(( كلمة معالي المحتفى به الدكتور حامد الغابد ))
|
ثم أعطيت الكلمة لمعالي الدكتور حامد الغابد، فقال: |
- بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، والصلاة والسلام على أشرف أنبيائه ومرسليه، محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. |
- صاحب المعالي الشيخ عبد المقصود خوجه، أيها الضيوف الكرام، أيها الإخوة الأعزّاء، يسرني أن أتواجد بينكم اليوم تلبيةً لدعوة كريمة وجّهها إلي أخونا العزيز الشيخ عبد المقصود خوجه، بصفتي أميناً عاماً لمنظمة المؤتمر الإسلامي. |
- وقد زاد من سروري أن أشارك في هذه الأمسية اللطيفة بحضور العديد من الشخصيات البارزة في ميادين الدين السياسة والدبلوماسية والإعلام والأعمال، الذين جاؤوا لحوار مفتوح حول مسيرة منظمة المؤتمر الإسلامي ومنجزاتها وتطلعاتها، وإني لعلى يقين من أن ما اكتسبوه من تجارب في شتى الحقول، من شأنه أن يثري العمل الذي كلفتني به الدول الأعضاء على رأس الأمانة العامة لمنظمة المؤتمر الإسلامي. |
- لقد أنشئت منظمتنا، التي احتفلنا منذ أيام بالذكرى العشرين لتأسيسها، على يد ملوك ورؤساء دول وحكومات ثلاثين دولة إسلامية إبّان اجتماعهم في مؤتمر قمة الرباط في شهر رجب من سنة 1389هـ. وتضم هذه المنظمة حالياً ستاً وأربعين دولة عضواً. |
- كان إنشاء منظمة المؤتمر الإسلامي مؤشراً لوعي عميق بخطورة التحديات المختلفة التي كان العالم الإسلامي يواجهها، ولإحساس المسلمين بضرورة إيجاد أداة عمل قادرة على إعطاء مضمون ملموس لمفهومَي الوحدة والتضامن الإسلامي. وقد عجل الحريق الإجرامي الذي تعرض له المسجد الأقصى المبارك على يد عناصر صهيونية يوم 21 أغسطس 1969م، بإنشاء المنظمة إثر سلسلة من المشاورات والتنسيق بين قادة العالم الإسلامي، وقد كانت هذه الجريمة النكراء مناسبة أليمة أذكت لدى الدول الإسلامية الإحساس بضرورة التعجيل بإيجاد أداة فعّالة قادرة على تجسيد تطلعاتها وتنظيم جهادها من أجل الحرية والمحافظة على التراث والدفاع عن الأماكن المقدسة في القدس الشريف وفلسطين المحتلة، ومن أجل السلام والتنمية الاقتصادية والاجتماعية. |
- وقد أكد بيان الرباط أن على منظمة المؤتمر الإسلامي العمل من أجل المحافظة على القيم الروحية والأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية التي جاء بها الإسلام والتي كانت وما تزال أهم عوامل التقدم الذي أحرزته الإنسانية، كما أكد البيان نفسُه على ضرورة عمل المنظمة على دعم أواصر الأخوة ووشائج التضامن والتعاون الإسلامي، بغية تحقيق الازدهار والتقدم والحرية للعالم أجمع. |
- وقد كانت الأهداف والمبادئ التي تضمنها ميثاق منظمة المؤتمر الإسلامي النبراس الذي يقود عملها ويوجِّهُه الوِجهة الصحيحة وعبر السنين أنشأت منظمة المؤتمر الإسلامي عدداً من الأجهزة المتفرعة والمؤسسات المتخصصة والمنتمية، تعمل جميعها على دعم التعاون بين الدول والجماعات الإسلامية في مجالات السياسة والاقتصاد والثقافة والعلم والمجتمع. |
- إن تقويماً سريعاً للإنجازات التي حققتها منظمة المؤتمر الإسلامي وأجهزتها ومؤسساتها، يمكّننا من إدراك الدور الحيوي الذي قامت به المنظمة خدمة لعملية التنمية الشاملة في البلدان الإسلامية. |
- فعلى الصعيد السياسي، كان إنشاء لجنة القدس برئاسة جلالة الملك الحسن الثاني تعبيراً عن تطلع الأمة الإسلامية إلى توحيد جهودها قصدَ مواجهة التحدي الصهيوني، وقد تمكّنت منظمة التحرير الفلسطينية، بدعم الدول الأعضاء من مضاعفة حماسها في الكفاح التحريري الذي يخوضه الشعب الفلسطيني الباسل، وكان من أهم نتائج ذلك استمرار الانتفاضة المباركة وبلوغُها أوج جذوتها، وإعلان قيام الدولة الفلسطينية المستقلة. |
