(( كلمة سماحة الشيخ محمد الحبيب بلخوجة ))
|
ثم أعطيت الكلمة لسماحة الشيخ محمد الحبيب بلخوجة، فقال سماحته: |
- بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. |
- حضرات السادة الأماجد، والإِخوة الأكارم، من ضمن الأيام الثلاثة البيض اليوم الخامس عشر من شهر شعبان، هذا اليوم الذي بدأ بغسيل الكعبة مع طلوع فجره فذهب الناس أفواجاً إلى البيت العتيق وتمسّحوا بالأركان وأدَّوا صلاتهم في جوف الكعبة متقربين إلى الله ومنيبين إليه، وفي هذا اليوم الذي يأتي مساؤه لنلتقي فيه لقاءاً مباركاً في هذا البيت العامر مع المحتفى به والمحتفي، أشعر بأن هذا اليوم من الأيام الغرّ، وأن هذه الليلة من الليالي الكريمة التي نستطيع أن نتحدث فيها حديث الأخ لأخيه وحديث الإنسان لنفسه لأنها مع الابتهاج طريق للتذكير وسبيل لإنارة المنهج والطرق العملية التي ينبغي أن يأخذ بها الإنسان نفسه، ثم ما نؤمله من وراء هذه اللقاءات. وأنا في بداية القول ينبغي أن أشير إلى أنني لن أستطيع أن آتي بشيء كثير مما ينبغي أن أقول في هذا الوقت القليل، خصوصاً بعد الإلماعات الكريمة والإشارات الجميلة والجليلة التي تقدم بها معالي د. عبد الله نصيف. وهو يشير إلى نشاطات منظمة المؤتمر الإسلامي وإلى الدور الكبير الذي يقوم به د. حامد الغابد. |
- إن هذه المهمة - التي أسندت لمعالي د. حامد الغابد على رأس منظمة المؤتمر الإِسلامي والتي هي مهمة شاقة وكبيرة وأمانة ثقيلة حمّله الله إياها - تدفعنا إلى أن نتصور الأوضاع التي عليها المجتمع الإسلامي. |
- المجتمع الإسلامي شئنا أو أبينا غير متماسك، والمجتمع الإسلامي فيه أدواء وأمراض كثيرة، والمجتمع الإسلامي يحتاج إلى إيقاظ للنفوس وإحياء للقلوب ودفع إلى العمل الصالح، ويحتاج إلى النية الصادقة وإلى الثبات في العزم، والرشاد في الأمر، فهذه الأشياء لسوء الحظ غير متوفرة في العالم الإسلامي لكثير من الناس أفراداً ومجتمعات. فوجود منظمة المؤتمر الإسلامي هو سبيل أو طريق لتدارك هذا الأمر بالنسبة للمجتمع الإسلامي. |
- المجتمع الإسلامي بعد أن مرت عليه الحقب التاريخية التي كان فيها مستعمراً للدول الأجنبية ومحكوماً لغير الله، بل للعصابات الماكرة من النصارى والصهيونية ومن الدول الغربية، لم يستطع أن يسترجع حقيقته ولا أن يبلغ الأمل الذي يطمع فيه إلا بعودته إلى الله، إلا بالأخذ بطريق الجهاد وهذا الجهاد والعودة إلى الله مكّناه من أن يجمع الجموع وأن يكوّن لنفسه قدرة عجيبة يستطيع بها أن يفرض وجوده. لكنه مع هذه المحاولة ما زال يحتاج إلى عناية كبيرة وإلى بذل عجيب من الطاقات تهيئه ليحتل مكانته، لأن العالم الغربي وما فيه لا ينقصه شيء من المكر وله وسائل لتهديم المجتمعات الإسلامية، فينبغي للمجتمع الإسلامي أن يكون على حذر وأن يحتاط للأمر. |
- فمنظمة المؤتمر الإِسلامي، وجدت بعد حريق بيت المقدس، وعندئذ فإن العملية الأولى التي كانت وراء تكوين منظمة المؤتمر الإسلامي إنما كانت إيجاد هيئة منظمة لنتمكن من رد الاعتبار للأمة الإسلامية، وذلك بجعلها منسجمة، متعاونة، متعاضدة تقف صفاً واحداً أمام العدو، ثم إعادة الاعتبار للأمة الإسلامية لم يكن فقط راجعاً إلى تكوين هذه المنظمة ولا إلى الوقوف في وجه الأعداء ولكن دفعت إليه أسباب أخرى، فإن كثيراً من المسلمين كانوا قد يئسوا من المستقبل واستولى عليهم العجز والكسل، وأخذهم الحزن والخوف، ونحن نجد في كتاب الله وفي سنة رسوله ما يدفعنا إلى التحرر من هذه الأدواء والأمراض، ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعيذ من العجز والكسل، وكان