((كلمة الشيخ عبد المقصود محمد سعيد خوجه))
|
الحمد لله حمداً كثيراً كما أمر، والصلاة والسلام على سيد البشر، وعلى آله وصحبه السادات الغرر. |
الأستاذات الفضليات |
الأساتذة الأكارم |
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: |
يطيب لي أن تتواصل لقاءاتنا مساء اليوم لنحتفي بسعادة الأستاذ الدكتور حسن بن عبد الكريم الوراكلي.. أستاذ الدراسات العليا في جامعة أم القرى، الأديب المتألق، صاحب العبارة الموشاة، والحرف الذي يقف بين الأهداب حائراً: هل هو من النثر؟ أم ينتمي إلى قبيلة الشعر؟ |
ويسعدني أن يأتي هذا التكريم امتداداً لأواصر التوأمة التي ربطت بين ((الاثنينية)) و ((النادي الجراري)) في المغرب الشقيق، بفضل من الأستاذ الدكتور عباس الجراري، وبمباركة كريمة من جلالة الملك محمد السادس، ملك المغرب، في خطابه الذي شرفني به بتاريخ 10/4/1422هـ الموافق 2/7/2001م.. مما شكّل دفعة قوية للتواصل في الخير وعلى درب الكلمة، يجد من الطرفين كل عناية وتقدير، وازدهار نتمنى أن يقوى عوده مع سطوع كل يوم جديد. |
إن فارس أمسيتنا أنموذج لتعدد المواهب.. فهو أكاديمي معروف، وله باع طويل في مجال تخصصه وعطائه على ساحة صروح كثير من الجامعات والمعاهد العليا، وأثره محمود ملموس لدى جمع كبير من طلاب الدراسات العليا، ولا أحسب أن شهادتهم فيه مجروحة، لأنه أعطاهم من جذاذات نفسه، وعميق فكره، وسابغ علمه، ما رفع قاماتهم الأكاديمية، وتوّج عناصر بحوثهم ودراساتهم بما تهفو إليه نفس كل دارس وهو شهادة الماجستير والدكتوراه أو (العالمية) كما أطلق عليها في زمن مضى. |
ومن ثمرات عطاء ضيفنا الكريم، أنه برع في نقش الحرف الجميل، وغرّد مع الكلم الموشى بنجيمات بديع اللغة، وينابيع الأساليب المتفردة.. فكلما سمعته أو قرأت له تمنيت المزيد من تلك الرشفات الهنيئة، فهي تحلق بالملتقي فوق ذرى الخيال.. غير أنه خيال مدعم بالواقع المعاش، فعذب بيانه ينطلق رقراقاً من بين حصاوي الأرض التي يقف عليها مع غيره من حملة الأقلام، لكنه إذا ضرب بقلمه في ثناياها انبعث له بريق الذهب والفضة وعذب المياه، وليس كل من فعل فعله نال على يديه ذلك الألق الفريد، فقد منحه الحق سبحانه وتعالى موهبة انتقاء درر القول.. ثم نظم تلك الدرر في عقود يزهو بها الزمان. |
لقد أبدع ضيفنا الكبير في كتابة القصة، والمقال الصحفي، والبحث العلمي، والتحقيق، والترجمة.. ولكل واحد من هذه الفنون خيمته التي تَسِعُ أوطاناً من كبار الباحثين الذين تشكّل قاماتهم منارات هدى، وأعمدة عطاء لا تعترف منابعه بالجفاف والسنوات العجاف.. فكيف بمن جمع تلك المزايا في إهابه، وعانق بقلمه ثريات الكلم، وعَطَّر الأحاسيس بما تألفه النفوس وتأنس إليه. |
وعندما يتناول أستاذنا الدكتور الوراكلي الدراسات الأندلسية، فإنه يبحر في العمق نظراً إلى نصيبه الوافر في اللغة الإسبانية، فجعل منها آلة يغوص بها في الآداب الأندلسية ليقتنص لآلئها وفرائدها، ويفوز على غيره ممن يقتصر عملهم على الترجمات العربية أو غيرها من اللغات عن الإسبانية، فكما تعلمون إن حساسية اللغة تفقد الكثير من أثرها وألقها عبر الترجمات المختلفة، وقد تتناثر المعاني الرقيقة وتصبح في زمرة الكلمات العادية إذا لم تجد العالم الأديب الذي تنبض روحه وتُفتن بجماليات الأصل، فيصعد به إلى آفاق تفتح نوافذها على عقول تترقب ضوء هذه الشموس المترفة بالجمال والأناقة والحياة المتجددة.. مشيراً في هذا الصدد إلى كتاب ((الحضارة العربية الإسلامية في الأندلس)) الذي صدرت طبعته الأولى عام 1419هـ/1998م، وطبعته الثانية عام 1420هـ/1999م في جزأين، بجهود ((الاثنينية)) التي شرفت بترجمته وطباعته بالتنسيق مع السيدة الفاضلة الدكتورة سلمى الجيوسي. |
