شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((كلمة سعادة الأستاذ الدكتور عمر بن قينة))
بسم الله الرحمن الرحيم، في فضاءات (حسن الوراكلي) الكاتب الإنسان يتمرّد (حسن) المبدع الأديب على (حسن) الأكاديمي الأريب!
هي ذي، في العنوان أعلاه أيّها الجمع الكريم خلاصة تصوّر تمخّض من لحظات تأمّل وتدبّر، نجمت من رؤية شخصية تناغم فيها الداخلي مع الخارجي، وإن في نظرات عجلى في فكر أخي وزميلي الصديق (حسن الوراكلي الأكاديمي الرزين والمفكر الإسلامي، والمبدع الهادئ الوديع في القصة والرواية والمقالة الأدبية نفسها.. التي تعير جناحيها: مقالات السيرة والتراجم ذاتها.
عرفت (الدكتور حسن) من بعيد على جسر من الأخوّة والألق الفكري والسمو الروحي، جمعنا نبض الحروف في حنايا الكلمات، على صفحات مطبوعة بين دفتي (مجلة) أو (كتاب)!
هكذا قبل أن أعرف الرجل حقيقة جميلة تمشي على الأرض هوناً، تعانق الكلمة الإسلامية فكراً ونبضاً روحياً، والبحث العلمي هاجساً علمياً دائماً، والترجمة أداة علمية معرفية، والكلمة الأدبية شوقاً وتوقاً مندّى.
هنا كانت المفاجأة لي في أن أنتقل مع أخي (حسن) عابراً قارات بحوثه الأكاديمية، وفضاءات إسهامه الإسلامي، وجهوده في الترجمة والتحقيق.. وصولها إلى مروجه الأدبية حيث الارتواء من جداول ذات خرير عذب في اخضرار يملأ الروح بهجة ويدفع عن النفس شجناً!
ها هنا المساحة التي كانت ضائعة بالنسبة إلي، فخامرتني إرادة المكتشفين: أنني على وشك إعلان (اكتشاف مدوّ): أن هاهنا قارة من (أعمال حسن) لم يطأَها قلم، هاهنا منجم إبداع أدبي، بروح (حسمية) متميّزة، فأدركت أنني مع (حسن جديد) في هذه الفضاءات المترامية الأطراف! جرى هذا وأنا أعلم متأخّراً بموعد هذا اللقاء.. في فضاءات (الاثنينية) فضاءات: كرم وتكريم،ولا يقدّر الرجالَ إلاّ الرجال!
أيّها الأخوة الأعزّاء: صمتي، وشيء من عزلة في مدينة (جدة) لا تكسرها إلاّ هذه الأميال المحدودة بين حيّ (السليمانية) والجامعة: أسهم ذلك بشكل أساسي في أن أعلم متأخّراً بموعد هذا الحفل التكريمي البهيج، لتثمين جهد يعلَم فكري نشر جناحيه الخفاقين في سماواتنا العربية والإسلامية، لم يكتف بالتحليق بين (الرباط) و (بغداد) فأصرّ حبًّا وإيماناً على أن يكون التحليق من (طنجة) إلى (جاكرتا): إسلامي عربي مغربي في فكره ومنهجه، استقبلته (مدريد) فساءَلَها ولم تسلبه روحه كما فعلت بلدان في غرب مع باحثين عرب فسقطوا صرعى عُجباً بعد إعجاب، وقد خوّلتهم مخلوقات غريبة. بقي (الوراكلي) إسلامياً مؤمناً عربياً صادقاً؛ بلسانه ووجدانه، وجهوده: باحثاً، ودارساً ومؤلفاً، ومبدعاً.
