((كلمة فضيلة الأستاذ الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان))
|
شكراً جزيلاً.. بسم الله الرحمن الرحيم.. الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد.. |
أيها السادة الحضور من المبادئ الإسلامية والقيم الاجتماعية أن يُقال للمحسن أحسنت فبهذه المناسبة باسمكم واسمي واسم المجتمع السعودي نقدّر لسعادة الأديب الأستاذ عبد المقصود خوجه هذه المبادرة الكريمة لتكريم شخصية علمية كبيرة، كبيرة القيمة، كبيرة المقدار، ليست في بلادنا ولكنها خارج حدودنا، ونحمد الله أن سدّ سعادة الأستاذ عبد المقصود خوجه هذه الثغرة فقد سبقتنا إلى تكريم هذه الشخصية العلمية مؤسسات علمية وجامعية خارج الحدود، وكنا نحن أولى بها، هل نحن كمن قال: ((لا كرامة لقدير في وطنه))، أرجو أن لا نكون من هذا القبيل. |
لا أريد أن أتحدث عن فضيلة الأستاذ الدكتور عبد الملك بن دهيش فقيهاً عالماً مؤرخاً قاضياً مصلحاً اجتماعياً، فالذين سيتحدثون عنه سيجدون مادة خصبة ثرية في ذلك، ولكني أتكلم عن أمور صغيرة والأمور الصغيرة جداً أحياناً لها دلالاتها الكبيرة عند العقلاء، فأنا أتحدث عن أحداث صغيرة عشتها وعايشتها مع هذه الشخصية الكبيرة. |
سوف لا يكون حديثي تعداد المآثر للضيف الكريم، الفقيه القاضي المؤرخ المحقق الاجتماعي، الذي أحبه كل من عرفه واتصل به، عَلماً من أعلام مكة المكرمة بل علماً من أعلام وطننا الكبير، وبرّه بتاريخ بكة ورجالها وأهلها وغير ذلك مما سيتناوله المتحدثون، إنني هنا أتحدث عن مواقف الرجولة، المواقف المشرفة ذات الأحداث الصغيرة في حياة الكبار ولكن لها دلالتها الناطقة المعبِّرة بأعظم من ذلك. |
إن أنانيتي الشخصية تفرض عليّ في هذه اللحظات المعدودة أن أعرض هنا لبعض الأحداث والتجارب التي عشتها وعرفتها عن كثب في حياة ضيف الاثنينية الجليل، فهو قيمة علمية كبيرة في المجال العلمي، وقيمة اجتماعية مهمة في موازين المجتمع المكي الكريم، إن ضيق الوقت لا يتسع إلا بذكر أمثلة معدودة: |
أولاً: فيما يتصل بالدراسات والبحث العلمي تجربتي الشخصية مع ضيف الاثنينية الكبير يوم كنت طالباً في بريطانيا أحضّر للدكتوراه، كان من متطلبات البحث الاستشهاد ببعض قضايا المعاملات المالية الصادرة من المحاكم الشرعية في المملكة العربية السعودية، وقد طرقت الأبواب عبر القنوات الرسمية بدءاً من مكتب سماحة المفتي الأكبر رحمه الله تعالى، وانتهاء بمكتب رئيس المحكمة الشرعية في مكة، أخذت متردداً على مكتبيهما أياماً وأسابيع بين مكة والهدا والطائف، وكان هذا يكلفني مادياً وجهداً جسمياً، الإجابة من تلك الجهات عبارة على ورقة الطلب بين قوسين ((لا مانع حسب الأنظمة)) وكما هو معلوم فإن هذه العبارة الباردة لم تكن لتحقق طلباً، وحينها لجأت إلى الشيخ عبد الملك بن دهيش والأخ الزميل الشيخ عبد الرحيم الخالد حفظهما الله تعالى، فوجدت فيهما أخوين متعاونين يقدران كل التقدير المطلب العلمي الذي أسعى للحصول عليه، فمهَّدا لي الطريق، وفتحا مجال البحث في السجلات فدوَّنت منها ما اتسع لي الوقت من القضايا الشرعية، وفي كل مقابلة أجد من فضيلتهما البشاشة والرحابة والتشجيع. |