القرآن يهيب بالمسلمين إلى أن يؤمنوا بالغد الأفضل وأن لا يقنطوا من رحمة الله، ولا ييأسوا. فبهذه الاعتبارات، تكون منظمة المؤتمر الإسلامي من واجباتها أن تعيد الثبات واليقين للمسلمين وأن تجعلهم مؤمنين بمستقبلهم قادرين على مواجهة كل التحديات، وهكذا ينتقل دور منظمة المؤتمر الإسلامي من معالجة الأوضاع الداخلية النفسية في المجتمع الإسلامي ومن معالجة الأوضاع التي تجعلها مقابلة ومواجهة للعدوان الأجنبي تدفع بها مرة ثالثة إلى استرجاع المناعة والقوة وإلى البحث عن وسائل التغلب على العقبات وعلى التحديات، وذلك بإيجاد الوسائل الكفيلة بإرجاعها إلى الجادة لأن تكون في المستوى الذي كتبه الله لها، هذا المستوى الذي لا ينبغي أن يقل بالنسبة لمنظمة المؤتمر الإسلامي عن دور منظمة الأمم المتحدة ولا عن دور مجموعة الدول غير المنحازة، فإن هذه المنظمة الإسلامية هي كغيرها من المنظمات الأخرى ينبغي أن تقوم بدورها وأن تتحمل الأمانة، فإذا قامت بدورها تكون قد قامت بهذا الدور على مجالين، المجال الأول الإسلامي والذي ينبغي أن نحرص عليه هو أن الدول المنضوية تحت مظلة منظمة مؤتمر العالم الإسلامي ينبغي أن تكون مفاخرة بإسلامها معتزة به شاعرة بأنه هو المحرك الحقيقي الذي يكسبها الرهان ويقودها إلى النصر، وفي المجال السياسي فنحن نستطيع أن نقول لغيرنا: |
فقلت لمحرز لما التقنيا |
تنكب لا يقلدك الزحام |
|
- فإن فينا من القادة ومن الساسة ومن رجال الاقتصاد ومن رجال العلم ومن المتمكنين من نستطيع أن نباهي بهم وأن نحقق الغد الأفضل على أيديهم، ولذلك فإن منظمة المؤتمر الإسلامي التي ترتكز على محاور ثلاثة: المحور الأول هو القمة، والمحور الثاني مؤتمر وزراء الخارجية، والمحور الثالث هو المحور التنفيذي. الأمانة العامة لمنظمة المؤتمر الإسلامي ينبغي أن تأخذ بكل السبل التي تحقق للمجتمع الإسلامي التطور والرقي والتقدم في كل المجالات، كما تدل على ذلك الأجهزة المتفرعة عن المنظمة والأجهزة المتخصصة بها والمؤسسات المنتمية لها والجامعات التي أوجدتها. فنحن عندما ننظر إلى هذه الكوكبة من المؤسسات والمنظمات التي تعمل بقيادة منظمة المؤتمر الإسلامي نستطيع أن نقول إن غداً لِناظره قريب وإن المستقبل سوف يكون كريماً، لكن كيف السبيل إلى ذلك؟ كيف السبيل بالنسبة للفرد؟ وكيف السبيل بالنسبة للجماعة؟ |
- أقول: وهذه كلمة مخلصة أوجهها للدكتور حامد الغابد وأوجهها للمحتفين بالدكتور حامد الغابد وأوجهها قبل توجيهها إليه وإليكم إلى نفسي وهي الكلمة التي تصلنا بالله وتجعلنا مقدِّرين للواجب المفروض علينا، وهي الكلمة التي أشار إليها أبو حامد الغزالي رحمه الله في كتابه الإحياء، عندما أشار إلى طريق الله فقال: إن هذا الطريق يرتكز ويقوم على أربع قواعد، القاعدة الأولى المراقبة، والقاعدة الثانية المحاسبة، والقاعدة الثالثة المشارطة، والقاعدة الرابعة المشاهدة. أليس المسلمون في قرآنهم وفي كتاب ربهم يخاطَبون بالمؤمنين؟ أليسوا مدعوين إلى الإيمان وإلى القيام بالعمل الصالح؟ أليس استخلافهم في الأرض وعملهم في هذه الدنيا يقوم على الشعور بكونهم يعبدون الله، ولذلك قال الله تعالى: وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون، فهذه العبادة تتحقق بهذه الشروط. |
- أولاً المراقبة، إذا أصبح كل فرد منا يراقب نفسه حتى لا يكون دائماً في عمله إلا متجهاً إلى الحق قاصداً إلى الخير عاملاً في سبيل تحقيق رفعة نفسه ورفعة المجتمع من حوله فقد تم الشرط الأول. |
- والشرط الثاني هو المحاسبة، لأنه قد يكون قد أخلّ من حيث لم يُرِد الإخلال فتأتي المحاسبة لتجبر جوانب الضعف التي تنشأ في الفرد وفي المجتمع. |