سرّني هذا الفيض من المؤلفات الذي أنتجته هذه القرية الإسلامية العربية المغريية، محقّقاً ودارساً، وباحثاً أكاديمياً متميّزاً، ومحاضراً في أقطار من عالمنا الإسلامي، ومنه العربي، بعقل الباحث الأكاديمي اليقظ، لكنه المتوهّج دائماً وقد استقرّ داخله ذلك (المبدع) الذي يستكين ويهدأ، وقد يتململ لحدث ما صغر أو كبر: لموقف، لصورة، لكنّه يحدث أن تستبدّ به أشواق ومشاعر في لحظات يجنح فيها للتمرد مطالباً بحرِّية الإبداع للخلاص من صرامة المناهج في بحث أو تحقيق.
حينئذٍ يتمرّد (حسن الوراكلي) المبدع المتألّق تعبيراً وتصويراً، على (حسن الوراكلي) الباحث الصارم، في سعيه وراء حقيقة أو فكّ إشكال في حدث تاريخي أو فكري أو في موضوع شعري أو نثري.
(حسن) المبدع المتمرّد على (حسن) الأكاديمي المتجرد.. يبحث خارج القوالب الأكاديمية الصارمة عن فسحة انطلاق لأشواق الروح وسلام النفس؛ فتتراجع المناخات الأكاديمية بتجهمها وصرامتها وصمتها وأثقالها، لتخلفها فضاءات ألق متوهج؛ فتبهج وتمتع، وتفيد عقلاً وروحاً، فيحلّ في هذا الإبداع السلام والهناء، يحدث التطهّر من المشاعر السلبية لتخلفها أخرى إيجابية، وهو في ذلك أمين لإشراك القارئ الذي يقاسمه (التجربة): إبداعاً، ومتعة، وتطهّراً.
هكذا يتمرّد المبدع المغرّد في عالم (حسن الوراكلي) عن الأكاديمي المتجهّم الصارم أمام قضايا البحث إلى فضاءات الإبداع الأدبي الحرّ في بعض أعماله، كطير يغرّد، يضرب بجناحيه في سماوات الإبداع، متنقّلاً بين حقول الأدب الزاهية: كاتب سيرة، ومبدعاً حتّى في التأليف فيها، وكاتب رحلة لا مجرّد دارس ومؤلّف، وكاتب مقالة أدبية واجتماعية وإسلامية وإخوانية عذبة، مما تحفل به قائمة أعماله العديد، منها: (إن الهَوى تطوان) عن تاريخ مدينته المغربية (تطوان) التي فيها ولد، وبحبّه لها باح، وفي هذا تعبير عن أصالة، فالحنين إلى الأوطان لا يخفق إلاّ في النفوس الوفية المحبة الخيّرة الصادقة هو واحد من البراهين عن أصالة انتماء، وظهر قلب وصدق مشاعر، وغير هذا العمل مثل كتابه.. كالنيازك البرّاقة، ذي العنوان الفرعي (خواطر في واقع الإسلام وحال المسلمين) وكذلك كتابه (لكي نخصب اليباب) مع عنوانه الفرعي أيضاً (خواطر في الدين والحياة).
لكنّ (حسن) المبدع الذين يتمرّد على (حسن) الأكاديمي يتجلّى في امتطاء الكلمة العذبة والنغم الجميل، في إبداعه الخالص ذي الألوان المتعددة والطيوف المختلفة: مضامين وعناوين، وتلك تقرأ من هذه غالباً، خصوصاً حين يدق حسّ الأديب ويرق شعوره، منها مثلاً لا حصراً: رسائله (الأدبية) الأبوية والأخوية، كما مثلتها ثلاثة عناوين، الأول منها (فيوض) ذو العنوان الفرعي (رسائل من أب إلى ابنته المغتربة في طلب العلم) والثاني (مصابيح) مع عنوانه الفرعي (رسائل من أب لابنه المغترب في طلب العلم) أما الثالث فهو (الإسرار والإعلان) وعنوانه الفرعي (رسائل إخوانية).