هكذا عاش ضيف أمسيتنا ليواصل رسم لوحة طالما التصقت بوجداننا كما حمل العبير اسم (تطوان).. تلك المدينة الأندلسية الهوى التي تعج بالعلماء والفضلاء من ذوي النجابة الذين طرزوا بأسمائهم تاج المجد.. مدينة التاريخ العلمي والأرج الفقهي، فمن رجالاتها الفقيه العَلاَّمة أحمد بن تاويت، وشقيقه المرحوم محمد بن تاويت التطواني الأديب والمؤرخ والباحث، والفقيه محمد بن الهاشمي، والفقيه محمد فاتح، والتهامي الوزاني، الذي يطلق عليه البعض لقب قطب أعلام تطوان.. وكثير من أبناء (تطوان) إذا ذكر العلم والفضل تُردِّد ألسنتهم ـ وحُقَّ لهم ـ قول الفرزدق: |
أولئك آبائي فجئني بمثلهم |
إذا جمعتنا يا (أخيَّ) المجامع |
|
وكلمة (أخيَّ) تصرف في البيت أملته المناسبة. |
وأحسب أن أكثر قرّاء مؤلفات ضيفنا الكبير يسعد بتجربة العيش في عبق الماضي المجدول بألق الحاضر، في جدلية لا نهائية، تبوء بنعمة تاريخ مضيء، وتشرف بخيرات اليوم ومنجزه العلمي والتقني.. ولا أقول جزافاً إذا رأيت في أستاذنا الوراكلي عالماً موسوعياً، استطاع أن يوظف علمه ومواهبه بصبر وتؤدة ليصل إلى وجدان القارئ العربي في الشطر الشرقي من منظمة الدول العربية، في الوقت الذي يعلم الكثيرون أن معظم الكتّاب الأشقاء في دول المغرب العربي لديهم قاموسهم الخاص، الذي نحترمه ونقدره، غير أنه قد لا يتفق كثيراً مع مشارب وذائقة الشرقيين من أبناء العروبة، وهذا العبور في بحر الوجدان يعتبر في حد ذاته منجزاً يستحق الإشادة والتقدير، فما أحرانا بالتقارب الذي يُقوِّي أواصر المحبة والمودة والإخاء على بساط الكلمة بين جناحي الوطن العربي الكبير.. إنها أمانة نسأل الله سبحانه وتعالى أن يعيننا على القيام بها على الوجه المطلوب، فها هي إسبانيا، وفرنسا، وإيطاليا، وغيرها من الدول ذات العلاقة، تسعى إلى توطين لغاتها والحرص على مد جذورها في المغرب العربي.. كما تضرب (الأمازيغية) بجهد وافر لتنال نصيباً في هذا المضمار، وتبقى العربية تنافح وتكافح متكئة على مجد تليد، وأرجو أن تنهض مجدداً معتمدة على حاضر زاهر، وتترك وسمها على علوم الحاسب الآلي، والطب، والصيدلة، والهندسة، والفلك، والطيران والفضاء، شأنها عند بدايات النهضة التي أخذت بيد أوروبا من مجاهل القرون الوسطى إلى مشارف الحضارة والرقي. |
إنني على ثقة بأن ضيف أمسيتنا الكبير، والأساتذة الأفاضل الذين يسيرون على ذات النهج، قادرون بمشيئة الله على تحقيق ما نصبو إليه، وليس كثيراً عليهم مضاعفة الجهود لخدمة لغة الكتاب العزيز، واستمرار مسيرة التواصل مع أشقائهم في كل أنحاء الوطن العربي، حتى تتضافر الجهود، وتتحد الرؤى، وتتلاقح الأفكار، وصولاً إلى غاياتنا المشتركة نحو غد أفضل للغة العربية. |
أتمنى لكم أمسية مضمخة بأريج الخزامي، وعبق الياسمين، مع ضيفنا الكبير، وستكون هذه الأمسية مسك الختام لهذا الفصل من فعاليات موسم الاثنينية، على أن نلتقي مجدداً في فصلها الثاني بعد عطلة عيد الأضحى المبارك،أعاده الله عليكم مع من تحبون باليمن والخير، وعلى الأمة الإسلامية بوحدة الصف والتقدم والازدهار.. وستقوم سكرتارية الاثنينية بتذكيركم بموعد مواصلة المسيرة في الوقت المناسب إن شاء الله. |
شاكراً كريم تواصلكم.. وإلى لقاء يتجدد وأنتم بخير. |
والسلام عليكم ورحمة الله. |
عريف الحفل: إذن ننتقل إلى كلمات أصحاب السعادة المتحدثين ونذكر مرة أخرى بالوقت خمس دقائق الشيخ عبد المقصود أمامه مؤقت هنا وقال يرجو أن لا يغضب مني إذا رن هذا المؤقت. |
الشيخ عبد المقصود محمد سعيد خوجه: أحباب وزملاء وطلبة أستاذنا الكبير كثر وهذه من الليالي التي تلقيت فيها عدداً كبيراً ممن طلبوا الكلمة وكنت أتمنى أن أعطي مساحة من الوقت للجميع ويؤسفني إذا حجبت بعض الكلمات لأن الوقت بالتأكيد سينتهي ولن تنتهي هذه الكلمات فاخترنا وليست قضية أفضلية ولكن قضية أولوية فليعذرني من حجبت كلمته لأنني لم أحجبها ولكن حُجبت للزمن المتأخر لتسجيلها راجياً ممن ستتاح لهم الكلمة أن يتفضلوا بعدم تجاوز الخمس دقائق ليتركوا مجالاً للآخرين مع الشكر والتقدير للجميع. |
عريف الحفل: كذلك أعتقد لو تناول أصحاب السعادة كل جانب من جانب ضيفنا الكبير يبدو أنه ستكتمل الكلمات، ونحيل الميكروفون الآن إلى سعادة الأستاذ الدكتور محمد أبو الأجفان عضو هيئة التدريس في قسم الدراسات الشرعية بكلية الشريعة جامعة أم القرى. |
|