- ثم المشارطة، أن يشرط على نفسه بلوغ هدفٍ ما ويعمل حريصاً على تحقيق وذلك الهدف وهذا ما يجب أن يتمالأ عليه المسلمون عامة. |
- والأمر الرابع أن يبلغ بهذه المحاسبة والمشارطة الدرجة العليا التي أشار إليها نبينا صلى الله عليه وسلم في إجابته لجبريل عندما سأله ما هو الإحسان؟ قال: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك. هذا المعنى هو معنى المشاهدة، فإذا تمت المشاهدة فإننا نبلغ بإذن الله في كل عمل نقوم به وفي كل مجال نعمل فيه إلى الغاية المُثلى التي نطمح إليها، وهذا العنصر إنما يتحقق من أصحاب اليمين، وأصحاب اليمين هم الذين أشار إليهم الكتاب العزيز في قوله: وأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة، وهؤلاء هم الذين أوكلهم الله إلى أنفسهم امتحاناً وابتلاء وزوّدهم بآلات كثيرة ليتمكنوا من تحقيق النتائج الفاضلة الكريمة، ولذلك ورد في الكتاب العزيز قول الله تعالى مخاطباً الإنسانَ أو متحدثاً عنه: ألم نجعل له عينين ولساناً وشفتين وهديناه النجدين، فلا اقتحم العقبة وما أدراك ما العقبة فك رقبة، أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيماً ذا مقربة أو مسكيناً ذا متربة، ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة. أولئك أصحاب الميمنة هنا لا أنظر إلى القريب بمعنى النسيب ولا أنظر إلى التراحم بالنسبة إلى الغني مع الفقير، ولكني أنظر إلى المجتمع الإنساني الذي ينبغي أن يكون متضامناً تضامناً كاملاً والذي لم توجد منظمة المؤتمر الإسلامي إلا لتحقيق هذا الهدف وهو هدف التضامن، حتى لا يبقى جماعة في مجاعة والآخرون أغنياء أو جماعة في ذل وهوان والآخرون أعزّاء بل تتكافأ دماء المسلمين وذِمَمُهم ويصبحون يداً قادرة على عدوهم، فبذلك يتحقق الاستخلاف في الأرض، وهو الذي وعد الله به عبادَه المؤمنين. |
- وإذا كنا نحن قد أُقصينا عن مجال الاستخلاف أو أُقصينا عن محلّ الريادة والسيادة فذلك لما بدر منا ولما حصل من أعمال يبغضها الله، ولذلك الرجوع إلى ما كنا عليه وما كان عليه السلف الصالح من الريادة والسيادة إنما هو وعد مقطوع من الله سبحانه وتعالى للمؤمنين حين يقول لهم: وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض وهذا يمثل البعد العملي والاجتماعي والميداني. |
- ويتلخص هذا كله في أن يجعل المسلم قائداً أو تابعاً وإماماً أو مقلداً وشاباً أو شيخاً ورئيساً أو مرؤوساً أن يجعل أمامه ونصب عينيه قول الله تعالى: وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون. وأحسبني عندما أشير إلى هذه الآية، أشير إلى وجوب مطابقة العمل للعقيدة، إذ لا يكفي أن يقول الإنسان أنا مسلم ولكن ينبغي أن يقوم بما تقتضيه حقيقة الإسلام. فمنظمة المؤتمر الإسلامي وما ينبغي أن يقوم به أمينها العام يجعلها في مقدمة المؤسسات الدولية إذا تحققت هذه الشروط، وكان البذل والعطاء سبيلاً لتحقيق النتائج الباهرة والتقدم بالمجتمع الإسلامي تقدماً عملياً ملموساً وهو السبيل الذي يؤدي إلى الفخر والاعتزار كما يحقق التقدم والصدق مع الله فيما التزم به كمسلم ومع النفس فيما يجول بخاطره ومع المجتمع الإنساني الذي ينتسب إليه. |
- نسأل الله لنا التوفيق والعون والتأييد لنبلغ الأهداف الكبيرة العالية من وراء أعمالنا كلها ومن وراء المراكز الهامة التي يحتلها البعض منا فيكون بمركزه وبعمله مؤيداً من الله لما ينويه من الخير ولما يبذله من الجهد لتحقيق النفع العام للمجتمع الإسلامي. وشكراً لكم. |
|