- لقد كان دعم الأمة الإسلامية المستمر لكفاح الشعب الأفغاني العادل من أهم العوامل التي ساعدت على تخليص التراب الأفغاني من القوات الأجنبية التي كانت قد احتلته بالقوة وعَملت على القضاء على هويته الإسلامية، إلا أن الوضع السائد حالياً في أفغانستان ما زال يثير القلق العميق. |
- أما فيما يتعلق بالوضع بين إيران والعراق فقد قامت منظمة المؤتمر الإسلامي بدور فعّال منذ اندلاع النزاع المسلح بين الجارتين الشقيقتين، إذ شكَّلتْ لجنةَ السلام الإسلامية التي قامت بجهود محمودة ومشكورة في سبيل التوصل إلى حل عادل ودائم ومشرّف لكلا الطرفين، وقد استقبلت الأمة الإسلامية نبأ إيقاف الاقتتال بين البلدين بمزيد من الارتياح. وما زالت منظمة المؤتمر الإسلامي على دعمها لعملية المفاوضات الجارية بين البلدين في إطار الأمم المتحدة. |
- ولا يفوتني في هذا المقام أن أشير إلى الأهمية القصوى التي توليها منظمة المؤتمر الإسلامي إلى مشاكل الجماعات والأقليات المسلمة التي تعيش في الدول غير الأعضاء، لقد كانت المنظمة سبّاقة على الدوام إلى اتخاذ المواقف الجريئة والشجاعة كلما انتُهكت حقوق المسلمين في هذه الدول، ويكفي للتدليل على ذلك أن نذكِّر بما مارسته المنظمة من ضغوط مستمرة كانت نتيجتها اعتراف السلطات البلغارية بالحريات الأساسية والحقوق الدينية والثقافية للأقلية المسلمة ذات الأصل التركي، وقد جاءت النتائج المشجّعة للمفاوضات التركية البلغارية التي تمت برعاية صاحب السمو الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح، أمير دولة الكويت ورئيس الدورة الحالية لمؤتمر القمة الإسلامي، لتتوج هذه الجهود الدَّؤوبة التي لم يعرف الكلل إليها سبيلاً. |
- وأرى من واجبي في هذا المقام أن أتوجه بتحية إشادة لمعالي الدكتور عبد الله عمر نصيف، الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي لمساهمته الإيجابية في الجهود التي قام بها فريق الاتصال المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي حول وضع الأقليات المسلمة، وهو الفريق الذي يترأسه معاليه شخصياً. |
- وعلى الصعيد الاقتصادي جاء بيانُ مكة المكرمة الذي صادق عليه مؤتمر القمة الإسلامي الثالث، وهو بيان ذو أبعاد سياسية عميقة، ليعطي حيزاً واسعاً للتعاون الاقتصادي، وقد كانت خطة العمل التي تبنّتها هذه القمة لدعم التعاون الاقتصادي تتويجاً لإرادة قيادات الأمة التي أحسّت بأن مجال الاقتصاد هو الركيزة الصلبة لأي تعاون مثمر. وعليه فقد كان مؤتمر القمة الإسلامي الثالث منطلقاً لإنشاء لجان دائمة يرأسها رؤساء دول منها: اللجنة الدائمة للتعاون الاقتصادي والتجاري التي يرأسها فخامة رئيس الجمهورية التركية، واللجنة الدائمة للتعاون العلمي والتكنولوجي برئاسة فخامة رئيس جمهورية باكستان الإسلامية، ويتمثل دور هذه اللجان في إعطاء نفس جديد وحركة أكثر للتعاون بين الأقطار الإسلامية وتوجيه نشاطات منظمة المؤتمر الإسلامي في مختلف الميادين الاقتصادية والتجارية والعلمية والتكنولوجية. |
- وفي السياق نفسه، كان إنشاء البنك الإسلامي للتنمية بمثابة دعم ثمين للدول الأعضاء في جهودها التنموية وإنجاز من أعظم ما حققته الأمة الإسلامية إلى حد الآن، واسمحوا لي أن أنتهز هذه الفرصة لأتوجه بأحر التهاني القلبية لمعالي الدكتور أحمد محمد علي بمناسبة إعادة انتخابه رئيساً للبنك الإسلامي للتنمية، إن إعادة انتخابه في هذا المنصب ليست تعبيراً عن العرفان لبلده المملكة العربية السعودية فحسب، وإنما هي أيضاً اعتراف بما أسداه معاليه من خدمات جليلة للأمة الإسلامية من موقعه هذا، على رأس البنك الإسلامي للتنمية الذي أصبح يحتل مكانة مرموقة بين المؤسسات الدولية المهتمة بالتنمية في العالم. |
