شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((كلمة سعادة الأستاذ الدكتور محمد أبو الأجفان))
عزيزنا الفاضل راعي الاثنينية الشيخ عبد المقصود خوجه إخوتي الكرام أخواني الفضليات..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
هل أتاكم حديثُ الرجل الذي هيأت له صدفةٌ محضةٌ أن يظفر بأثمن من كنز نفيس؟
إنه محدثكم!
منذ ما يناهز الثلث قرن، وصلتُ في رحلة علمية إلى شمال المغرب الأقصى، وحللت بتطوان، وقصدت خزانة المخطوطات بها، وحظيت بلقاء المشرف عليها، وهو شيخ وقور عالم له خبرة بالمخطوطات ومعرفة بالمؤلفين، وبعد جلسة قصيرة أدرك بنافذ حدسه أني كفء لصداقة صديق له من شباب العلم والثقافة والبحث الجاد، من أعضاء هيئة التدريس في جامعة محمد الأول بوجدة في الشمال الشرقي للمملكة المغربية فربط صلتي به، وسرعان ما انعقدت بيننا أواصرُ المودة وعرى التآخي.
هذا الصديق الفاضل الكريم هو الذي أسعد الليلة بمشاركتكم الاحتفاء بتكريمه الأستاذ الدكتور حسن بن عبد الكريم الوراكلي أبو أويس محمد أبو خبزة التطواني حفظه الله وأبقاه للعلم وأهله.
امتدت جذور صداقتنا في أعماق قلبينا لتصبح أخوةً في الله يغلفها الإخلاص وتحيطها النزاهة، بعد أن توطدت دعائمها لم ينقطع التواصل رغم بُعْدِ الشقة بين تونس والمغرب: رسائل متبادلة، ولقاءات في ندوات علمية بالمغرب وتونس وليبيا والرياض، إلى أن منّ الله علينا منذ ما يقارب العقد من الزمن أن نعيش متقاربين مُجَاورَيْن في البلد الأمين مكة المكرمة.
أصبحت شجرة صداقتنا باسقةً، وارفةَ الظلال، وآتت أطيب الثمار التي تجلّت خصوصاً في كثير من مظاهر التعاون العلمي.
وصديقنا الدكتور حسن ينال إعجابك بسعة اطلاعِه وتنوّع اهتماماته، يذكرك بالكثير من سلف أعلام حضارتنا الذين لم يقبعوا في نطاق اختصاص ضيق محدود، بل ألموا بنور العلم على مستوى المقاصد والوسائل.
كانت نشأته بحاضرة الشمال المغربي المزدهي بالحضارة الأندلسية المتفاعل مع الكثير من مظاهرها في حياته اليوم، الحاضن لأصولها وقد سرت فيه روحُها، وتلألأت في أرجائه أنوارها.
نشأ صاحبنا متحلياً بالخلق الأندلسي الحضاري الرفيع، والخلق الأندلسي ـ في بلادنا ـ يضرب به المثل في الرقة والتسامي والتعفف ـ وإلى الآن ما زالت بعض العادات الأندلسية، في بيئته وأسرته، نابضة بالنشاط والحياة، تشهد بما كان عليه سكان الفردوس المفقودة، خصوصاً في مناسبات الفرح والطرب ومظاهر الأنس والبهجة، وكنا ـ معشر روّاد مجلسه العلمي الجُمعية ـ نُتْحَفُ بطرف من الحلويات الأندلسية اللذيذة التي صنعتها يد أندلسية شريفة ماهرة، سلمت يداها إنها سيدة بيت الدكتور حسن وهي التي تدعمه بالتشجيع والحب والهدوء ووراء كل رجل عظيم امرأة.
