل الخطيب في التأريخ الثقافي لسبتة من خلال رسالته الأكاديمية (الحركة العلمية في سبتة). ثم ألمع في حديثه إلى جملة من الأعلام السبتيين، كابن خمير وأبي علي الحسن الأموي، وأشار إلى إفادته من آثارهم فيما كتبه من أبحاث وكتب حول التراث المغربي والأندلسي. |
وتناول الحديث الدكتور البختي فقدّم عرضاً علمياً متميزاً عن الأشعرية في المغرب والأندلس من النشأة إلى النضج، كما أفرد كتاب (مقدمات المراشد إلى علم العقائد) لابن خمير الذي حققه بكلمة مفيدة. وتبعه الشيخ إسماعيل الخطيب بحديث عن كناش العلامة الأديب المفضل أفيلال، وقرأ منه أوصافاً ومنوَّعات شعرية. وأخيراً جرت تعقيبات حول عرض البختي والخطيب من الأساتذة: العياش حادوش، عبد القادر الزكاري، حسن الوراكلي، عبد الهادي الحسيسن، محمد المرابط. |
ومن الكتب التي عرضت في جلسات الندوة أيضاً: (التفسير الفقهي في العصر الحديث) للدكتور عبد رب النبي عالم، جوامع الكلم ((دراسة لغوية أدبية)) للدكتور عبد الرحمن بودراع، الإسلام والسياسة، للشيخ إسماعيل الخطيب، (مذكرات ابن لب الغرناطي الفقهي) للدكتور قطب الريسوني. |
وقد تلقَّى راعي الندوة من الدكتور سمير برهون نسخة من أطروحته عن (ابن حزم الأديب)، ومن الدكتور جلال راغون نسخة من كتابه (التعليقات الراغونية على المنظومة البيقونية) في مصطلح الحديث. وحضر المجلس أيضاً: قطب الريسوني، عبد الخالق عطار، مصطفى حجاج، عبد الواحد حجاج. |
وختم المجلس بتقديم كؤوس من ماء زمزم مع التمر ثم العصير مع المملحات، فالشاي والبورك والحلويات والمكسرات (القشقشة). وهو تقليد مغربي عريق مستحسن. |
4 ـ وتوالت الجلسات العلمية في صائفة 1426هـ دون انقطاع، تدارس خلالها الملتقون جملة من القضايا الفكرية والعلمية والأدبية والاجتماعية والاقتصادية التي تشغل المهتمين بالفكر. |
وأختم الحديث عن مجالس العلم في فدان الورد بتطوان المحروسة بكلمة عن جلسة شعرية استضافت فيها الندوة الشاعرين المتميزين: التهامي أفيلال، وعبد الواحد أخريف. تحدث في البداية الدكتور حسن عبد الكريم الوراكلي عن الشاعرين معرفاً بهما وكاشفاً الضوء عن التجربة الشعرية عندهما وتنوّع روافدها، ثم أخذ الكلمة الشاعران فقدَّما حديثاً مسهباً عن تجربتهما الشعرية مع قراءة العدد من القصائد شدت المستمعين في الندوة، أعقبتها مداخلات وتعقيبات أدبية ونقدية هادفة. |
وتنتهي الإجازة الصيفية فيشد التطواني المجاور حسن عبد الكريم الوراكلي الرحال إلى أم القرى مرة أخرى ليستأنف المجلس دورانه مع صفوة من رجال العلم والفكر والثقافة في أجواء روحانية هادئة بجوار بيت الله الحرام. |
وما دمنا نتحدث عن هذا النشاط العلمي الحافل الذي عرفه مجلس الدكتور حسن عبد الكريم الوراكلي في كل من مكة وتطوان نشير إلى جوانب علمية لا تقل أهمية عما سبق ذكره عرفاناً لهذه الجهود الطيبة التي لا تعرف انقطاعاً. |
فالأستاذ حسن عبد الكريم الوراكلي كانت له مشاركات علمية متميزة في ندوات وملتقيات ومنتديات ونوادٍ ومراكز علمية وجامعات في أزيد من عشرة بلدان عربية وأوروبية وإفريقية، تزيد الأبحاث التي ألقاها على خمسين بحثاً. |
والأستاذ بحكم علوِّ كعبه في مجال تخصصه العلمي عينته بعض الجامعات العربية والغربية في المغرب والسعودية والإمارات وإسبانيا خبيراً محكماً لأبحاث الترقية التي يقدِّمها زملاؤه الأساتذة، وكذلك المقدمة لمجلاتها العلمية، كما كان عضواً في هيئات استشارية في المغرب وخارجه، وأسس في جامعته بتطوان ملتقى الدراسات المغربية والأندلسية، كما أسس مجلة النصر، وعمل مديراً لصحيفة النور، وكتب في مجلات وصحف مغربية ومشرقية كثيرة، وأذيعت له أحاديث متنوّعة أبرزها في مجالي الدراسات القرآنية والسيرة النبوية، كما استضافته عدد من القنوات الفضائية في حوارات فكرية وعلمية. وهو عضو في جملة من الجمعيات والاتحادات والرابطات ومراكز البحث العلمي في الوطن العربي وإسبانيا، مثل: رابطة علماء المغرب، اتحاد كتاب المغرب، رابطة الأدب الإسلامي العالمي، جمعية البعث الإسلامي بتطوان،نادي الفكر الإسلامي بالرباط، مركز بحوث اللغة العربية في جامعة أم القرى بمكة المكرمة. |
ويستمر نشاط الدكتور حسن عبد الكريم الوراكلي على هذا النحو من التفاعل والعطاء مع طلبته الذين يدرّس لهم ويشرف على رسائلهم لتحضير الماجستير والدكتوراه، وهم بدورهم ـ كما عرفنا بعضهم ـ يترسَّمون خطى أستاذهم، نأمل أن يكونوا فعّالين كما هي حال شيخهم خدمة البحث العلمي والتمسك بالقيم العلمية الرفيعة، والعمل على تنوير العقول، ودفع عجلة التقدم العلمي في مجتمعاتهم، لضمان استمرار الجهود المعطاة لأصحاب الفكر والقلم عبر الأعصر المختلفة. |
حفظ الله أستاذنا وأمده بطول العمر وجعل أعماله في ميزان حسناته، وصلَّى الله على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، والحمد لله رب العالمين. |
عريف الحفل: يسرني الآن أن ننقل الميكروفون إلى سعادة الدكتور خالد مدرك عضو هيئة التدريس في جامعة أم القرى. |
|