وهذه ذات صلة وثيقة حميمية بجوهر الإبداع ولحظاته التي يتمرّد فيها (المبدع) التوّاق إلى الحرية على الأكاديمي المقيَّد والمقيِّد! كما تجلّى ذلك في مجاميعه المقالية والقصصية، والانطباعات والرّحلات والسيرة الشخصية، وهي فضاءات يُعلق بعضُها نفسَه في عناوين قوية موحية، منها (الغدايا والعشايا) و (يوميات غير ذات شأن) كما وصفها، وكمجاميع قصصية: مثل (كرّ وفرّ) و (يأجوج ومأجوج) ثم (الريح والجذوة).
هنا يتألف (الوراكلي) المبدع المتمرّد على الأكاديمي الحازم، في أوصافه التي يجري فيها عناق حميمي بين الصور المعنوية الممتلئة والمادية المكثفة، وهي حافلة بظلال التعبير القرآني ووميضه ((فتّحت أبواب السماء بماء أخضر، ليس بالعذب ولا بالأجاج، اختلجت به عروق الأشجار على سفوح جبل الصراخ والصمت، وشهق بمقدمه المحار في قيعان بحر الصراخ والصمت.
لكن الرمال، كثبان الرمال ظلت مستعرة، يزمجر في شرايينها اللهب والصراخ المبهور.. كالعويل.
توقفت الجموع، الناس والدواب والأنعام!
تحرّكت الجموع، الناس والدواب والأنعام.
بلغت القلوب الحناجر، لكن الأحداق ظلت تبرق برعبة، كالشبق، في بقاء، في حياة.
قد يحدث التصافي! بل حدث بين (حسن) المبدع، و (حسن) الأكاديمي، فيتمّ التآلف والتكامل، ولكن في أعماق (المبدع) أشواقاً دائمة محتدمة ومشاعر فائرة صاخبة مطردة، تجعل (حسن) المبدع جاهزاً للتمرّد عن (حسن) الأكاديمي، حتى في (المربع الأكاديمي) نفسه: حقل الأكاديمي لا فضاء المبدع، فيضيع صوت الأكاديمي مع الصدى الذي لا يبقى منه إلا ((أن أخلع نعليك)) حين يقحم (المبدع) مزرعة الأكاديمي، في (تراجم الأعلام) وتأليف (السيرة الأدبية) أو الكتابة فيها، فيقدم المبدع على تمرّده معلناً تحييد أدوات الأكاديمي مستعيناً بأدواته هو وحدها النابعة من أعماقه مشاعر ورؤى وأحاسيس، كما يبدو شيء من ذلك في كتابه الأخير الصادر في (تطوان حسن) بمغربنا الأقصى مكاناً، الأدنى إلى القلب حباً وشوقاً، كتاب (وشي وحلي) الصادر في (تطوان) بالمغرب هو عبارة عن أعلام أدب وفكر ورأي، ذيّله المؤلف بعنوان فرعي ((كلمات وفاء وحبّ في رجالات عرفتهم)).
يعلن هنا (حسن) المبدع تمرّداً عن (حسن) الأكاديمي لا يقمع، فلم يجر قلمه على الورق بعقل الأكاديمي الصارم ولغته الجافة الصلبة غالباً بل انفلت ليعبّر عن مشاعر المبدع وخواطره وحبه العارم المشروع وأريحيته العربية وفطرته الإسلامية النقية، فكان حديثه عن أعلام كتابه الجميل العذب حتى بعنوانه نفسه (وشي وحلي).. حديث الصديق المحب الودود الوفي الصادق، في زمن قلّ فيه الوفاء وندر الصدق، ولم يكن حديث الأكاديمي المقيّد بخطوات تراعى وبأحداث ثابتة تُرصد زماناً ومكاناً، وبأرقام حاسمة تسجّل، وأحكام كقرارات القضاة تُعلن، فتنفّذ.
