| ضفاف الهوى غنِّي الحبيب المغيَّبا |
| عسى العاشقَ المفتون أن يتَأوَّبا |
| سلا الظِّل مسفوحاً على الماء مترَفا |
| ووهج السنا مُلقى على الرمل مُتعبا |
| وملَّ الهوى لوناً على النخل مهرقا |
| ورَوْحاً كرَوْح المترفاتِ محببا |
| وجافَى بمخضلّ الضفاف أحبةً |
| تعشَّقَهم حتى اكتوى وتعذّبا |
| وغنَّاهمُ بَوْحَ اليراعين أحرفا |
| ألذَّ من المجنون سحراً وأعذبا |
| وما زال مشبوبَ الخيال، إذا شَدا |
| جرى العطرُ في رملِ الضفافِ فأعْشَبا |
| كأني بشطآنِ الخليجِ ترشفتْ |
| زُلالاً على شَبّابتيه مذوَّبا |
| إذا مدَّ في مهوى السراب شِراعَه |
| وعارضَ بالموجِ المعاندِ مَرْكَبا |
| أراك فتىً فوقَ العُبابِ مشمِّراً |
| يضمُّ على المجدافِ كَفًّا مدرَّبا |
| يطارحُ فوقَ اليمِ نجماً ونَوْرَساً |
| ويُؤنسُ تحتَ الليلِ قِلعاً وكَوْكبا |
| وإن جدَّ خلف الفاتنات يراعه |
| يَجُوسُ عليهن الخباءَ المُطنّبا |
| أسأل هوى يُوري الحُشاشات وهجه |
| وإن كانَ عُذْرِي العَفاف مُهذَّبا |
| يعيشُ بأجفانِ المِلاح مُهرَّبا |
| وماذا يكونُ العشقُ إلا مهربا؟ |
| فعاشقةٌ تخفيهِ تحت وسادِها |
| ووالهةٌ تبقيه سِراً مغيّبا |
| كأنَّ الهوى كأسٌ عليه مُقَدّرٌ |
| يُعَلُّ به أو أن يلام، ويُعتبا |
| فإن نسي النَّهدَ الصبيّ مُرفهاً |
| وتابَ عن الثغرِ الشهيّ مطيّبا |
| فما نسي الرملَ الحبيبَ مبعثِرَا |
| عليه رعافُ الْمحجرينِ مخضّبا |
| * * * |
| على الرَّبَواتِ الفيحِ أرسَى خباءَه |
| يسامرُ ديجوراً ويُسْهِرُ غيهبا |
| وفوق رُبى دارين ألقى رحالَه |
| يطنِّب للعشاقِ في الشمسِ مَضْرِبا |
| ومرّ على الأحساءِ يشكو جراحَه |
| وسيَّر من يبرينَ للعطرِ موكِبا |
| وأودع في سيف المنامة مَرةً |
| حشاهُ فما ألفاهُ إلا مُلبّبا |
| ومد الخطى يسقي على الوجدِ فَدْفَداً |
| وينضحُ جلموداً ويخصبُ سَبْسَبَا |
| ويشكو الهوى الممطولَ أهدابَ نخلةٍ |
| وجدولَ فيروزٍ على الرملِ مُسْهَبا |
| فلم يثنِ عن دربِ المحبينَ خطوةً |
| ولم يبغِ عَنْ وهجِ الصباباتِ مَهْرَبا |
| فبلَّغَ نجداً من رؤى الخانِ صبوةً |
| وحيَّا على ضوءِ المنارةِ يَثْرِبا |
| ومدَّ جناحاً في ذرى الشامِ، وانْثنى |
| يُنفِّضُ في شمسِ الكَنانةِ مَنْكَبا |
| وحينَ لَوَى حولَ المشاعرِ زنده |
| طوى في الحنايا زمزماً، والمُحَصَّبا |
| * * * |
| مضى كعمود الصبح فاجتاز مشرقاً |
| يذرذر فيه الضوءَ واحتلَ مَغْرِبا |
| إلى أنْ رمى فوقَ الفراتِ جناحَه |
| وأخلد يستهدي الرصافةَ ملعبا |
| وكنا حسبناه المقيم على الهوى |
| فما تاب عن ليلَى ولا مَلّ زينبا |
| ولا بارحتْ (باب الشمال) خيالَه |
| ولا الكوتُ و (الدستورُ) تلهو به الصَّبا |
| ولكنه ألقى على النهرِ جَفْنه |
| وأغفى كما أغفى المسهدُ مُوصَبا |
| ترشف سلسالِ الفراتِ فلم يُسِغ |
| عليه على طيبِ المواردِ مَشْرَبا |
| وعنَّته آرامُ هناكَ فلم يردْ |
| سواهن آراماً، ولم يهوَ ربربا |
| لك اللَّه يا عهد الصبابة رده |
| علينا فكم سقنا لعينيه مَعْتَبَا |
| جفانا ولم تبرح قوافيه بيننا |
| ترش علينا الياسمينَ مُرَطَّبا |
| وخاصَمنا والحبُّ بينَ ضلوعِنا |
| برغمِ الليالِي ما استكنّ ولا خَبا |
| فهاديه يا ريح الجنوبِ تحيةً |
| على البعدِ أصبى من شذاكِ وأخْلَبا |
| وناديه ألا يستبدّ به النوى |
| وإن جفتِ الشطآنُ، واغبرتِ الربى |
| فما زال في الآذانِ نَبْضاً مُهْدْهداً |
| حفيًّا، وفي الأجفان ضوءاً منقَّبا |