- أما على صعيد الثقافة والإعلام، فإن منظمة المؤتمر الإسلامي قد أنشأت العديد من المؤسسات التي يعمل كلٌّ منها على الرفع من المستوى الثقافي للإنسان المسلم كي يتسنّى له التصدي لمختلف الهجمات الثقافية والحملات المعادية للإسلام التي تقوم بها بعض وسائل الإعلام من حين إلى آخر، وقد كان مؤتمر القمة الإسلامي الثالث قد شكل لجنة دائمة للإعلام والشؤون الثقافية برئاسة فخامة رئيس جمهورية السنغال. |
- وبالإضافة إلى ذلك فقد أنشأت منظمة المؤتمر الإسلامي جامعاتٍ عديدةً في غرب أفريقيا مثل الجامعة الإسلامية في النيجر والجامعة الإسلامية في أوغندا، كما ترعى المنظمة حالياً جامعات إسلامية أخرى في آسيا كما هو الحال في بنغلاديش وماليزيا، وتساهم في إنشاء العديد من المراكز الإسلامية في كافة أنحاء العالم. |
- كما يؤدي صندوق التضامن الإسلامي الذي أنشئ سنة 1974م، بقرار من مؤتمر القمة الإسلامية الثاني دوراً حيوياً في عملية التنمية الثقافية للأمة الإسلامية، إذ ساهم الصندوق في رفع مستوى معيشة الجماعات الإسلامية وتخفيف آلامهما. |
- إنه من البديهي القول إن الطريق أمامنا ما زال طويلاً ووعراً، وإنه من الضروري بذل مزيد من الجهود المنسّقة لتنفيذ خطط العمل المقررة في مختلف أجهزة منظمة المؤتمر الإسلامي، فبفضل الإرادة السياسية المتوفرة أصبحت منظمتنا وهي الناطق الرسمي باسم أكثر من مليار مسلم مُوزَّعين على كافة أنحاء العالم إطاراً للتشاور والتفكير، حيث تتبادل الدول تجاربها وتنسق مواقفها إزاء المشاكل الدولية، وتحدد ما يجب القيام به من عمل إسلامي مشترك من شأنه دعم التنمية الاقتصادية والثقافية والاجتماعية لشعوب الأمة الإسلامية. إن التحديات التي تواجهنا عديدة، لذلك يجب علينا - ونحن على أعتاب الألف الثالثة بعد الميلاد - أن نضاعف جهودنا ونشحذ عزائمنا ونُحسن تدبيرنا ونعتَصِمَ بتضامننا الإسلامي لمواجهة هذه التحديات. |
- ولا يفوتني قبل أن أختتم كلمتي هذه أن أجدد لخادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود حفظه الله ولحكومة المملكة ولشعبها الكريم أسمى عبارات الشكر والامتنان لما دأبت المملكة العربية السعودية على تقديمه من دعم متواصل لكل ما من شأنه خدمة الشعوب الإسلامية. |
|
- وسأكون مقصراً لو لم أذكّر في هذا المقام بدعم خادم الحرمين الشريفين الفعّال لتجديد العمل الإسلامي المشترك طبقاً لقرار المؤتمر الإسلامي الثامن عشر لوزراء الخارجية المنعقد في الرياض في شهر مارس 1989م. |
|
- وقد استقبلت الأمة الإسلامية جمعاء بمزيد من الامتنان رعاية خادم الحرمين الشريفين لاحتفال المنظمة بذكرى إنشائها العشرين، الذي أقيم في 7 فبراير الماضي في جدة وشهد نجاحاً باهراً بفضل تعبئة كل الهيئات الإدارية السعودية بتوجيهاته السامية والحكيمة. لقد رأت الأمة الإسلامية في ذلك تعبيراً جديداً عما تلقاه منظمة المؤتمر الإسلامي من رعاية من قِبَلِ المملكة العربية السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود حفظه الله. |
|
- وأود في ختام هذه الكلمة أن أجدد لمعالي الشيخ عبد المقصود خوجه أحرّ عبارات الشكر على هذه الدعوة اللطيفة، كما أشكركم على حسن استماعكم. ويقيني أن الحوار المثمر الذي سيشفع العرض التمهيدي الذي قدمته حول منظمة المؤتمر الإسلامي سيمكننا بإذن الله من إثراء معلوماتنا والوقوف على الجديد من الآراء واستشراف خطة جديدة للعمل النافع لشعوب الأمة الإسلامية. أشكركم. |
- والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. |
|
|