لم يكن (حسن) أكاديمياً صارماً لا يلين، ولا قاضياً في النهاية يضرب على الطاولة بمطرقته أو بقبضته، بل أديباً يصبّ مشاعره في فصول الكتاب صبًّا مفعماً بالحب والصدق والوفاء، وأنعم بالكتابة ترجمان وفاء، وواجباً يؤدّي للأفراد وللأوطان، وهو ما لم يكتمنا إيّاه (حسن) في مقدّمة هذا الكتاب نفسه ذي الطابع الأكاديمي الذي حوّله (حسن) موضوعاً أدبياً، حين انتصرت مشاعر الأديب كنتيجة حتمية لتمرّد (حسن) المبدع على (حسن) الأكاديمي، فانزوت أدوات الأكاديمي، في حضور لغة المبدع وأسلوبه، تعبيراً عن مشاعره، وهو يقول في مقدمة كتابه هذا (وشي وحلي): ((قد فطرت على خصلتين: الألفة والبرور، أولاهما كانت تولد عندي، ولا تزال: الإحساس بحبّ من ألفت. وثانيتهما كانت تولد عندي ولا تزال: الإحساس بالوفاء لمن ألفت وكفى المرءَ حبًّا لمن ألِف وبرًّا به أن يصله بما يشهد على حبه، ويدلّ على وفائه.
ولم يكن انقداح الشعور بحب من أَلِفتْ نفسي وبرّت يحتاج إلى زمن يتّسع مداه، فتطول فيه الصحبة وتمتدّ العشرة، ولكن قد كان يكفيه لذلك جلسة قصيرة مفعمة يما يؤلّف القلوب من مشاعر المصافاة أو لُقية خاطفة مترعة بما يغرس في النفوس بذور المؤاخاة، يغمرني في إثر هذه أو تلك إحساس غامر بألفةِ مَن جالست أو لاقيت، يتلوه آخر من شكله ببرّه والوفاء له)) (ص 5) من (وشي وحلي).
بالورد والياسمين في رياض أدب وفنّ: يعلو صوت العاطفة والوفاء والصدق لدى (حسن) الأديب، في غياب ـ إلى حين ـ (حسن) الأكاديمي المعتكف في الوحدة، للعزلة والمساءلة. هكذا يتنازع (الحسنان) في كيان الأخ العزيز الصديق الأستاذ الدكتور (حسن الوراكلي)، فيبقى لكل منهما حظه: من عقله، وفكره، ووجدانه، وإن عشنا هنا حديث (التمرّد) من (الأديب) المبدع على (الأكاديمي) الباحث.
في هذا (التمرّد) الحسني ربحنا في النهاية (حسن الوراكلي) المبدع الفنان، ولم نخسر (الدكتور حسن الوراكلي) الباحث، ولن نخسره، ربحناه هنا كفنان ذي رسالة أدبية وإنسانية، في مجامعيه القصصية، والمقالية، ورحلاته، ورسائله.
يبقى في كل الحالات: (حسن الوراكلي) الأكاديمي الجاد المحب الصادق في البحث العلمي، كما هو محب وفيّ صادق.. فاعل جاد في إبداعه؛ فله التحية، التحية العطرة على جهده وحبه ووفائه وإخلاصه، ولكم الشكر الجزيل جمعنا البهيج على صبركم وتحمّلكم، كلاهما: (السلام والشكر) نوجّههما لصاحب (الاثنينية) سعادة الشيخ (عبد المقصود خوجه) عرفاناً بالجميل وتقديراً للهدف النبيل، في دارة علم وتاريخ وأدب وألفة ومودة وسلام.
فالسلام عليكم جميعاً يغمركم حين تمسون وحين تصبحون، وعلى الله يتوكّل المتوكّلون.
عريف الحفل: ننقل الميكروفون الآن إلى سعادة الأستاذ الدكتور محمد الجهني رئيس قسم الهندسة النووية كلية الهندسة جامعة الملك عبد العزيز ورئيس الهيئة العالمية الإسلامية للإعلام.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :705  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 69 من 252
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الأستاذة صفية بن زقر

رائدة الفن التشكيلي في المملكة، أول من أسست داراُ للرسم والثقافة والتراث في جدة، شاركت في العديد من المعارض المحلية والإقليمية والدولية .