واستمر الاتصال بضيف الاثنينية على مدى أعوام الدراسة فقد أخبرت عدداً من الزملاء في بريطانيا بالمعاملة الحسنة التي وجدتها في رواق المحكمة الشرعية الكبرى بمكة المكرمة من صاحبي الفضيلة وما تحقق لي من استكمال بحثي للدكتوراه، فكان هذا بمثابة تشجيع لبعض الزملاء أن ينطلقوا في بحوثهم العلمية واستكمال ما يحتاجونه من أنظمة وقضايا هي في حدود الممنوع بحسب تفكير الرئاسات، وكان الأستاذ الدكتور عبد اللطيف بن دهيش حفظه الله همزة الوصل بيني وبين معالي الضيف حفظهما الله، وكنت أحصل على الإجابة السريعة، وكان لتزويده لعدد من الزملاء بالأنظمة القضائية المطلوبة أثر كبير في تقدم رسائلهم، الأكثر من هذا فإن بعض القضايا الشرعية المهمة التي دوّنتها أو عاجلني الوقت على تدوينها، دوّنت أرقامها من السجلات القضائية لا تزال حتى اليوم مادة مهمة لطلاب الدراسات العليا أشير بها عليهم عوناً بعد الله لبعض الطلاب لاستنساخها يرجعون إلى مصادرها لاستكمال دراساتهم وبحوثهم في الوقت الحاضر، إنه الموقف الرجولي أثمر ثماره الطيبة، بحوث علمية كاملة أسهم في تقدمها وتقدم أصحابها. |
ثانياً: موقف ضيفنا الكبير معالي الأستاذ الدكتور عبد الملك بن عبد الله بن دهيش المشرِّف من المأزق الذي وقع فيه رجل مكة الشيخ محمد سفر رحمه الله تعالى حين حافظ الأخير على حرمة قبر أم المؤمنين السيدة ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها فحوَّطه بسور ليمنع الاعتداء عليه، حين كان مقرراً أن يخترقه خط المدينة السريع بوادي سَرِفْ وكان كما هو معلوم أن شركات المقاولات لا يراعون حرمة لمكان، خصوصاً إذا كانوا يجهلون تاريخ الموقع فهو لا يعنيهم بحال من الأحوال، وكان الشيخ محمد سفر ـ رحمه الله تعالى ـ بحفظه حرمة قبر السيدة ميمونة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قد اتُهم ببعض الاتهامات العقدية القاتلة كما هي العادة المألوفة لدينا وقد بلغت هذه الاتهامات إلى المقامات الرسمية العُليا وأخيراً وجدت القضية طريقها إلى المحكمة الشرعية الكبرى في مكة المكرمة، وكان لضيفنا الكبير معالي الأستاذ الدكتور عبد الملك بن دهيش السعي المشكور في جلاء الحقيقة وكان من أثر جهوده المشكورة واستجلائه حُسن نوايا الشيخ محمد سفر ـ رحمه الله تعالى ـ تبرئة ساحته مما اتُّهِم به وكان على يده خلاصه من عواقب شديدة. |
آخراً وليس أخيراً، كان لجهود ضيف الاثنينية الكبير اليد الطولى في إنقاذ جزأين مهمين من كتاب تاريخ مكة القويم، الخامس والسادس وهو التاريخ الموسوعي الذي ألّفه العلاّمة المؤرخ الشيخ محمد طاهر كردي الخطاط، ـ رحمه الله ـ فبجهوده وسعيٍٍ من الشيخ عبد الشكور فدا ـ رحمه الله تعالى ـ أتمَّ طبع هذا الكتاب، ولولا تبنِّي معالي ضيف الاثنينية الشيخ عبد الملك بن دهيش لهذا الكتاب ما كان ليكمل تاريخ مكة المعاصر، ولكان مصير جزأيه الخامس والسادس الضياع، هذه أمثلة معدودة محدودة من برِّ معالي الشيخ عبد الملك بن دهيش في مكة بلداً وعلماء ورجالاً وتاريخاً، هي بعض ما وقفت عليه بنفسي، وهناك الكثير الكثير مما أعده ولا أستطيع أن أُعدده، حفظه الله وأدامه زخراً لهذا الوطن وللأمة الإسلامية وحفظه من الحسّاد والحقّاد ينعم في صحة وسعادة كفاء ما قدمه ويقدمه لها إنه سميع مجيب. وشكراً جزيلاً والسلام عليكم ورحمة الله. |
عريف الحفل: والكلمة التالية لمعالي الأستاذ الدكتور رضا عبيد مدير جامعة الملك عبد العزيز الأسبق وعضو مجلس الشورى الأسبق. |
|