أثْرى قلبُ الدكتور حسن حب التراث العلمي الأندلسي، وولع به أيما ولوع، متأثراً بثقافة بيئته التي تحتضن آثاراً أندلسية عمرانية محسوسة، ومعنوية لا تخفى على المتأمل، وحفزه ذلك إلى الجمع بين دراسة التراث الأندلسي القديم بعد التنقيب الجاد عن مخطوطاته النادرة: بعلومه القرآنية والحديثية، وفنونه الشرعية، واللغوية، وبما وصله من مصنفات الأعلام من الفقهاء والأدباء، في لغته الأصلية العربية الفصيحة.. وهو يجمع إلى ذلك دراسة حضارة الأسبان وترجمة إنتاجهم الأدبي والتاريخي، وهم أحفاد الأندلسيين بُناة الفخر الإسلامي في الفردوس المفقود، يترجمه إلى لغتنا فيثري معرفتنا بأدبهم وآرائهم وثقافتهم التي تؤكد اعتزازهم بأجدادهم وأجدادنا المتألقين في مجالات واسعة من الحضارة والمعرفة.
وهو في تعامله مع الوثائق الأندلسية ـ خصوصاً منها النوازل الفقهية والفتاوى التي أفتى بها علماء غرناطة ـ هو في تعامله هذا يبدي براعة فائقة وحسن ربط واستنتاج، تتحطم معه مقولة تفوق بعض المستشرقين المشتهرين بحدق استنطاق الوثائق علينا، ففينا رجال، والحمد لله.
لئن حصل الدكتور حسن على أعلى الشهادات الجامعية من بلده ومن أسبانيا الأوروبية، فإنه لم ينتم إلى طبقة الجامعيين الذين اقتصر همهم على نيل الشهادة، وطووا بعد ذلك ملفات البحث، حيث تم المقصود وهو إحراز مفتاح الوظيفة وحمل اللقب البراق، وإنما كان منذ شبابه شغوفاً بالبحث، متفانياً في اختراق دروبه، يتتبع كتب التراث الأندلسي ووثائقه مفتوناً به، هاوياً لمضمونه وكانت رحلاته العديدة لجمع الكثير منه، وكانت قراءاتُه الواسعةُ المتعمقة، ودراساته الجادة الهادفة، وكانت نتائج بحوثه غزيرة قيِّمة، حققت إضافات جديدة في هذا المجال من مجالات البحث في الجانب الحضاري والعلمي، وكانت هذه البحوث الوفيرة جامعة بين الأصالة والطرافة لها الفضل في تسليط الأنوار على كثير من الجوانب المهمة في التاريخ المغربي والأندلسي، الاجتماعي والعلمي المشرق.
لاحظت في كتابة بحوثه ـ إضافة إلى ما سبق ـ حسنَ التخطيط فلكل بحث عنده خطتُه المناسبة التي تبرزُ فيها العناوين الجزئية المتساوقة، وتحتها المعلومات التي تعب في جمعها وأبدع في ربطها تمهيداً للنتائج التي تمثل الثمرة الطيبة للبحث.
من عوامل نجاحه الباهر استعداده الفطري وتكوينه العلمي المتين، وحسه المرهف، وصفاء ذهنه، وما استفاده من البيئة المغربية ثم المشرقية، وولوعه الشديد بضروب المعرفة خصوصاً منها الأندلسية وهذا الولوع مَدَّهُ بطاقة من الصبر والجلد، وما أحوج الباحث إلى هذه الطاقة لتحمل أعباء البحث، ومشقة السير في دربه.
بكل ذلك أصبح الدكتور حسن الفارس المحلي في مجالات عمله، لعلّني بهذه الكلمة الموجزة رسمت صورة واضحة عن شخصية باحث لم تحصره حدود بيئته الضيقة بل ارتقى إلى أفق أرحب فيه انطلاقه الأمل وعشقُ القيم، وربط الصلة بحضارة خالدة ما زالت روحها تسري فينا، كما هي سارية في روح أخينا فارس الاثنينية الباحثِ المعطاء الدكتور حسن.
عريف الحفل: الميكروفون الآن ينتقل إلى سعادة الأستاذ الدكتور عياد الثبيتي عضو هيئة التدريس في قسم الدراسات العليا بكلية اللغة العربية جامعة أم القرى.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :915  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 67 من 252
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج