(( كلمة الأستاذ إياد مدني ))
|
ثم أعطيت الكلمة للأستاذ إياد مدني المدير العام لمؤسسة عكاظ الصحيفة، فقال: |
- أود بداية أن أشكر للصديق العزيز الأستاذ عبد المقصود محمد سعيد خوجه دعوته الكريمة للمشاركة في الترحيب بضيف هذه (الاثنينية) فخامة الدكتور حامد الغابد، أمين عام منظمة المؤتمر الإسلامي. |
- ولعل من مكرَّر القول ومُعاد الكلام أن أنوّه بالدور الثقافي الهام الذي تلعبه أمسيات "الاثنينية" على الساحة الفكرية. فبعد تكريم جيل من الروّاد، وبعد أن تخطّت أمسياتها حدود الإقليمية، وأسهمت في تكريس مفهوم الوطن الواحد الذي يدين أبناؤه بولائهم وانتمائهم لدينهم ومليكهم ووطنهم بمفهوم التراب الذي يتخطى أنسجة الإقليمية والقبلية المختلفة. |
- أقول إن "الاثنينية" أصبحت قناة من القنوات التي تذوب عبرها مثل ذلك التقوقع وتلك الانغلاقية.. وها هي الآن تعبر أيضاً حتى حدود الوطن لتكرم رجلاً من رجالات العمل الإسلامي، لكن تكريم رجل من رجالات الإسلام هو في واقع الأمر تكريم لهذا الوطن. فقد حبانا المولى عزّ وجلّ بهذه الأماكن المقدسة، تقع بين ظهرانينا، وتذكرنا صباح ومساء أن في هذه الديار نزل الوحي على سيد الأولين والآخرين، وعلى بطحائها ضرب رجال خلّدهم التاريخ أروع النماذج في الإيمان والتضحية والصبر على البلاء، ومن على هذا التراب ظهرت دولة الإسلام الأولى، وحكم رجالات مثل سيدنا أبو بكر الصديق، وسيدنا عمر بن الخطاب، وسيدنا عثمان بن عفان، وسيدنا علي بن أبي طالب. |
- فالإسلام وهذا البلد وأهله وحياتهم وتفكيرهم ومنهجهم شيء واحد وثوب لن تنفصم عراه بإذن الله. |
- والرجل الذي نكرّم الليلة والذي يطل عليكم بسيمائه المتواضعة ومحيّاه المحب المطمئن، يحمل خبرة سنوات طويلة من العمل السياسي والفكري على مختلف المستويات وأرفعهـا، فهـو - كما سمعتم - يتولى أمانة منظمة المؤتمر الإسلامي منذ بداية عام 1989م، كما سبق له أن عمل كمدير تنفيذي مقيم في البنك الإسلامي للتنمية لمدة ست سنوات وكان الدكتور الغابد قد درس في بلده النيجر، كما درس في الجزائر وفي ساحل العاج ثم في باريس وواشنطن، فهو ابن أفريقيا الذي طرق مناهل العلم في قارته وفي ذلك العالم الساحر عالم الغرب بهيمانه وسطوته، ولعل ذلك المزيج فيه هو الذي مكّنه من تقلُّدِ تلك المناصب الحكومية الرفيعة في بلده النيجر كوزير للتجارة، ووزير للمالية ونحن نعرف ما لوزراء المالية من سطوة وبأس، ثم رئيس للوزراء لخمس سنوات أتى بعدها ليتسنم ذروة العمل الإداري التنفيذي في منظمة المؤتمر الإسلامي، ومع تلك المناصب والمسؤوليات فقد حصل الأستاذ الغابد على درجة الدكتوراة من جامعة السوربون في فرنسا حول البنوك الإسلامية ومشاكلها وآفاقها. |
- ورجل هذه خلفيته وتلك إمكانياته، لا بد وأن يحرك قدْراً كبيراً من التوقعات لدى المهتمين بالعمل الإسلامي والمعلقين عليه الآمال، وهو يقود منظمة يعلن ميثاق تأسيسها بأن هدفها الأول والأسمى هو إيجاد وحدة تضامن وتآلف بين دول العالم الإسلامي. |
- ونحن نسأل فخامة الدكتور الغابد: أين العمل الإسلامي من كل هذا؟ وكم هي المسافة التي قطعناها نحو هذه الأهداف المعلنة منذ نحو عشرين عاماً؟ |
- لعلّ في السؤال شيئاً من عدم الإنصاف، فالرجل يتولى مسؤولية منظمة تتحمل إرثاً من صنع غيره، كما أن نجاحه وقدرته مرهونتان برغبة تلك الدول التي تشكل منظمة المؤتمر الإسلامي أن تصنع منها جهازاً فعّالاً حقيقياً، أو أن نتركها إطاراً مفرغاً من محتواه، مسخراً لإصدار بيانات الشجب والاستنكار كما هو حال غيرها من المنظمات الدولية والإقليمية. |
- لكن هذه المعوّقات، أو هذه التحدّيات هي التي تطلب جهد الرجال، وهي التي تحتاج لمن هم في ثقافة وخبرة وحنكة حامد الغابد. |
- والسياسي يعرف أن صنعته هي فن الممكن، وأن خطواته تسير على طريق طويل لا يمكن طيّه بين يوم وليلة، وأن مهمته بأن يبحث عن القواسم المشتركة بين جمهوره. |
- أقول إن عالماً إسلامياً مثل عالمنا، باعدت بين أطرفه ظروف الاستعمار والإقليمية، وغذّت صراعاته قوى تبذر وتنمي الطائفية والمذهبية، واستسلم أهله لغزو فكري وحضاري يباغتهم من كل الجهات ومن مختلف المؤسسات يحتاج أول ما يحتاج لأن يعرف نفسه، ويدرك مقوّمات وجوده. وإن مثل هذه المعرفة هي ما يحتاجه العالم الإسلامي حقاً من منظمة المؤتمر الإسلامي، وإن مثل هذه المعرفة هي التي يمكن لها أن تشكل القاعدة الصلبة لأي عمل سياسي موحَّد في المستقبل. فلتبثّ منظمة المؤتمر الإسلامي المعرفة بالعالم الإسلامي بين أهله، المعرفة بعالمهم وبشعوبهم وبتاريخهم وبأقلياتهم وبحدودهم، وبأدبهم، وشعرهم، ومفكّريهم، وفنّانيهم، وتركيبتهم السياسية، ومشاكلهم ومقوماتهم الاقتصادية. مستخدمة في ذلك كل وسائل وتقنيات المعرفة والاتصال، تطبع الكتب وتوزعها بمختلف اللغات وبآلات النسخ، وتقيم الندوات والمحاضرات في أطراف العالم الإسلامي، وتنتج الأفلام والمسلسلات والبرامج الوثائقية والترفيهية، وتقيم المسابقات في كل فن وفي كل لون، وتجعل الأقطار المتباعدة أكثر فهماً بعضها لبعض، وأكثر قرباً بعضها من بعض. |
- أليس من الغريب أن نعرف نحن في هذه الأمسية عن تركيبة ألمانيا السياسية أكثر مما نعرف عن تركيبة النيجر؟! وعن أدب فرنسا وفلاسفتها أكثر مما نعرفه عن مفكري أندونيسيا؟! وعن أسلوب حياة كاليفورنيا أكثر مما نعرفه عن رجل الشارع في تركيا؟! وعن أخبار الكرة في بريطانيا أضعاف ما نسمعه عن أنشطة الرياضة في ماليزيا؟! وعن مشاكل بولندا الاقتصادية أكثر مما يطرق سمعنا عن وضع نيجيريا؟ وعن تجارب تشيكسلوفاكيا السياسية أكثر من تجارب نيجيريا؟! الحقيقة أننا لا نعرف أو أن معظمنا لا يعرف، وحتى نعرف فكيف يجوز لنا أن نفكر في عالم إسلامي واحد، وفي عمل إسلامي موحّد؟!. |
- وأنت الآن يا دكتورنا العزيز، يا حامدنا الغابد، أمامك الفرص التاريخية لتساهم في إيجاد مثل هذه المعرفة. والسلام عليكم ورحمة الله. |
|
|